(كش بريس/التحرير) ـ اجتمع أكاديميون وخبراء أمس السبت 21 دجنبر 2024 بمدرج الندوات التابع للمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية جامعة القاضي عياض مراكش، في ضيافة التنسيقية الجهوية للائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بجهة مراكش، ومؤسسة كش بريس الإعلامية ومركز عناية، للتداول في إشكاليات بروز طفرة الذكاء الاصطناعي في حياتنا الاجتماعية وعلاقتها بالهوية والثقافة وتأثيراتها العميقة في منظومة اللغة العربية بخاصة، مشكلين بتنوع اختصاصاتهم وتراكم معارفهم، وحدة تكاملية في التفكير والتداول الخطابي، ونباهة الطروحات التي أحاطت بها مداخلاتهم، إن على مستوى المقاربة أو التحليل ومنهج القراءة.
كانت كلمة اللغة العربية السنوية التي دأبت تنسيقية الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، على اختيار صوت علمي أكاديمي في المجال لإلقائها بالمناسبة، والتي تم إيلاؤها الدكتور عبد الرحمن بودرع أستاذ لسانيات النص وتحليل الخطاب بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، هو مفتتح الندوة كالعادة، خصها الملقي بموجهات بيانية وبلاغية عميقة، في دلالة أن نحيا باللغة العربية، والاستجابة لمتطلبات العصر والزمان، دون افتقاد للخصوصية اللغوية والهوياتية والثقافية.
وفي هذا الصدد، قدمت ورقات المسؤولين المنظمين، منسقي الندوة، مدير المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية الأستاذ حسن عياد، ونائب رئيس جامعة القاضي عياض الأستاذ صلاح القرطبي، ورئيسة تنسيقية الائتلاف الأستاذة فوزية رفيق، ومسير الندوة الإعلامي والشاعر مصطفى غلمان، (قدمت) أرضية استشرافية للمعرفة، ساقت من خلالها مجموعة من الأولويات التي تقوم عليها التأثيرات القادمة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي أضحت مؤثرة بشكل متصاعد في باراديجم التفكير الإنساني، مؤكدين تكوينه الاستراتيجي في أجهزة الاستشعار الذكية والمحتوى الذي ينشئه الإنسان وأدوات المراقبة وسجلات النظام.
وشدد المنظمون على أن تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي تقوم بتحليل البيانات واستخدامها لمساعدة العمليات العلمية والأكاديمية والإبداع والتوثيق بفعالية. على سبيل المثال، يمكن لتقنية الذكاء الاصطناعي الاستجابة لتسويق المنتوج الاستيهامي لهذا الذكاء، وتقديم اقتراحات ذكية للتحليلات والمعلومات المتنوعة، وهو ما يعزز عصر السرعة والتنوير والتثاقف وغير ذلك.
وعرج المتحدثون لمناطق استفراد الذكاء الاصطناعي بالهوية والثقافة الخاصين، داعين إلى إيجاد روافد تأصيلية ونوافذ علمية لاستشعار قدرتنا على المواجهة والنقد والتنويع المعلوماتي.
موضوع “التعليم في زمن الذكاء الاصطناعي” كانت أول مداخلة للأستاذ ادريس لكريني أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بمراكش، مبرزا أن هذه التكنولوجيات الناشئة، ارتقت لإدارة العقل الجديد لمنظومة التربية والتعليم، مستثمرة تفوقها التكنولوجي الهائل لتشكيل طفرة التأثير والفعالية والجودة المأمولة، ومحققة واجهة قوية في وحدة “أهداف التنمية المستدامة”.
ودعا لكريني، في هذا المضمار، إلى وضع خطط دقيقة لتحصين الإجراءات السياسية والتدبيرية على مستوى النظام وكيفية وضع الاستراتيجيات لدعم التعليم المعزز بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك عبر إتاحة الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي وإمكانية الوصول إلى التعلم للراغبين في ذلك.
وتطرق الدكتور لكريني لعملية تعليم الذكاء الاصطناعي، الذي تفرضه الضرورة في المرحلة الراهنة، وذلك من أجل تحويل المعرفة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي من المعامل إلى السوق وعامة الناس. وهو ما سيؤثر في السوق ومتطلباتها البشرية والكفاءاتية، وهو ما أشار إليه من أن الذكاء الاصطناعي اضحى يلامس جميع القطاعات في وقت واحد.
