كاتب المقال: عادل احكيم
يعتبر اليوم الوطني للأشخاص في وضعية إعاقة، الذي تخلده المملكة المغربية في الثلاثين من مارس من كل عام، بمثابة فرصة هامة لإذكاء الوعي بشأن تشعب قضايا الإعاقة، والتحديات التي تعترض طريق الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع أنحاء المملكة. وكما يهدف هذا اليوم إلى الفهم العميق لقضايا الأشخاص في وضعية إعاقة حيث نستطيع من خلال هذا الفهم أن نصل لنتائج وحلول من شأنها أن تساعدهم وتوفر لهم العدالة الاجتماعية.
ومن هنا، فإن شعار الاحتفال لهذا العام يولي تركيزاً خاصاً لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة وضمان دمجهم في الوظيفة العمومية وعدم التمييز ضدهم، وتشجيع مختلف الأطراف المعنية على اتخاذ إجراءات مشتركة كي لا يتخلف أي أحد عن الركب.
وبما أننا في القرن الحادي والعشرين وفي سنة 2022، أي أن الحكومة المغربية عامة ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة على وجه الخصوص بصفتها الوصية على قطاع الأشخاص في وضعية إعاقة، وبتعاون مع المجتمع المدني كونه قريب أكثر من المواطن…قد بذلوا جهودا كثيرا اتجاه هذه الشريحة من المجتمع. ومن هنا نغتنم الفرصة ونتساءل مُرغمين. هل وصلنا إلى مرحلة الوعي الكافي للتعامل مع قضية الأشخاص في وضعية إعاقة بشكل حقوقي أم لازال الطابع الإحساني يطغى؟
تعد المملكة المغربية من أوائل البلدان التي وقعت على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، بتاريخ 30 مـارس 2007، معبرا بذلك عن التزامه بالنهوض بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتها. وصادقت المملكة على الاتفاقية في 8 أبريل 2009 في أعقاب قرار صاحب الجلالة الملك محمد السادس بالمصادقة على الاتفاقية في الرسالة الملكية الموجهة إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بتاريخ 10 دجنبر 2008 بمناسبة الذكرى الـ60 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وبعد كل المجهودات التي يقوموا بها الفاعلين في مجال الإعاقة مع الحكومة المغربية والوزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة من أجل الرفع من مستوى الوعي بشأن قضية الإعاقة من جميع الزوايا… وأيضاً من ناحية المصطلحات أي نسميهم الأشخاص في وضعية إعاقة وليس الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة…، لكن للأسف البعض أساء الفهم، حيث أثناء اللقاء الصحفي للسيد رئيس الحكومة المغربية بمناسبة مرور مائة يوم على تنصيب الحكومة الجديدة، وما أثار انتباه كل المعنيين بالأمر والمهتمين هو تلك المقاربة الاحسانية التي تطرق بها إلى الأشخاص في وضعية إعاقة، حينما قال ما مفاده ” عطينا المعوقين 500 مليون باش الجمعيات اديرو…”
السيد رئيس الحكومة ومن وراءه فريق التواصل، لا ينبغي لهذا الاخير وبهذه الصفة الثقيلة التي يحملها وهو ينتمي لدولة كانت من أوائل الدول التي صادقت ووقعت على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وبالإضافة الى أنها دولة تؤكد في ديباجة دستورها على تحريم التمييز الذي يكون أساسه الإعاقة، أن يستعمل مصطلح قدحي تمييزي، يحرم هذه الشريحة من المواطنات والمواطنين المغاربة والذين تفوق نسبة 6.8 في المائة من سكان المغرب، من إنسانيتهم وآدميتهم، إذا كانت المناصب العليا تمزق في نفسية هاته الفئة وبنعثها بمصطلحات قاسية فماذا تركت للآخرين!؟.
