دخلت وكالة الأنباء الرسمية (لاماب)، المؤسسة الإعلامية العمومية، التي تتلقى ميزانيتها الضخمة، من أموال الخزينة العامة، دخلت على الخط مباشرة، في قضية تهم رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش، وفريق أغلبيته المشكلة من حزبين آخرين، هما الاستقلال والأصالة والمعاصرة.
ودافعت (لاماب)، دون حيادية أو هامش يضمن، على الأقل، جزءا من طرح المشكل العام، الذي أفضى بالحملة الكبيرة (هاشتاغ)، التي يقودها نشطاء فايسبوكيون، يرفعون من خلالها شعارا وحيدا، هو “ارحل”، احتجاجا على استمرار موجة الغلاء في المواد الاستهلاكية الاساسية، وتصاعد أسعار المحروقات، رغم انخفاضها دوليا.
وقالت (لاماب)، من خلال عنوان يشي بالكثير من أسئلة الأخلاقيات الغائبة، هذا الزمان، “عشر نقاط رئيسية لفهم الحملة ضد رئيس الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي”، إن “رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش وسياسته الرامية إلى ضمان استقرار القدرة الشرائية للمغاربة خلال مرحلة أزمة الأسعار، يواجه حملة على مواقع التواصل الاجتماعي”. حيث عملت على وضع ما أسمته ب”عشر نقاط رئيسية لفهم هذه الحملة المغرضة”، حسب وصفها ” :
1 – إن الحملة الرقمية ليست ناجمة عن حركة شعبية، وإنما تغذيها على الخصوص أزيد من 500 حساب مزيف، تم إحداثها فوريا من قبل أوساط حاقدة غير معروفة حتى الآن لشن حملة ضد رئيس الحكومة.
2 – إن خفض أسعار النفط في محطة الوقود لا يمكن أن يكون فوريا، بل ينبغي بيع المخزون الذي سبق شراؤه بسعر أعلى. وبالإضافة إلى ذلك، يجب التمييز بين سعر البرميل الخام وسعر النفط المكرر. ومن جهة أخرى، تبقى أسعار المحروقات في المغرب خاضعة للسوق.
3 – ستون بالمائة من سعر البنزين في محطة الوقود يتشكل من الضرائب: (الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الداخلية على الاستهلاك). هاتان الضريبتان تمونان صندوق المقاصة الذي ي خف ض أسعار غاز البوتان، والسكر والحبوب. وأي تعديل في هذه الضرائب من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار هذه المواد، وسيكون له بالتالي انعكاس مباشر على القدرة الشرائية للمغاربة.
4 – على مستوى سوق المحروقات، فإن شركة إفريقيا، التي يتم ربطها مباشرة برئيس الحكومة، فإنها تمثل بالكاد 20 في المائة من السوق. أما الباقي فيتوزع بين طوطال وشيل وشركات أجنبية وشركات أخرى.
5- إن الإيهام بأن كل زيادة في النفط توجه مباشرة إلى الفاعلين في قطاع المحروقات هو محض كذب. وتستخدم هذه الخدعة المغرضة من قبل المعارضين السياسيين لرئيس الحكومة لمهاجمته بصفة شخصية.
6- إن هوامش شركات المحروقات معروفة، وهي محددة بشكل دقيق في حصيلة هذه الشركات. وحسب وزارة الاقتصاد والمالية، إذا كانت هناك أرباح مهمة جدا أو هوامش مبالغ فيها، تعزى لهذه الزيادة العالمية في الأسعار، وتقوم الزيادة في الضرائب بدورها. حيث يمكن أن ترتفع الضريبة على هذه الشركات بشكل استثنائي طبقا للقانون إلى نسبة 45 بالمائة أو 50 بالمائة في إطار التضامن الوطني.
7. إن إضفاء الطابع الشخصي على الحملة بجعل رئيس الحكومة هدفا لها يروم شيئا آخر غير الدفاع عن القدرة الشرائية للمواطنين. إنه تواطؤ بين نشطاء سريين ومعارضة لا تقبل حتى اليوم بهزيمتها الانتخابية القانونية.
8. الهجوم المباشر على شخص رئيس الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي يعكس المستوى المنحط الذي سقطت فيه أخلاقيات العمل السياسي في بلادنا. وتضليل المواطنين العاديين يكون بهذا المعنى مستهجنا.
