بينما يفضّل الكثير من الفنانين والفنانات العرب جعل حساباتهم الخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي الافتراضية فضاءً للتباهي بأنفسهم وإبراز نجوميتهم ونشر صور وفيديوهات عن أسفارهم ومغامراتهم، تحرص الممثلة الأمريكية أنجلينا جولي على مشاركة المهمّشين بعضا من معاناتهم والتخفيف عن أحزانهم، وتطلق مبادرات إنسانية تحظى بالتقدير.
هذا الأسبوع، كانت أنظار العالم منصبّة على تطورات الحرب في أوكرانيا، لكن أنجلينا باعتبارها «سفيرة النوايا الحسنة لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة» اختارت التوجه إلى اليمن، من أجل لفت انتباه المنتظم الدولي إلى معاناة النازحين هناك جراء الحرب المتواصلة منذ سنوات، وتوعية اليمنيين الذين يعانون من المجاعة والكوليرا والاقتتال، فضلا عن حشد دعم عاجل لجمع التبرعات المالية قبل مؤتمر دولي مخصص لهذا الغرض في 16 مارس الحالي.
قنوات تلفزيونية عربية وعالمية لم تنس تسليط الضوء على مهمة الممثلة الأمريكية، رغم الانشغال بمستجدات الوضع العالمي؛ ومن ثم، رصدتها وهي تجلس على الأرض، وتستمع إلى قصص الناس البسطاء المغلوبين على أمرهم، نتيجة حرب قاسية، شارك فيها الأشقاء قبل الأعداء، وتحدثت إلى نساء نازحات يكافحن من أجل تغطية نفقاتهن.«سفيرة النوايا الحسنة» ظهرت بلباس نسائي محلي، واضعة الكمامة على وجهها، وتوجهت للقاء نساء وأطفال في محافظة لحج اليمنية التي لجأت إليها حوالي 35 أسرة فارّة من منازلها، بحثا عن الأمن والمأوى والغذاء، وقلما يتيسر لها ذلك، إذ لا توجد خدمات أساسية هناك على الإطلاق، أقرب مصدر للمياه يبعد بـ 15 كلم… لا كهرباء ولا مدارس ولا رعاية صحية، حسب أحد المدونين.
قناة «بي بي سي عربي» اختارت إبراز هذا الحدث في برنامجها «ترندينغ» حيث أوردت على شاشتها التفاعلية تغريدة لسفيرة النوايا الحسنة، قالت فيها: «بينما نشاهد الفظائع في أوكرانيا، أدعو لوقف الصراع هناك… أنا هنا في اليمن لدعم أناس في أمسّ الحاجة إلى السلام، حيث يُقتَل أو يُجرَح مدني كل ساعة في عام 2022.» وأضافت في تغريدة أخرى: «قبل عبور لاجئٍ أوكرانيٍّ واحد الحدود، كان هناك بالفعل أكثر من 82 مليون شخص أُجْبروا على ترك منازلهم حول العالم؛ وهو أعلى رقم مسجل.» وتختم بالتأكيد على أن «جميع اللاجئين والنازحين يستحقّون معاملة وحقوقا متساوية.»وخلاصة القول، إن أنجلينا جولي لم تشأ الاحتفال باليوم العالمي للمرأة تحت أضواء هوليوود أو في أحد الفنادق أو المنتجعات الفخمة، بل احتفلت به على طريقتها الإنسانية النبيلة مع الناس «الغلابة» في اليمن… اليمن الذي لم يعد سعيدا!مَن يشتري «فخر لندن»؟أرقام الأمم المتحدة تفيد أن أكثر من 7 ملايين و300 ألف شخص في اليمن بحاجة إلى مأوى ومساعدات غذائية.