هنا قد عدنا الى الوراء بينما كنا نعتقد أننا متقدمين في إذكاء الوعي، وحتى رسميا كل مؤسسات الدولة أصبحت تستعمل مصطلح “الأشخاص في وضعية إعاقة”، الذي له حمولة حقوقية، ولم تعد تستعمل مصطلح “ذوي الاحتياجات الخاصة” الذي له حمولة احسانية، أما مصطلح “المعوقين” القدحي، فيفترض أنه قد دفن وهذا المصطلح الأخير من ينعث به هذه الفئة من الأشخاص في وضعية إعاقة متجرد من شيء مهم وهو الإنسانية هذا من جهة.
أما من جهة ثانية فإن الأشخاص في وضعية إعاقة لازالوا في وقتنا الحالي غير متوفرين على كراسي متنقلة أو أدوات شبه طبية التي يحتاجها الشخص في وضعية إعاقة ويبقى ينتظر المحسنين، والشيء أكثر تألما أن رغم من يمتلك الضمان الاجتماعي فإنه لا يستفيد من تعويض الأدوات الشبه الطبية الخاصة لأشخاص في وضعية الإعاقة لأن الضمان الاجتماعي لا يسمح، رغم أننا نسارع من أجل دولة اجتماعية وأهمها التغطية الاجتماعية.
أما فيما يخص نسبة 7 في المائة من التشغيل في مناصب الميزانية و 200 منصب خاصة للأشخاص في وضعية إعاقة التي سنقوم بتسليط الضوء عليها كونها من النقط المهمة، ولذلك فإنه في هذا الصدد لا ننكر أن المغرب له إطار قانوني واتفاقيات دولية أهمها:
- الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وقانون الإطار 97/13 والمادة 34 من دستور 2011.
- تخصيص نسبة 7 في المائة من المناصب المسجلة في ميزانيات الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة الحاملين لـ ”شهادة الإعاقة” طبقا لقرار الوزير الأول رقم 3.130.00 الصادر في يوليوز 2000.
- سنة 2016، فقد صادقت الحكومة على المرسوم رقم 3.130.00 المتعلق بتحديد شروط تشغيل “الأشخاص في وضعية إعاقة” في الوظيفة العمومية.
وبعد نضال طويل من أجل التوظيف جاءت الحكومة السابقة بتخصيص 50 منصبا ماليا من مناصب 350 المؤهل لرئيس الحكومة لتوزيعها على الوزارات والمؤسسات (حق التصرف فيها) للأشخاص في وضعية إعاقة لتعطية والاستدراك 7 من مائة المخصص لهم من مناصب كل وزارات، لأن 7 في المائة تتبعثر بين الوزارات وعدم تفعيلها بشكلة قانوني، وأكد آنذاك أن كل سنة ستنظم مباراة موحدة 200 منصب للأشخاص في وضعية إعاقة. وهذه الاخيرة تدخل في إطار الاحسانية، كان من الأجدر حصر وفرز كل مناصب 7 من مائة المخولة لهم وتطبيقها في مباراة موحدة.
يذكر أن هذه المباريات الموحدة الخاصة للأشخاص في وضعية إعاقة نظمت أول مرة في 23 دجنبر 2018، قصد توظيف 50 متصرفا من الدرجة الثالثة، فيما تم تخصيص 200 منصب للمباريات التي جرت سنة 2019 و 400 منصب جمعت بين ميزانيتي لسنتي 2021 و2020 لفائدة حاملي شهادة الماستر وشهادة الإجازة ودبلوم التقني المتخصص، موزعين على عدد من القطاعات الحكومية.
وعلما بعد مباراة 50 منصب مباشرة طالب رئيس الحكومة جميع القطاعات الحكومية بالانخراط في هذه المبادرة، مع الحفاظ في نفس الوقت على نظام الحصص (الكوطا) المحدد في نسبة 7 في المائة لفائدة فئة الأشخاص في وضعية إعاقة ضمن مباريات القطاع العام.
