خلال عقدين على الاقل؛ وامام التحولات العميقة التي يعرفها تقاطب المصالح الدولية؛ وسعي بعض القوى الصاعدة الى رسم معالم جديدة في مجال العلاقات الدولية؛ سعى المغرب الى هندسة وبناء علاقات جديدة قائمة على تنويع الشركاء والاحتفاظ بمسافة من مختلف القوى العالمية؛ بما يعزز استقلالية القرار السيادي للدولة…غير أن هذا المنهج؛ الذي تعرض للتحدي والاختبار في أكثر من مناسبة بل وأبان عن بعض من المحدودية والتخبط؛ يطرح سؤالا عميقا بشأن ” تنويع الشركاء” بين تدبير زمن”اشكالات سوء الفهم” و”تدبير زمن تنازع المصالح” على اعتبار أن اشكالات التدبير مختلفة ومتباينة ؛ ولعلها أكثر تعقيدا وصعوبة في “تدبير زمن تنازع المصالح”.
في ضوء هذا التقديم يحق لنا ؛ بعيدا عن التطبيل والتهليل؛ أن نسائل التحولات التي طرأت على العلاقات المغربية الإسبانية باعتبارها تحديا مرتبطا في المقام الأول” بتدبير تنازع المصالح كل المصالح”…
بعيدا عن رسائل الود المتبادلة بين رئيس الحكومة الإسبانية والعاهل المغربي.. وما تسمح به من مسافات القراءة والتأويل المتباين؛ وبصرف النظر عن طبيعة السياقات الدولية المتغيرة؛ فإن رئيس الوزراء الاسباني؛ حل بالمغرب وخلفه جدل سياسي كبير وقرار صادر عن البرلمان الاسباني؛ يدين ما أسماه تخلي مدريد على الحياد في موضوع نزاع الصحراء؛ وبالتالي فإن هذا القرار؛ الممثل لعمق الديمقراطية الإسبانية ؛ وان بدا مخالفا لارادة ورأي رئيس الوزراء ؛ فإنه من جهة أخرى وفر له قاعدة خلفية صلبة للمناورة او أمتلاك مسافة أرحب لتدبير “تنازع المصالح” ؛ تعلق الأمر بمستقبل سبتة و مليلية المحتلتين او بالتحديات والاشكالات ؛التي من المفترض أن تعترض ترسيم الحدود البحرية الاطلسية؛ بما في ذلك “الثروات المجهولة لجبل تروبييك”…بالمقابل فإن الموقف المغربي، وان تمكن من اختراق جديد في الموقف الاسباني الا ان هذا الاختراق هش؛ ولعل ما يزيد من هشاشته ؛ مسارعة البرلمان ؛ بمناسبة افتتاح الدورة الربيعية إلى الانخراط في زمرة التطبيل؛ دون أدنى اي تحفظ أو تنبيه؛ قد يقول البعض ان الامر طبيعي ؛ في سياق الصلاحيات الدستورية ؛ التي تجعل من القضايا الخارجية ؛ اختصاص حصري للملك ؛ وبالتالي فإن البيان الصادر عن البرلمان مؤطر بالدستور وبرأي الأغلبية الحكومية؛ لكن ما ننساه او نتجاهله؛ ان غياب أي موقف معارض او على الاقل متحفظ؛ يضيق مسافة المناورة امام رئيس الدولة؛ سيما واننا في بداية مرحلة”تدبير تنازع المصالح” بمعنى أخرى كيف سنواجه غدا مسألة سبتة مليلية المحتلتين؟ وكيف سنواجه تحديات ترسيم الحدود البحرية الأطلسية وهل سنكتفي فقط بكون الاقرار بترسيم هذه الحدود هو اعتراف ضمني بمغربية الصحراء؟ علما ان المعركة ؛ التي يقودها مند مدة ؛ تهدف إلى تجاوز”الضمني والشكلي” ودفع الشركاء للخروج من المنطقة الرمادية .
* عضو المجلس الملكي الاستشاري المغربي للشؤون الصحراوية