كل يوم، كل حدث، في كل حركاته، وترنحاته، يراكم النظام الجزائري من الحقائق والبيانات والفريات التي تثبت أن في “تركيبته حاجات غلط”. كما يقول إخواننا في مصر، مازحين أو غاضبين أو ساخرين… وأم تلك “الحاجات الغلط” وضعه على “تردد” الحقد على المغرب، بحيث يقع منه موقع مبرر الوجود وبحيث لا يبث على “الهواء” إلا الانفاتات حقده وزفير غله من عقدته المغربية.
حقد النظام الجزائري على المغرب، مزمن فيه ومدمن عليه، بحيث يوجه سياساته وينتج فيها أفعالا وسلوكات عالية الدرجة من العبث… ليس ذلك “العبث” الذي اخترق إنتاج الأدب الإنساني “خاصة في أوروبا”، سنوات ستينيات وسبعينيات القرن الماضي… ولكن ذلك العبث الذي تؤدي إليه “قلة الأدب” السياسي… والأخلاقي.
النظام الجزائري، بكل مكوناته من الفاعل الرئيس، الجيش، إلى أدواته في الرئاسة، في الحكومة، في الإعلام وفي بعض الأحزاب السياسية… لديه عقيدة واحدة… هي قاعدته… عقدة المغرب، رهابه وهجسه منها… والأمثلة على ذلك هو من ينتجها… بغزارة، بحماس وعن سبق إصرار وترصد… حتى أنه لا يرى إلا المغرب “عدوا” جاثما على حاضر الجزائر وعلى مستقبلها وعلى تدبير أوضاعها… المغرب، رآه في تآكل عشب ملعب رياضي… رآه، في انتفاضة منطقة القبائل… رآه في تقرير للبنك الدولي… رآه في هزيمة الجزائر كرويا في المنافسة الإفريقية وفي تصفيات كأس العالم… ورآه… ورآه… وأخير رآه في هجوم على قافلة تجارية شمال موريتانيا، بينما نفت موريتانيا ذلك وأكدت خلو أراضيها من أي هجوم على المدنيين وأية عملية عسكرية… مع ذلك هو مصر على إدعائه، ويكذب تكذيب موريتانيا… وكان قد رأى المغرب في احتراق شاحنتين جزائريتين في منطقة عازلة بين الحدود المغربية الجزائرية… كل ما رأه النظام، من حضور مغربي في مشكلاته وحوادثه… رآه وحده، وكل إدعاءاته بقيت حبيسة بياناته وتسريباته وإعلامه، وخطب الرئيس المنتدب للدولة وتشكياته لضيوفه، وأيضا خطب الحاكم بأمره رئيس أركان الجيش.
لا أحد غير النظام العسكري الجزائري رأى أو أكد أي اعتداء مغربي على الجزائر ولا أي انحشار للمغرب في قضاياها الداخلية ولا أي استفزاز لها صادر عنه ولا أي تآمر عليها من جهته… لا أحد… لا موريتانيا، ولا المينورسو، لا الإعلام العالمي، لا الأمم المتحدة، لا الاتحاد الإفريقي، لا دول الجوار الأوروبي… ولا الشعب الجزائري… وكل أولائك، وغيرهم في العالم على بينة من صمم النظام الجزائري عن نداءات الملك محمد السادس له بالحوار والتفاهم… وهم شهود على ما يعد به مقترح الحكم الذاتي من آفاق سلمية رحبة تفيد الجزائر قبل غيرها… إن جنح نظامها إلى السلم.
الحقد على المغرب يستبد بالنظام الجزائري… وحجب عنه معاينة التحولات في الأوضاع العالمية، وما أدت إليه أو نتج عنها من مفاهيم ومعايير جديدة لتدبير الدول وإدارة علاقاتها الخارجية… العالم حوالي الجزائر تغير واتجه إلى تشكيل جديد لأوضاعه، وإلى ترتيب آخر لدوله ولتكتلاتها ولتصنيفاتها ولجاهزيتها للتموقع، المفيد للعالم، في خارطته الجديدة، السياسية والاقتصادية. النظام الجزائري مقيم في مفاهيم ماضي أوضاع العالم… والمغرب توغل في مسالك المستقبل… وذلك ما يغيض جنرالات الجزائر… ويغيضها أكثر أنها “تفاجئ” بعزلتها في الأوضاع العالمية الجديدة… النظام عطل فيه مجسات التوقعات، وبالتالي الموجهات الإستراتيجية للتعاطي مع متغيرات العالم، في المحيط القريب ذي التأثير المباشر. وفي الدائرة العالمية الأوسع والتي تنتج تحولاتها موجهات أو هزات ارتدادية ترج نظاما ضعيف المناعة… كما هو النظام الجزائري… توالت الأحداث الدالة على التحولات العالمية، وليس في النظام العسكري من يقرأها ويرتب عليها تفاعلات سياسية، تقيه هذه العزلة الموحشة التي وجد نفسه فيها، وغذاؤه فيها حقده على المغرب.
حركات انفصالية عدة في العالم، بعد عشرات السنين من الوجود، وضعت سلاحها واندمجت في الحياة السياسية لبلدانها… في أمريكا اللاتينية، في آسيا، في أوروبا… العالم وقف ضد انفصال الأكراد في العراق، ووقف ضد انفصال كاتالونيا في اسبانيا… ولا أحد في النظام الجزائري يهتم باستخراج المعنى من ذلك… لأن لا أحد في ذلك النظام سليم من الحقد على المغرب لكي يحرر نظره ويفتحه…
لمرجعية السياسية لتلك الوقائع والمتصلة بتحولات الأوضاع العالمية امتدت واتسعت حتى داهمت النظام العسكري الجزائري في “اطمئناناته” وكان لها وقع ناسف لقلاع أوهامه… مقترح الحكم الذاتي الذي كان المغرب بادر به، من موقع معادلة قوة الحق الوطني بمرونة الواقعية السياسية، يتيح انسحابا مشرفا للجزائر من منازعتها في مغربية الصحراء… ذلك المقترح تجاوب مع مرجعيات التحولات السياسية العالمية والتي تغلب الحلول السياسية للنزاعات الإقليمية… رفضته الجزائر، واستمرت تتاجر مرة وتتسول مرة أخرى بالوهم الانفصالي… غير أن بضاعتها كسدت وفسدت… والأرض من حولها اهتزت بهذا التجاوب الدولي والنوعي مع “مقترح الحكم الذاتي” في الصحراء المغربية… الولايات المتحدة، ألمانيا وأخيرا، اسبانيا، وهو الحدث الذي نسف ما بقي من مخابئ أوهام لدى النظام الجزائري… تلك الاعترافات بالحق المغربي وبالحل المغربي تراكمت كما ونوعا مع اعترافات كل دول الخليج العربي، مصر، العراق، عدة دول افريقية، دول مجموعة الكرايبي… وأيضا فرنسا، التي تبنت المقترح المغربي ورافعت من أجله في مجلس الأمن لسنوات… وعدة دول أوربية أخرى، مرشحة للتعبير عن اسنادها للمقاربة المغربية السلمية… خاصة وأن أوروبا ستجد نفسها متوجهة نحو إفريقيا، في ما يشبه ضرورة الوجود، على إثر وقائع العمليات العسكرية في أوكرانيا، وتداعياتها الاقتصادية عليها… والمغرب أكثر تأهيلا سياسيا واقتصاديا لاستقطاب التوجه الأوروبي نحو إفريقيا. وهل لا بد أن نذكر بقرار مجلس الأمن الأخير في أكتوبر الماضي والذي يعلن رسميا مضمون المقترح المغربي مرجعية للمقاربة العالمية لقضية الصحراء المغربية، بمفرداته ومنطلقاته… القرار الذي لم تعترض عليه روسيا، ولعلها ستواصل تفهما للمبادرة المغربية، في سياق تداعيات الاستفزازات الأطلسية لها والموقف الحكيم للمغرب منها… وأمامنا مناسبة اجتماع مجلس الأمن يوم 20 أبريل لتتضح الصورة أكثر… كل ذلك، دفع النظام الجزائري إلى التيه ووضعه في عزلة، أججت “جنونه”… ونمت شعوره بانخفاض في قيمته في المحافل الدولية… المضحك أن جمال بلماضي مدرب المنتخب الجزائري صرح بأنه “لاحظ مؤخرا، كون الحكام الأفارقة، لم يعودوا يحترموا الجزائر”… ليطمئن السيد بلماضي انخفاض منسوب الاحترام للنظام الجزائري لدى حكام الدول أكثر من حكام المقابلات الرياضية، وهو أوضح وأصعب.
