( ورأي الشيخين المراغي ومحمود أبورية في رواية المعراج )
بعيدًا عن رأيي الشخصي في قضية المعراج، أنقل لكم رأي الشيخ المراغي في تفسيره نصا عن رواية المعراج وعن الفريق الذي اعتبر رواية المعراج ” عبث لا يليق بحكمة الحكيم ” كما انقل لكم رأي الشيخ محمود أبورية الذي اعتبر الرواية من الاسرائليات المدسوسة. لكن قبل هذا اود أن أناقش معكم ما قاله إبراهيم عيسى نصا، وبدون تحيز له، لنعرف إن كان قد أنكر المعراج فعلًا أم أنه نقل لنا رأي آخرين. ١/ بداية، من يشاهد الحلقة سيكتشف أن موضوعها لم يكن عن المعراج، ولكن عن ” جهل وتزييف رجال الدين للدين الحقيقي، من وجهة نظره، وكونهم غير أمناء في نقل الآراء الفقهية، لأنهم ينقلون الرأي الذي يوافق معتقدهم دون الرأي الآخر، ثم ضرب مثلا بقصة المعراج، فقال نصا : ” إيه رأيك إن مفيش معراج، وإنها قصة وهمية، دي كتب السيرة اللي بتقول، دي كتب التاريخ اللي بتقول، دى حتى كتب الحديث اللي بتقول، بس هو، أي رجل الدين، مصدّر لك الكتب اللي بتقول حصل، والكتب اللي بتنفي المعراج مش متقالة .. ” نلاحظ التالي من الفقرة: _ هو لم يقل ” مفيش إسراء ” لأن الإسراء ثابت في القرآن، وهذا يعني أن الرجل مؤمن بالقرآن وما جاء فيه، ولكنه منكر، كفريق كبير من الشيوخ والمفسرين، لتلك الرواية، ويريد من الشيوخ أن ينقلوا بأمانة الآراء التي تنفى حدوث المعراج._ لم يقل ” مفيش معراج ” كفتوي، ولكن كمعلومة تعبر عن كلام آخرين سابقين بقوله ” دي كتب التاريخ اللي بتقول ” أي أنه ليس صاحب هذا الرأي، بل معتنقه لأنه موجود.السؤال هنا: هل المؤمن بالله وبالقرآن وبالنبي محمد كافر لمجرد أنه انحاز لرأي فريق من المفسرين على فريق آخر؟ هل المنكر لما، يظنه، يتعارض مع القرآن كافر؟ ثانيا: الا يعتبر مدلسا كاذبا مجرما ذلك الذي يجتزئ كلامه من سياقه، ويقول ” إبراهيم عيسى ينكر الإسراء والمعراج ” فيجعله عرضة للتكفير والتحقير والشتم من بعض العوام الجهلة وربما يجعله معرضا للقتل كما حدث مع فرج فودة؟ كلنا يؤمن أن الدين قائم على المذاهب، والمذاهب قائمة على الاختلاف، وأن المجتهد إذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد، وكلنا يؤمن أنه لا كهنوت في الإسلام، و ” لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك”. لاحظوا اني لا أتحدث هنا عن رأي قاطع، فربما يكون إبراهيم عيسى مخطئا، ولكن ماذا لو كان مخطئا، أليس كل ابن آدم خطا، أليس رأيي صواب يحتمل الخطأ، أليس من حقي ان أشك، غيرة على ديني، في رواية تناقض العقل والنقل، وتصور الله مجسدا، كأنه ملك او مدير مؤسسة، يدخل عليه الناس، رواية تقدم موسى النبي البشري كأنه أعلم من الله ومن النبي محمد، اليس من حقي أن أرفض الزعم ان الله لا يعلم أن فرض خمسين صلاة في اليوم معناه أن كل نصف ساعة صلاة، فلا وقت للنوم ولا للطعام ولا للعمل؟ وعلى افتراض ان تقديري أو حتى فهمي كان خاطئا، هل هذا يجعل المخطئ كافرا زنديقا؟ ٢/ انتقل الآن للجزء الثاني من المنشور وهو تقديم وجهتي نظر عالمين من العلماء، وأتركهما لتدبر القارئ الذي من حقه أن يختلف معهما ويعتنق أفكار آخرين، الأول للشيخ المراغي وهو العالم الأزهري المفسر الشيخ أحمد بن مصطفى المراغي، يقول في ” تفسير المراغي” ج ١٥ ص ٩، تحت عنوان إلمامة في المعراج يقول : ( أ ) آية الإسراء إذ صرح فيها أنه أسرى بعبده، والعبد مجموع الروح والجسد، فوجب أن يكون الإسراء حاصلا بهما.( ب) الحديث المروي في كتب الصحاح، كالبخاري ومسلم وغيرهما، وهو يدل على أن الذهاب من مكة إلى بيت المقدس، ثم منه إلى السموات العلى، ثم إلى مستوى سمع فيها صريف الأقلام.