انطلقت صباح يومه السبت، أشغال الندوة المغاربية العلمية “الإعلام والمشترك المغاربي” التي ترأسها الأستاذ حميد أجانا، بمبادرة من منظمة العمل المغاربي وهانس زايدل ومساهمة مؤسسة كش بريس، حيث افتتح رئيس المنظمة الأستاذ ادريس لكريني، الفعاليات بكلمة دالة ومعبرة، ذكر فيها بنهج المنظمة وانخراطها الجاد في تقريب وجهات النظر بين الأشقاء في المغرب العربي الكبير، طامحا إلى أن تكون الخطوات المماثلة في المنطقة، معينا لجسر العبور نحو الانسجام والتواصل والسلم.
ولم يفت لكريني أن يعرج نحو الاختيار الحاسم للندوة، كون “الإعلام نافذة نحو التطلع للغة الحوار وتبادل الرأي وسد الفراغات وتمتين عرى التواصل بما يخدم الشعوب المغاربية، ويمكنها من مقدراتها التماسكية، انطلاقا من القواسم المشتركة وعوامل التجميع عوض التفرقة والاختلاف السلبي ..”.
واتفقت كلمات كل المشاركين في الجلسة العلمية الأولى التي أدارتها الأستاذة عائشة الحجامي، على أهمية فهم التاريخ والجغرافيا والعقل الجمعي، قبل الحكم على منطق العلاقات السياسية المضطربة بين دول المغرب الكبير.
وجاءت محاضرة الأستاذ امحمد مالكي، والمعنونة ب”المشترك المغاربي .. عناصره وسبل تعزيزه”، لتضيء جزءا كبيرا من أسئلة التاريخ والواقع، حيث فصل بالتدقيق والاستزادة، مكامن قوة المغاربيين، وقيمتهم الرمزية والمادية، محددا معالم تلك القوة، ونفوذها في واجهة البناء، وتكاملها برا وبحرا وجوا.
وأبرز الأستاذ مالكي مواطن المشترك المغاربي، مضمنا فواعل المشترك وأهميته في حياة المنطقة وشعوبها، معرجا إلى تفصيل عناصره، وسبل تعزيز نجاح أدواتها، في مضمار زخم ققليلا ما يتوفر بهذا الاقتدار والتنوع.
وتساءل عميد كلية الحقوق بسلطنة عمان سابقا، عن أسباتب تأخر تنزيل اتفاقيات الاتحاد، وضمور التعاقد مع متضمناتها، وانغلاق أفق تمثينها وتعميقها؟”.
وانضافت هذه الرؤية، في متون كل من الكاتب والصحفي الأستاذ طالع سعود الأطلسي، الذي حاول الاقتراب من أسئلة الإعلام وتداولياتها في النسيج المغاربي، طيلة مرحلة التأسيس وبعده، مفككا جملة من محاور هذه الاقترابية، ومستحضرا أفق التواصل بين مجموعة مؤسسات إعلامية في دول متباينة تنظيما وإدارة وحكامة.
كما هي مقاربة الأستاذالمختار بنعبدلاوي، الذي أحال في تدخله، إلى مفهومية المهنية الأخلاقية وارتباطها بتكريس الضغينة، مستدلا بوقائع تروم انشطار الدال الإعلامي في التعاملات السياسية داخل الحقل المغاربي، مفسرا وشارحا علامات هذه المثارات، ومحولا وجهات النظر فيها إلى استفهامات عميقة، تتداخل فيها السوسيولوجيا بالتاريخ، ومفارقات القطائع الإعلامية بخرائط سياسية أخرى ..
أما الجلسة العلمية الثانية، التي ترأسها الإعلامي الأستاذ مصطفى غلمان، فاستخلصت في أبعادها الكبرى، مجاهل انحسار الإعلام المغاربي، وانفلاته عن مهامه الأساسية في البناء والإصلاح وتنمية المنطقة.
وجاءت مداخلة الأستاذ عبد الوهاب العلالي، منسجمة مع رؤيته، التي تقارب في شموليتها، وحدة الهدف في هذا البناء، مذكرا جملة من التحولات، في سيساقات متقاطعة، منها الاجتماعي والاقتصادي والديمغرافي والتنموي عموما، متسائلا عن أدوار الإعلام في ضوء التحول الديمقراطي الصعب بالمنطقة.
وذكر العلالي عديد تحديات، مردفا نحو عناصر الضعف والقوة، مجسدا ذلك في الإكراهات والتحديات المطروحة، معززا كل ذلك في تجليات الحروب، بأبعادها الرمزية والهوياتية، دون أن يتجاهل مطارحة المظاهر الايجابية، وتأثيراتها في بنى الإعلام، حيث يشهد في السنةات الأخيرة جملة من التحولات.
وانخرطت مداخلة الأستاذة مليكة زخنيني، في نفس المنوال، واضعة بين أعين المشاركين، إشكالية النظام الإقليمي المغاربي، أي دور للإعلام في عملية البناء؟”، حيث وضعت كعتبة في بداية حديثها، عن مشكلة الحسم في وجودية الإعلام، وأدواره الوطنية والدولية، معرجة إلى مطارحة مؤشرات جوهرية للمكاشفة، اختارت من بينها مؤشر السوسيولوجيا السياسية والثقافة السياسية. حيث قامت بتفكيك المؤشرين على اعتبار انتقالية غير منظورة، موضحة جملة من الاعتبارات التي يقوم عليها الفضاء المغاربي، من بينها الحس الجماعي والسلم والتفاوض ..
ولم يفت الأستاذة زخنيني طرح مشكل الهيمنة والمركزية في سياق هذه القطيعة، مبرزة جملة من المفاهيم السياسية والمعرفية المتداولة في هذا الصدد، من بينها التحديات الأمنية، وصروف التهديد ، وتقاطع المصالح ..
وطرحت الأستاذة المتدخلة، مشكلة ضعف الثقة وانهيارها القيمي بين المغرب والجزائر، في فضاء مغاربي يعاني انهيارات في شتى ميادين التواصل، يشحنه إعلام موجه وديماغوجي، وتسوقه سلة من الاعتبارات الغارقة في السوداوين والتوهيم، كما هو الحال بالنسبة للسباق نحو التسلح وتكليس العلاقات واستدامتها إلى المجهول..
مداخلة الأستاذ مصطفى دبوب من ليبيا، سجلت ذات الملاحظات، في تقريب دلالات وجود ديناميات للإعلام الجديد، على نحو يضمن دعما للتكامل المغاربي المنشود.
وأشفى الباحث دبوب، خلال تدخله، عبر تأطير جملة من أسئلة الراهن الإعلامي المغاربي، بما هو ضرورة وتأكيد على أهمية انخراط الإعلام في بناء المنطقة، وتحقيق مطامح شعوبها، خصوصا وأن إيجابيات التحولات التي شهدتها أدوات النشر الثقافي والإعلامي والقيمي، تبقى في صالح الارتقاء بالفضاء المغاربي وتنميته.
نشير أخيرا إلى أن اليوم الأول من فعاليات الندوة المغاربية بمراكش، شهدت حضورا متميزا وراقيا، جسده مستوى النقاش الهام الذي توج نهاية الجلستين العلميتين، حيث أبرزت مداخلات الحضور النوعي جملة من الاعتبارات المعرفية والإحالات الثقافية والأسئلة القلقة، ما مكن المشاركين من التفاعل الإيجابي مع قضايا وإشكاليات غاية في الأهمية.