لكن، يبدو أن هذا المعطى لا يعني شيئا لبعض الأثرياء العرب، فكل همّهم هذه الأيام هو التسابق من أجل الظفر بالفوز بصفقة نادي «تشيلسي» الإنكليزي لكرة القدم، كما تشير إلى ذلك وسائل الإعلام المختلفة.الروسي رومان أبراموفيتش الذي كان يملك النادي حتى وقت قريب، لم تشفع له ملياراته العديدة، ولا إنجازاته ضمن الفريق الرياضي نفسه، ولم تشفع له حتى الجنسية الإسرائيلية التي يحمل وزرها، فقد نزلت السياسة بثقلها عليه مع الحرب التي يشنها النظام الروسي حاليا على أوكرانيا، وصار مجبرًا على ترك «فخر لندن» (اللقب الذي يطلق على النادي المشار إليه) بل إن جميع ممتلكات أبراموفيتش في المملكة المتحدة صارت مهددة بالمُصادَرة بناء على توصية من أعضاء في البرلمان البريطاني، بتهمة تورطه في جرائم وقضايا فساد، بالإضافة إلى علاقته الوطيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفق تقرير لقناة «الجزيرة» الإخبارية.
وما إن سقطت البقرة، حتى كثرت السكاكين، وتسارعت الطلبات لشراء «تشيلسي» من عدة بلدان: سويسرا، بريطانيا، أمريكا، تركيا، غانا… الخ، رغم الثمن الباهظ للصفقة (نحو 4 مليارات دولار أمريكي). لكن موقع «سي إن إن» عربية رجّح أن البيع لن يكون لشخص واحد، وإنما لتجمّع مشترك من المستثمرين.ما يهمّنا في هذا السياق أن أثرياء عربا أخذتهم العزّة الكروية أو المالية ـ لا فرق ـ فأعلنوا عن نيتهم الدخول إلى حلبة المنافسة هذه، من بينهم رجل أعمال مصري شهير، وشركة سعودية عملاقة.والظاهر أنه، إذا استحوذ العرب على أسهم النادي الإنجليزي العريق، فسيكون ذلك فخرا للأمة، وانتصارا عظيما لها على أعدائها في مشارق الأرض ومغاربها!ولا يهم أن يقول قائل إن تلك الأموال كان من المفروض أن تُوجَّه ـ مثلا ـ إلى اللاجئين اليمنيين ضحايا الحرب، فيكفي أن الأمريكية أنجلينا جولي تقوم بذلك. جزاها الله خيرا!
جزائريون معجبون بـ«بوتين»
إذا كان العديد من العرب قد توحّدوا في محبة أسطورة «تشيلسي» ورغبوا في وصالها (وهي لا تقرّ لهم بوصل) فإنهم قد تفرقوا «شذَر مَذَر» في الموقف من الحرب الروسية على أوكرانيا. ومَن يشاهد البرامج الحوارية على الفضائيات العربية هذه الأيام، يجد بعض المتحدثين يميلون إلى روسيا وبعضهم الآخر إلى أوكرانيا؛ بمعنى آخر، عودة الاصطفاف بين المعسكرين الشرقي والغربي.أما في معظم القنوات الجزائرية فتكاد الكفة تكون راجحة لصالح روسيا وحدها، كما حدث مع برنامج «ويكاند ستوري» الذي تبثه قناة «الشروق» حيث لوحظ أن معظم ضيوف الحلقة منجذبون نحو «الدب الروسي» لدرجة أن أحد الحاضرين نعتهم بـ»البوتينيين» نسبة إلى فلاديمير بوتين. وقد وجد هذا الوصف هوى في أنفسهم، إذ اعتبروا أن الرئيس المذكور محط الإعجاب، كان محقا في ما قام به تجاه أوكرانيا.وتملّك الحماس الممثل عثمان بن داود لدرجة أنه استحضر تبعية أوكرانيا للاتحاد السوفييتي سابقا، كما استحضر الزمان الذي كانت فيه كييف عاصمة لروسيا القديمة!
ودون الخوض في أسباب انحياز جزء كبير من النخبة الجزائرية نحو بوتين، لأن المقام لا يتسع لذلك، نتساءل: أليس أجدر بها الابتعاد عن مسألة تبعية أوكرانيا للإمبراطورية الروسية؟ لأن هذه الحجة غير المنطقية بمعيار القانون الدولي، يمكن أن تسري على العديد من البلدان الحديثة. بمعنى أوضح، إذا قبلت أن يبسط بوتين نفوذه على أوكرانيا، باستحضار عهد الإمبراطورية الحمراء، فعليك أن تقبل أن يفعل أردوغان الشيء نفسه في بعض بلدان شمال إفريقيا أو الشرق الأوسط، لاستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية!