ليس لنا من سبيل لتأكيد عدالة قضية وحدتنا الوطنية والترابية سوى إلحاحنا على أننا ساعون حقا ، وبكل ما يتطلبه الأمر من صبر وأناة ، لتسوية نزاع الصحراء القائم بيننا وبين الجزائريين.
ولا نحتاج إلى التذكير بأن المغرب بنى سياسة مواجهته مع الجزائر على مبدأين أساسيين : أولا التشبث بالسلام ، وثانيا البناء والتشييد كما لا نحتاج إلى التأكيد على أن البوليساريو ليست سوي واجهة يصر الجزايريون على أنها الطرف الأساسي في النزاع ٠ ولقد جاء موقف المسؤولين السياسيين الفوري المتشنج من القرار الأسباني ليؤكد هذه الحقيقة التي لم تكن تخفى على أي أحد ، ولكن إذا كان مايزال من يأخذ بها ، فلأسباب ذاتية أو لدوافع نفعية.
وأنه لمن المؤسف أن لا تجد مؤسسات هيأة الأمم المتحدة لنفسها سبيلا قانونيا للتخلص من الوضع الذي ما تزال تتحرك في إطاره وتسجن نفسها فيه٠.
لقد أعلن بلاغ صادر عن الديوان الملكي هذا اليوم ٣١ مارس ٢٠٢٢ أن جلالة الملك محمد السادس جدد التعبير عن التقديرلمضمون الرسالة التي وجهها لجلالته السيد بيدرو سانشيز رئيس الحكومة الإسبانية ٠
وإن ما ورد في هذه الرسالة ليفسر ما أشار إليه بلاغ الديوان الملكي من أن ” الشراكة بين البلدين ( أي المغرب وإسبانيا ) أضحت تندرج في إطار مرحلة قائمة على الإحترام المتبادل والثقة المتبادلة والتشاور الدائم والتعاون الصريح والصادق ” لقد كان ما احتوت عليه البيانات والتصريحات الإسبانية في الفترة القليلة الماضية كافيا لكي ترقى العلاقات إلى ماورد في مكالمة جلالة الملك مع رئيس الحكومة الأسبانية ودعوته لزيارة المغرب٠
فالواقع أن الأسبان كانوا هذه المرة صريحين في الإعتراف بالسيادة المغربية ، وذلك عن طريق الإعلان بالتشبث بوحدة التراب الوطني لكلا البلدين ، وهذا يعني إعتراف إسبانيا بسيادة المغرب على أراضيه ، كما يراها ويعلن عنها ويمارسها على أرضه وبما تقتضيه القوانين الدولية ٠ والحقيقة الناصعة هي أن ما يستنتج من الموقف الأسباني المعلن عنة رسميا والذي لا يقبل المراجعة ، يستمد قوته مما تم إقراره بمقتضى اتفاقية مدريد بتاريخ ١٤ نوفمبر ١٩٧٥ ، وما أعقبها من تطبيق لبنودها ، رغم محاولة بعض الأسبان الإنحراف عنها٠
ويستمد الموقف الإسباني قوته أيضا مما جد بعد ذلك ، وخصوصا ما حدث في إقليم وادي الذهب ، عندما شهد في شهر غشت من سنة ١٩٧٩ تجديد وجهاء الإقليم ورؤساء قبائله وعلمائه البيعة إلى ملك المغرب على غرار أجدادهم٠
وبمقتضى الواقع الذي أصبحت عليه الأقاليم الصحراوي الجنوبية ، والذي يستمد قوته من القانون الدولي الذي يقر تسليم الأرض إلى أصحابها الشرعيين بمقتضى التعاقد الذي يرضي أهلها ويستجيب لوضعهم ولمتطلبات حياتهم ، بمقتضى هذا الواقع أقدم الأسبان اليوم على الأعتراف ضمنيا بالسيادة المغربية على أراضيه الصحراوية ، مؤكدين أن الحكم الذاتي الذي ارتضاه المغرب لنفسه ، هو أكثر الحلول قابلية للتطبيق وهو المؤدي لتسوية نزاع الصحراء٠
وإنه لمن المؤسف أن يظل القادة الجزائريون مصممين على تجاهل الواقع الشرعي الذي أصبحت عليه الأقاليم الجنوبية المغربية ، وأن يستمروا في منازعة المغرب في سيادته على أرضه الصحراوية٠
لكن ما الفائدة من ذلك ؟ وماذا في وسعهم أن يحدثوه من تغيير في واقع يفرض نفسه ويعيشه أهل الصحراء ؟ ، إن ألأغلبية الساحقة من الصحراويين المغاربة يعيشون في أرضهم وديارهم وفي اطمئنان وأمن وسلام وتعايش مع كل السكان الذين أختاروا العيش والتعاون على البناء والتشييد ، ومن يرغب في التأكيد في ذلك عليه أن يزور الأقليم الصحراوية ويتجول في أرضها الطيبة المعطاء لقد سبق أن تأكد أنه لم يكن من السهل الوصول إلى ما وصل إليه المغرب في تأمين ظروف العيش والتعايش في الصحراء ، لو لم يكن الشعب المغربي ونظامه بقيادة المؤسسة الملكية ، وعلى عهد المغفورله الملك الحسن الثاني ، ثم على عهد القيادة الموفقة لجلالة الملك محمد السادس ، لولم يكونوا قد أحسنوا التدبير٠
وفي انسجام تام مع كل مكونات الشعب المغربي ٠ ولم يكن من الممكن تحقيق الأمن والأستقرار في ربوع الصحراء ، لو لم يكن النظام الملكي قد عرف كيف يدير الصراع مع الجزائرطوال عقود من الزمن ، شهدت صعودا وهبوطا في المواجهات الشرسة التي فتحت ضد المغرب ، سواء على الصعيد السياسي أو الدبلوماسي أو حتى الحربي٠
لقد خابت كل المواجهات الحربية على الخصوص ، بالإنكسارات والإنهزامات ، وهي مواجهات خاضتها الجزائر ضد المغرب بالوكالة عن طريق تمويل وتسليح حرب العصابات المنسوبة للإنفصاليين الصحراويين ، وبالاستعانة في مراحلها الأولى بخبراء حرب العصابات من كوبا والفيتنام وغيرهما مما نعرف ولا نعرف٠
وبكثير من الصفاقة لم يكن القادة الجزائريون يترددون بالإقرار بما يفعلون وبما يحاك بينهم وبين غيرهم من حلفائهم ضد المغرب ومن أرضهم حيث يتعهدون ويروجون لما يسمونه جيش التحرير الصحراوي ، ويتيحون للإنفصاليين تجنيد الأطفال وعلى الأرض الجزائرية ، ضدا على القانون الدولي ، ويدفعون بهم ليكتووا بنيران الحرب التي يدعون بوجودها عن طريق بلاغات قارب عددها خمسمائة بلاغ٠ لقد سقطت كل الرهانات من أيدي قادة الجزائر، وكانت الضربة التي هزت أركان النظام الجزائري قد تمثلت في سقوط الرهان على الموقف الإسباني الذي ظلوا يعتبرونه سندهم الأساسي ، ومن تم يمكن إدراك سر الغضبة التي عكسها قرار استعداء سفير الجزائر في مدريد ، وهو قرار لا تستسيغه الأعراف الدولية ولا تجد له تبريرا معقولا يجيزه٠
إن ما يصر عليه قادة الجزائر لا يعدو أن يكون من قبيل ما يمكن وصفه بالعبث التاريخي بكل المقاييس ، ولا يرتكبه إلا من شاخت أفكارهم مثلما تبدو على محياهم شيخوختهم وهي تثقل كاهلهم٠ فلا التاريخ يمكن أن يرجع إلى الوراء ، وقد رأينا ما يحدث في أوكرانيا عندما أرادت روسيا أن تعيد سطوة الاتحاد السوفياتي المنهار على بعض من جمهورياتها السابقة ، ولن يرجع التاريخ إلى الوراء ليعيق الجهود السلمية التي يسعى المنتظم الدولي لإنجاحها بمساعدة المغرب المعني مباشرة بالأمر٠
كما لن يرجع التاريخ إلى الوراء ليغير من الواقع الذي أصبحت عليه الأقاليم الصحراوية المغربية ، وقد تحقق لأهلها ما كانوا يطمحون إليه في الإندماج الاجتماعي والإقتصادي والبشري بوطنهم وبمواطنيهم من مختلف ربوع المملكة المغربية ، كما لن يسمح المغرب بأي مساس يضر بما تحقق لأهلنا في الصحراء من أمن واستقرار واطمئنان ، وأن للمغرب من الإرادة ما يتيح صيانة عرينه ٠
.الدار البيضاء ٣١ مارس ٢٠٢٢