فضيحة كبرى لنظام العسكر الجزائري، سرى كشفها بعد احتراق الحديقة الوطنية التي سبق وصنفتها اليونسكو، كأحد أهم الخزانات الرئيسية للتنوع البيولوجي في حوض البحر المتوسط.
حديقة القالة الوطنيّة، المتواجدة في شمال شرق الجزائر احترقت عن آخرها، خلال اجتياح الحرائق الأخيرة للجزائر، تناهز مساحتها الإجمالية 80 ألف هكتار، وقد “احترق أكثر من 10 آلاف هكتار منها في الأيام الماضية” وفق ما نقلت وكالة فرانس برس عن الخبير الأكاديمي رفيق بابا أحمد.
وبلغت حصيلة الخسائر البشرية الناجمة عن الحرائق الهائلة الأسبوع المنصرم، في شمال الجزائر 37 قتيلا وفق السلطات، فيما أفادت وسائل إعلام محلية بمصرع رجل آخر يبلغ 72 عاما في قالمة (شرق)، فضلا عن وجود مفقودين.
وقالت الحماية المدنية الجزائرية في بلاغ نشرته على صفحتها على فيسبوك إنها تدخلت خلال آخر 48 ساعة “من أجل إخماد 51 حريقا من الغطاء النباتي” في 17 ولاية، وأضافت أنها تواصل العمل على إخماد حريقين في ولاية تلمسان غرب البلاد.
وتعد حديقة مدينة القالة موطن مئات من أنواع الطيور والثدييات والأسماك التي تمنحها “ثراء بيولوجيا استثنائيا”، كما أكد بابا أحمد الذي تولى سابقا إدارة الحديقة.
ويورد موقع اليونسكو الإلكتروني أن “محمية القالة موطن مهم للغاية للطيور ويزورها أكثر من 60 ألف طائر مهاجر كل شتاء”.
وتضيف الوكالة التابعة للأمم المتحدة “إنها فسيفساء من النظم البيئية البحرية والكثبان والبحيرات والغابات، بشريطها البحري الغني بالشعاب المرجانية والأعشاب البحرية والأسماك”.
ويتأثر شمال الجزائر كل صيف بحرائق الغابات، وهي ظاهرة تتفاقم من عام الى آخر بتأثير تغير المناخ، ما يؤدي إلى تزايد الجفاف وموجات الحر.
ويؤكد رفيق بابا أحمد أنه “رغم بعض الاستثناءات، لطالما أثرت الحرائق على الحديقة”، مؤكدا أن “الغابة لا تتعافى، تصبح أقل كثافة وتتطور نحو شجيرات متفرقة، لينتهي بها الأمر إلى تربة جرداء محكوم عليها بالتعرية”.
ويردف الخبير “المتشائم” حول مستقبل الحديقة أن “الأثر الآخر للحرائق هو تناقص إن لم يكن اختفاء حيوانات ونباتات، ويمكننا أن نرى ذلك من خلال الأيل البربري الذي يعد رمزا للمنطقة والذي انقرض تمامًا منذ عشرين عامًا أو نحو ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة الى الوشق”.
ويرى بابا أحمد أنه “بمرور الوقت تضعف الحرائق الغابة ما يجعلها عرضة لهجمات أخرى مثل هجمات الحشرات الضارة، ولكن قبل كل شيء تجعلها عرضة لمخاطر الأنشطة البشرية”.
بالإضافة إلى الأضرار التي تسببت بها الحرائق “تمت تجزئة الغابات بمدّ شبكة طرق كثيفة كجزء من فكّ العزلة (عن مناطق) ما شجع الإنشاءات المتناثرة وظهور مناطق جديدة مع مدّ شبكات الكهرباء والغاز الطبيعي”.
ويخلص الخبير إلى أن الثراء البيولوجي للأراضي الرطبة في الحديقة “تعطل لا سيما من خلال مشاريع الاستزراع المائي مثل إدخال سمك الشبوط الذي أضر بالنباتات المائية التي تتغذى عليها الطيور والأسماك وقشريات ورخويات أخرى”.
وتتهم جهات الدولة الجزائرية بتأخر إغاثة الحديقة الوطنية “القالة”، حيث تضعف وسائل الوقاية وتتلاشى جاهزية التدخلات، التي أضحت تؤرق الأجهزة بكل أقسامها وتخصصاتها. وهو الأمر الذي يفضح متاهة البروبجندا وسقوطها في منظومة التعتيم وعدم النجاعة.