وأنكره آخرون_ لاحظ أنه يعني علماء آخرين_ وأثبتوا أن المعراج كان بالروح فحسب لوجوه: (١) إن الحركة البالغة إلى هذا الحد غير معقولة.(٢) إنه لو صح ذلك، لكان أعظم المعجزات، وكان يجب أن يظهر حين اجتماع الناس، حتى يُستدل به على صدقه في ادعاء النبوة، فأما أن يحصل ذلك في وقت لا يراه فيه أحد، ولا يشاهده فيه مشاهد، فإن ذلك عبث لا يليق بحكمة الحكيم.(٣) إن الصعود بالجسم إلى العالم العلوي، فوق طبقات معينة مستحيل، لأن الهواء معدوم، فلا يمكن أن يعيش فيه الجسم الحي، أو يتنفس فيه.(٤) أن حديث المعراج اشتمل على أشياء فى غاية البعد: ( أ) شق بطنه وتطهيره بماء زمزم ، والذي يغسل بالماء هو النجاسات العينية، ولا تأثير لذلك فى تطهير القلب من العقائد الزائفة، والأخلاق المذمومة”ويستطرد في ص ١٠( ب) ركوب البراق لا حاجة له بذلك لأن العالم العلوي فى غنى عن ذلك.( ج) أنه تعالى أوجب خمسين صلاة، ولم يزل الرسول يتردد بين اللّه وموسى إلى أن عاد الخمسون إلى خمس – وهذا غير جائز كما قال القاضي أبو بكر الباقلاني لأنه يقتضى نسخ الحكم قبل العمل به ، وهذا بداء محال على اللّه.( د) لم يقل أحد من المسلمين بأن الأنبياء أحياء بأجسادهم فى السماء، وإنما الحياة هناك روحية لا جسمانية والتخاطب والكلام معهم والصلاة بهم من الأمور الروحية لا الجسمية إذ لا يعقل غير هذا وبهذا يثبت المعراج الرّوحى لا الجسماني. ويمكن أن يجيب أولون عن الاستبعادات العقلية بأن هذه معجزة، والله تعالى قادر على خرق سنته بسنة أخرى، ككل معجزات الأنبياء، من انقلاب العصا حية ثم عودتها في مدة صغيرة عصا كما كانت. ويبقى أمر الحديث واشتماله على أمور غريبة لا حاجة إليها في تصديق النبوة، والمحاورة في فرض الصلوات وانتقالها من خمسين إلى خمس، مما يستدعي رد الحديث، وعدم النظر إليه لاضطراب متنه كما قال القاضي أبوبكر البقلاني وإن صححه رواة الحديث باعتبار سنده. انتهى كلام الشيخ المراغي، وننتقل الآن إلى الشيخ محمود أبورية في كتابه ” السنة المحمدية ص ١٦٢ يقول: ” وفي حديث المعراج أنه لما فرض الله خمسين صلاة على العباد في النهار وفي الليل لم يستطع أحد من الرسل جميعا غير موسى – أن يفقه استحالة أدائها على البشر!فهو وحده الذي فطن لذلك وحمل محمدا صلى الله عليه وسلم على أن يراجع ربه عشر مرات في حديث، وخمس مرات في حديث ثان، وبضع مرات في حديث ثالث – وفيها كلها أنه صلوات الله عليه كلما نزل بعدد منها من عند الله، أعاده موسى إلى ربه لينقصها حتى رجعت إلى خمس صلوات. وكأن الله سبحانه وتعالى لما فرض الصلاة على المسلمين، كان لا يعلم مبلغ قوة احتمال عباده على أدائها – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا – وكذلك لا يعلم محمد الذي اصطفاه للرسالة العامة إلى الناس كافة – والله أعلم حيث يجعل رسالته – لا يعلم إن كان من أرسل إليهم يستطيعون احتمال هذه العبادة أو لا يستطيعون. حتى بصره موسى! وهكذا ترى الإسرائيليات تنفذ إلى ديننا وتسري في معتقداتنا فتعمل عملها ولا تجد أحدا إلا قليلا يزيفها أو يردها، بل نرى – وا أسفاه – من يصدقها ويعتقدها من حشوية آخر الزمان، الذين يتجرون بالدين ولا يهمهم أن ينسب الجهل الخاتم المرسلين، صلوات الله عليه. ..لا اعلق ولكن أختم بقول محمود أبورية نفسه: ومن عجيب أمر هؤلاء الذين يقفون في سبيل الحق حتّى لا يظهر ويمنعون ضوء العلم الصحيح أن يبدو، لا يعلمون مقدار ما يجنون من وراء جمودهم، وان ضرر هذا الجمود لا يقف عند الجناية على العلم و الدين فحسب ؟ بل يمتد إلى ما وراء.
( ملحوظة: انا لا أنفي احتمالية حدوث المعراج بالروح، ولكن حديثي هنا عن الرواية وتفاصيلها )
* كاتب مصري