في جواب مكتوب لوزير الثقافة المغربي المهدي بن سعيد عن سؤال للنائبة البرلمانية خديجة أروهال عن فريق التقدم والاشتراكية، يخص قراره السياسي بشأن سحب جائزة المغرب من تسعة فائزين بها لهذا العام، عند قراءته يلاحظ اجترار الوزير لجوابه المطاطي مرة أخرى والذي لا يخفى تناقضُه حتى على الطلبة المبتدئين في دراسة القانون، ويُعطي الانطباع الأكيد أن الرجل في المكان الغلط، أو أن من يحيط به من مستشارين هم من صنف من حملتهم رياح الريع فلا يفقهون لا في الثقافة ولا هم يُحسنون تقديم الاستشارات القانونية والنصائح لوزيرهم، ففي الوقت الذي يؤكد فيه الجوابُ أن الوزارة “تسند مهمة تقييم الأعمال المرشحة إلى لجان متخصصة، في حين يقتصر عمل الوزارة على توفير الشروط الكفيلة بضمان سير عمل هذه اللجان باستقلالية وتجرد وموضوعية”، يُعبر الوزير عن هدمه لما يقتصر عليه عمل الوزارة و تطاوله على صلاحيات اللجن العلمية في التقرير الحصري للفائزين تحت ذريعة حرصه على القيمة الرمزية للجائزة، وأنه من أجل ذلك فقد قرر سحبها ممن أقرتهم اللجن العلمية لأنهم طالبوا بإعمال القانون المنظم لها، لأن فيه بحسبه مصادمة للعرف الذي جرت عليه الأمور لسنوات..
يتساءل المتابعون لماذا لم تفتح الوزارة باب الحوار والتواصل مع المعنيين؟ هو وزير للثقافة والإعلام والتواصل إذا لم نكن مخطئين.
كان بإمكان وزير الثقافة بقدر قليل من الذكاء أن يعتبر أن ملتمس الفائزين التسعة كأن لم يكن ما دام غير موقع ولا رسمي، وهو حسبما يتناقله المعنيون لم يُنصت إليهم ولم يجلس للحوار معهم ولا حصل أن اجتمع بهم لا هو ولا مديرته في الكتاب، كان بإمكانه كما قلنا أن يُبقي على الكتب الفائزة التي رشحتها اللجن العلمية، لأن تاريخ الجائزة بتاريخ الكتب والأعمال التي فازت بها وليس بتاريخ الأشخاص، وفي الختام من شاء أن يأتي ليأخذ جائزته فمرحبا ومن كان له رأي آخر فله أن يتحفظ عن طلبها في حفل تسليمها كما ان له أن يلجأ إلى القضاء.
يبدو أن الوزير في موقف لا يحسد عليه، وهناك من يقول بأنه يخفي الأسباب الحقيقية للمشكلة التي وضع نفسه فيها أو وضعوه فيها، وإذا ما بقينا في حدود ما يظهر لحد الساعة فإن ما يتجاهله الوزير هو أن طلب الفائزين التسعة بتفعيل قانونها لا يمكن أن نَعُدَّه موقفا سلبيا من الجائزة ولا يمكن تصوره بأي حال من الأحوال، وإنما هو دعوة للرجوع للقانون الذي ظل لمدة طويلة غير مُفعَّل، ولا يجوز التمسك بالعرف إذا كان يتعارض مع قواعد القانون وبنوده، وهذه من أبجديات الثقافة القانونية، ثم إن كلام الوزير عن عزمه تعديل المرسوم المنظم للجائزة من خلال إحكام مقتضياته وتدقيق مضامينه إلخ ما جاء في الجواب.. دليل آخر ينقض آخرُه أوله، فصيغة المرسوم الحالي لا تمنح الوزير صلاحية منح الجائزة فضلا عن سحبها، إلا إذا كان يريد أن يعطي هذه الصلاحية لنفسه في التعديل القادم للمرسوم، لأن توجُّه حزب الأصالة والمعاصرة الذي ينتمي إليه الوزير فيما يبدو في هذ الحكومة هو تقليص وضرب هامش الحقوق لصالح عودة السلطوية وتمدد الداخلية كما خرج علينا عبد اللطيف وهبي في البرلمان مؤخرا بتلويحه بـ”سحب آخر” لِحَقّ المواطنين الدستوري ولحق جمعيات حماية المال العام في فضح الفساد.
كما أن كلام وزير الثقافة عن عزمه الرفع من قيمتها المادية إقرار بأن ما تقدم من كلامه الفضفاض عما سماه “قيمتها الرمزية” مزايدات باردة وكلام سياسي للاستهلاك الإعلامي ليس أقل ولا أكثر، إذ المنطق يقتضي أن النزول عند ملتمس المطالبين بتفعيل قيمتها المتواضعة الآن أولى في باب العقل وفي باب الأخلاق من الوعد بالرفع من قيمتها غدا.. ولعل الأيام القادمة تفصح عن مزيد من الحقائق المضمرة في هذا الملف الملغوم.
* باحث في مجال الحقوق الفكرية