9- هناك الرغبة واضحة في تكرار حملة المقاطعة – التي تم تشخيص مراميها بشكل دقيق – والتي ألحقت أضرارا بثلاث علامات تجارية لفاعلين اقتصاديين في أبريل 2018 همت منتجات مثل المياه المعدنية والحليب والبنزين. وبذريعة الدفاع عن القدرة الشرائية للمواطنين، نحن اليوم أمام محاولة خطيرة لزعزعة استقرار الحكومة، لا تقاس عواقبها على استقرار البلاد.
وختمت (لاماب)، إنه “في بداية الأمر، يمكن إيهام المغاربة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والذين يعانون من غلاء المعيشة وخاصة أولئك الأقل استعدادا للدفاع عن أنفسهم في مواجهة الأخبار الزائفة، إلا أن الحقيقة ما تلبث أن تفرض نفسها في نهاية الأمر. ففي الديمقراطيات، يمكن للمرء أن ينتقد بشكل شرعي تدبير أزمة من قبل حكومة، ولكن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بالوسائل التي توفرها الديمقراطية، وليس من خلال النشر غير المسؤول للحقد والعنف والتشهير وازدراء الرأي العام”.
لا نستسيغ هنا الرد على خلفيات (لاماب)، وإبداعها في التحدث باسم الحكومة، ورئيسها الذي لازال صامتا بخصوص ما تم الحديث عنه في النقاط المدرجة في الخبر إياه، فالوكالة الرسمية تابعة اوتوماتيكيا لرئاسة مجلس الحكومة، وهو شيء يعرفه الجميع، ولا تستطيع رفض طلب الرد على الإعلام المغربي المستقل، ولا حتى على هاشتاغ “ارحل” المذكور، وبالتالي، سنورد هنا رأيا علميا معترفا به، وسبق وتم الإدلاء به من قبل من يشكل تأثيرا في الوضعيات الاقتصادية والاجتماعية، الأمر يتعلق بالخبير الاقتصادي الدولي الدكتور نجيب أقصبي، الذي اعتبر في تصريح أخير له، أن “شركات المحروقات تجني 5 دراهم كأرباح غير قانونية عن كل لتر”، مؤكدا على إن “سعر المحروقات على المستوى الدولي رجع إلى المستوى الذي كان عليه قبل الحرب الأوكرانية، وهو ما يفرض أن يعود السعر على المستوى الداخلي إلى ما كان عليه في تلك المرحلة، أي في حدود عشرة دراهم أو عشرة دراهم ونصف، وبالتالي يمكن أن نعتبر أربعة إلى خمسة دراهم أرباحا فاحشة يتم ضخها في جيوب شركات التوزيع”.
ولم تفكر (لاماب)، في أهم البدائل المطروحة لإزاحة أزمة الوقود، حيث اقترح أقصبي، في نفس التصريح المذكور، أهمية إعادة تشغيل لا سمير، لأنها أداة عملية لدعم القيمة المضافة الداخلية وما يتبع ذلك من دعم للتشغيل ومن ثروة وطنية، وهي جزء من الحل بالنسبة لمعضلة ارتفاع أسعار المحروقات كما يبين ذلك خبراء الطاقة بالأرقام والوقائع”.
ولم يقف الخبير المغربي أقصبي عند هذا الحد، بل كشف، عن “أن الموزعين اليوم يتوجهون للسوق الدولية للمواد المصفاة وهو سوق يتميز بارتفاع أثمنته، وهو أيضا سوق غير واسع كسوق المواد الطاقية الخام، والرابح الأول فيه هم وحدات التصفية لأن هامش التصفية أصبح الآن في حدود 60 دولار حيث تضاعف ثلاث مرات”.
وطالب أقصبي الحكومة بالتواصل والشفافية في تقديم المعطيات، فإلى حدود الساعة فالحكومة لا تقدم معطيات دقيقة على بنية السعر الداخلي، ورئيس الحكومة ووزيرته في القطاع لم يقدما معطيات واضحة في البرلمان لتفسير هذا الهامش الذي يلامس خمسة دراهم”.
فهل يكون من الأجدى، تنظيم نقاش وطني، حول الأزمة وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، يشارك فيها خبراء الاقتصاد والسياسة والمستثمرون وقطاعات حكومية مالية واقتصادية وإدارية، من أجل تجاوز المعضلة، عوض البوليميك الإعلامي، والبروبغندا الموكول لها صرف الأنظار عن المشكلات الحقيقية، والفراغ التواصلي بين الحكومة والمجتع، وسوء تقدير الأمور، التي بأدت تخرج عن السيطرة؟؟.