الأسبوع المنصرم، في كلمة “توجيهية” له في قاعدة عسكرية للمنطقة السادسة، تحدث رئيس الأركان السيد شرينقيحة عن “أن الجزائر تتعرض للمؤامرات، من الخارج ومن الداخل”… ودعا من كان يخاطبهم “بوجوب احترام مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش”… ولن نجد أوضح من هذا التعبير عن الطبيعة العسكرية للنظام… السيد أضاف دليلا آخر على المتوفر من الأدلة والمؤشرات والحقائق منذ 1962 وإلى يومنا هذا، على البناء العسكري للنظام. جنرالات الجيش الجزائري مهيمن على مفاصل وأوصال الدولة حولوها إلى مجرد نظام… وزعوا بينهم مواقع الاغتناء من محاصيل الدورة الإنتاجية والاقتصادية للبلاد… ويكمنون خلق “فزاعة المغرب” التي يغذونها بعقدهم… لا دولة ولا بطيخ… بلا قابلية وبلا قدرة على تحسس التاريخ والتفاعل مع حركيته…
مفاعل الدولة في المغرب نشيط… يجدد نوابضه، ويصون لياقاته، وهو الذي يخفر المغرب في مجرى التاريخ بمؤهلاته، ويقطره إلى مواقع إنتاج التاريخ … المغرب تقوده دولة، ثقفتها الجغرافيا ومرنها تاريخ، وعبر بها “فوق رؤوس الحقب”… دولة ممتلئة بشعبها وهو مناعتها… ونبضهما على إيقاع واحد.
ملك المغرب سعى بإلحاح، إلى مساعدة النظام الجزائري على التخلص من كوابح أوهامه وأحقاده… عبر دعوته له للانخراط في فعاليات الحوار وفضاءات التآخي والتضامن… لكن، ليست دولة تلك التي خاطبها ملك المغرب بعقل سياسي يعي نداءات التفاعل مع التحولات الإستراتيجية وهي المثمرة وبعائداتها على الجزائر وعلى المغرب وعلى المنطقة المغاربية… تبين أنه كان يخاطب رئيسا ناقص الأهلية الرئاسية… رئيس لا يجيد سوى السقطات والهنات ويتقطر بالمضحكات من العثرات، وهي كثيرة وموثقة… واحدة منها تكشف ضحالت ثقافة الرئيس وخاصة الدينية… من نوع ما كشفه فيديو متداول يصور مشاركة الرئيس في صلاة العيد… لقد ابتدع له قاعدة جديدة لصلاة الجماعة بخلق منصب “إمام مساعد”، يأم الصلاة جنبا إلى جنب الإمام الأصلي أو الرسمي… أو الإداري الذي يقبل بثنائية إمامة صلاة الجماعة، على غير ما فعله المسلمون منذ السنوات الأولى للدعوة الإسلامية وإلى يومنا هذا… وواحدة أخرى تبين فقدان الرئيس للبوصلة السياسية… وهي، تلك الثرثرة، إذا لم تكن هذيانا، التي “أمتع” بها الوزير الأمريكي للخارجية والتي عجت بالسقطات الديبلوماسية وبالبهتان غير السياسي، ضد المغرب، مع توابل الحقد في الرئيس وفي موجهيه وفي صحبه، وأيضا ضد موريتانيا وليبيا. خطبة كانت شاردة عن مناسبة اللقاء وثقيلة على ضيفه… ودالة على الهزال السياسي لصاحبها.
من مأثورات الأدب السياسي، حكمة فرنسية بليغة… حكمة قابلة للتحوير أو الاقتباس وهي تليق بالنظام الجزائري… تقول الحكمة… إذا دخل بهلوان قصرا رئاسيا، الراجح أنه لن يكون رئيسا، أو على الأقل رئيسا فعليا… لكن المؤكد أن القصر الرئاسي يصبح سيركا… وفي الحالة التي تعنينا… هو سيرك فرجته لا متعة فيها… واللاعبون فيه بلا مواهب.