وفي هذا السياق، و من أجل تجاوز النقص والتهميش الذي طال هاته الفئة نتقدم ببعض المطالب الأساسية والمحورية بغية بعث روح الأمل في نفوس الأشخاص في وضعية إعاقة والضمان لهم أبسط احتياجات الإنسان بصفة عامة في العيش بكرامة وهذه المطالب هي الآتية:
- يجب توفير الأدوات الطبية و جميع اللوازم التي تسهل الحياة بالنسبة للأشخاص في وضعية إعاقة وهذا لن يتأتى إلا بتبسيط المساطر الإدارية للحصول عليها في وقت وجيز.
- الزامية استفادة الأشخاص في وضعية إعاقة الذين يتوفرون على الضمان الاجتماعي من التزود باللوازم الطبية التي هم في أمس الحاجة إليها دون عراقيل واطالة في المساطر.
- حصر وفرز المناصب المخولة للأشخاص في وضعية إعاقة طبقا لنظام الحصيص من مجمل المناصب المالية المعلن عليها برسم كل سنة وتخصيصها لدمج حملة الشهادات الجامعية والديبلومات في وضعية إعاقة مطلبا منطقيا ومشروعا لجملة من الأسباب.
- الرفع من عدد مناصب المباراة الموحدة بشكل يتوافق مع التراكمات الحاصلة وذلك من خلال استرجاع المناصب المخصصة للأشخاص في وضعية إعاقة التي تمثل نسبة 7 في المائة من القطاعات الوزارية التي لم تعلن بعد عن المباريات الخاصة بها، (هذا المطلب استعجالي لتدارك الوضعية الصعبة التي تعيشها هاته الفئة).
ومن خلال ما سبق، فإن الاحتفال باليوم الوطني للأشخاص في وضعية إعاقة لا مانع منه وهذا من الترفيه المدعوم من دولتنا الغالية، ومن أهم الأمور التي يجب أن تتم في مثل هذه المناسبات منها:
- أن يكون لنا وعي بضرورة التعامل مع الأشخاص في وضعية إعاقة بشكل قانوني وليس إحساني.
- لتذكير أن المغرب له ترسانة قانونية واتفاقيات دولية تخص الأشخاص في وضعية إعاقة تحتاج فقط إلى التفعيل على أرض الواقع.
- أن نعمل على تشجيع الأشخاص في وضعية إعاقة على إكمال مسيرتهم ومواجهة تحدياتهم بكل شجاعة وتحقيق اهدافهم بغض النظر عن الصعوبات التي تواجههم في حياتهم اليومية، لأن يكونوا جزءا في التنمية ببلادنا.
- السعي إلى خلق مبادرات تنمي وتطور قدرات الأشخاص في وضعية إعاقة.
- وأخيرا تبين أن فئة الأشخاص في وضعية إعاقة لهم مكانة مهمة اولاها لهم صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وكذلك من خلال خلق ترسانة القانونية تهم هاته الفئة بالحفاظ على كرامتها بالأساس هذا ما تفتقده العديد من الدول الأخرى، لكن يبقى السبب وراء عدة اخفاقات و مشاكل تتخبط فيها هاته الفئة كما ذكر أعلاه راجع إلى غياب الوعي من جانب الإدارات والهيئات والمؤسسات العمومية كطرف عام من جهة ، ومن جهة أخرى فئة الأشخاص في وضعية إعاقة المسلوبين من حقوقهم الدستورية، وإن تجاوز هذه التحديات والمعضلات رهين ليس بسن قوانين وإنما بخلق وعي من طرف المسؤولين والاشخاص في وضعية إعاقة، وبإضافة نحتاج بشكل مستعجل إلى تفعيل على الأقل النصوص القانونية لتحسين وضعية هذه الفئة والعمل على الديمقراطية التشاركية والتشاور العمومي. وبالتالي إذا تقيدنا جميعاً بالتعامل مع قضية الأشخاص في وضعية إعاقة بشكل قانوني بتحقيق مطالبهم وتجنب كل ما هو إحساني يمس بنفسيتهم سوف نتقدم ونرتقي…
وإلى حين تحقيق ذلك كل عام وأنتم بخير.