وفي عرض مشترك، ألقاء كل من الأستاذ أنس أبو الكلام خبير السيبرانيات والبرمجة المعلوماتية، والأستاذة نوال اليتيم أستاذة التعليم العالي بآسفي، حول ” تأثير الذكاء الاصطناعي على تطوير العلوم وخدمة اللغة العربية”، ارتأى المحاضران، أن التفوق التكنولوجي أمر حاسم في السياق العالمي اليوم. وأن الاختيار بين التكنولوجيا والعوم عكس التيار انتحار كلاسيكي، مذكرين بالسيرورة العلمية التي تواكب وتستشرف وتحصن أيضا.
وقال أبو الكلام، بهذا الخصوص، إن علم البرمجيات في الحاسوب الآن، يتفوق بمنظار كوسموبوليتي (المواطنة العالمية)، حيث تزدهر التفوقات والنجاحات على أساس معرفي خالص، تستقي معظم شيفراتها من الذكاء الاصطناعي. وأورد بهذا الخصوص جملة من النماذج، كترتيب العمل لآلات الإنتاج الخاصة، أو موظفي الإنتاج بأكثر الطرق نجاعة وفعالية، يمكن للذكاء الاصطناعي هنا، فحص بيانات الإنتاج الخاصة، واستخلاص النتائج بناءً على أي ترتيب وعلى أي الآلات من الأفضل إنتاج أي منتج. كما يمكن أن يصنع الذكاء الاصطناعي أيضًا أن يستشعر مجموعة من تنبؤات حول اختراقات الإنتاج وما تعتوره من مظان وهفوات مثلا.
وقال أبو الكلام، إنه في المحصلة، يزدحم العالم بالصناعات الثقافية ويتراكم بالمعارف ويلتقي بمجالات متعددة، غير منتبه لما يحيط كل هذه العلائق والارتهانات بقدرات الإنسان على المواجهة. وهو ما أشار إليه عند حديثه عن الذكاء الاصطناعي (AI) وهو يشحذ آلياته الخارقة لتحديد إجابات الأسئلة بشكل مستقل بناءً على المواد المقدمة إليه.
الباحثة الأستاذة نوال اليتيم، ساقت مجموعة من الارتهانات التي تقوم عليها أبعاد تأثير الذكاء الاصطناعي على العقل الإنساني، مستحضرة ما يغيَّره الذكاء الاصطناعي، في حياتنا العملية، وما تتأثر به علاقاتنا، دون المساس بواجب توفير الكفاءة والابتكار .
وقالت اليتيم إن التطبيقات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، تلبي مجموعة متنوعة من احتياجاتنا سواء كان ذلك في مهام العمل لتحسين الإنتاجية، أو في التعلُم والمساعدة في الحياة الشخصية. لكنها تضيف المتحدثة، تحتاج لتوجيه واعتبارية بيداغوجية ونفسية، تعالج توجساتنا ومخاوفنا خيفة تقلبات النوعية والأهداف.
ودعت اليتيم من خلال هذه الثنائية المفارقة، إلى تحقيق استقلالية تكنولوجية، تنماز عن كونية “العولمة” وتشعباتها وأنماط حضورها في المشاع العام، لتكون محصنة للناشئة، ومدبرة لجزء هام من معالجاتنا لملفات كبيرة في الاقتصاد والتدبير والاستثمار والتعليم والخدمات الاجتماعية وغيرها.
تدخل آخر حول “الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق” للأستاذة سناء الزعيم، الحقوقية والأستاذة بمعهد مهن التمريض بمراكش، تناول مفهوم الذكاء الاصطناعي، بما هو تعلّم عميق، يُعلِّم أجهزة الكمبيوتر معالجة البيانات بطريقة مستوحاة من الدماغ البشري.
وأشارت المتحدثة نفسها، إلى نماذج التعلم العميق، المبنية على أنماط البيانات المعقدة مثل الصور والنصوص والأصوات لإنتاج رؤى وتنبؤات دقيقة، وهو ما يحيل تقول الزعيم، إلى بروز طفرات الشبكة العصبونية، التي هي التكنولوجيا الأساسية في التعلّم العميق.
من خلال ذلك، أبرزت ذات المحاضرة، أن التعلم العميق هو ما يدفع العديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) التي يمكنها تحسين الأتمتة والمهام التحليلية، حيث يواجه المدبرون التعلم العميق كل يوم عند استعراض الإنترنت أو استخدام الهواتف المحمولة. كما يستخدم التعلم العميق لإنشاء التسميات التوضيحية وإجراء التعرّف على الكلام على الهواتف والسماعات الذكية، وتوفير التعرف على الوجه للصور الفوتوغرافية.
ونظرًا لأن علماء البيانات والباحثين يعالجون مشروعات التعلم العميقة الأكثر تعقيدًا – وهي أطر التعلم العميق – فإن هذا النوع من الذكاء الاصطناعي لن يصبح سوى جزء أكبر من حياتنا اليومية.
الأستاذ أحمد الشهبوني، الخبير المؤسس لمركز تنمية تانسيفت، قام بتأطير معالم ظهور الذكاء الاصطناعي كرونولوجيا، مستوحيا تدخله انطلاقا من حاجة القوات العظمى للطفرة الصناعية السياسية والعسكرية، ومسجلا، أن الحاجة في طيها نعمة، خصوصا في عالمنا الثالث.
واستظهر الشهبوني بعضا من إيجابيات وسلبيات الذكاء الاصطناعي، متناولا بالتحليل والقراءة، مظاهر العلاقة بين الذكاء الاصطناعي واللغة العربية، مع التذكير بتفوق التكونولوجيا وعالم الترجمة في هذا الصدد، وتنويع رؤيتنا لهذه التقنيات الجديدة على حياتنا، للتطور والتنمية.
وأكد بهذا الخصوص، أن العالم اليوم يتغير بسرعة، وتغيرنا معه رهين بقابليتنا على نحو لا يتصادى مع جهور أهداف الذكاء الاصطناعي، خصوصا في مجالات تشكل عصب الرهان على الإنماء والنجاح، في مجالات كالتعليم والعلوم والاقتصاد والتدبير والاستثمار ..
مجال العدالة والقضاء لم يخرج عن النقاش، فقد أدار دفته الحقوقي والمحامي أحمد أبادرين رئيس لجنة حقوق الإنسان سابقا. قدم مقاربة علائقية مليئة بأسئلة الانتظار والتراكم الزمني. مقتفيا أثر العالم الرقمي وعلاقته بالمحاكم المغربية، نابشا في أولى تجارب روادها عبر مراحل متعددة.
وساق أبادرين، نماذج من حصول تعقيدات ترتبط بالتكوين والتأهيل، واستشراف أفق التدبير بهذا الميكانيزم، الذي اعتبره مرحلة لاشية فيها، وأنها بحاجة إلى ممارسة صيرورية وصبر متواصل.
وطالب أبادرين بإعمال العقل في اختيار البرامج المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وليس الممارسة السياسية المبنية على المصالح، خصوصا في مجال تتكرس فيها الصفقات مع شركات غايتها المالية التحصيلية أهم من جودة المرفق وأهداف رؤية المدبرين.
في ختام الندوة، وقعت مؤسسة كش بريس ومعهد تعليم اللغة الصينية بمراكش، اتفاقية شراكة وتعاون، تضمنت أسسا بنائية للعمل الثقافي واللغوي بالمدينة، مستشرفين أفق إشاعة الثقافات الكونية ونجاحاتها المبهرة في الحياة العامة للأشخاص والجماعات.
الاتفاقية وقعها عن مؤسسة كش بريس الإعلامية الدكتور مصطفى غلمان، وعن معهد تعليم اللغة الصينية الأستاذ عبد الرحمان آيت مسكور.
نشير إلى أن الندوة شهدت نقاشا عاليا نوعيا عززته تنويعات التدخلات، التي رمزت في اختلافها إلى ملامسة الإشكاليات المطروحة، على جميع المستويات، منبهة إلى أن كونية (أو عولمية) الذكاء الاصطناعي لا تنفي الاهتمام بالهوية والثقافة الوطنيين، وأن الارتماء في أحضان الذكاء الاصطناعي بشكل كامل هو مغامرة وتقاطع مع الخصيصات التاريخية والحضارية والقيمية لبلادنا، داعين إلى الارتباط بالعصر والتطور قدر الارتباط بالأخلاق والمجتمع وأنماط العيش والتاريخ المشترك للجماعة.