(كش بريس/خاص) ـ أكدت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب على أن اللقاءات التواصلية التي عُقدت بتاريخ 24 دجنبر 2024 لتقديم المقترحات الرئيسية لمراجعة مدونة الأسرة أثارت أسئلة جوهرية سواء على مستوى المنطلقات والشكل أو على مستوى طبيعة التعديلات المقترحة.
وحسب بلاغ للجمعية، فإن هذا اللقاء تميّز بطقس فريد على مستوى التواصل، بصوتين، وهما صوتا وزيرين، بدلاً من صوت واحد موحّد لمؤسسة رئيس الحكومة. وتم تقديم 17 مقترحًا للمراجعة بناءً على ما ارتآه العلماء مقبولًا أو مرفوضًا، مقترحين ما اعتبروه بدائل أو غير مقبول بشكل مطلق، مما أسفر عن غموض كبير يحيط بمشروع المراجعة.
وأشارت الهيئة الحقوقية إلى أن هذا الأداء يكشف عن غياب توجه سياسي واضح بشأن مسألة أساسية تؤثر بشكل عميق على وضع ملايين النساء والفتيات داخل الأسر والمجتمع. ومن الناحية المنهجية، تُظهر المقترحات المطروحة نقصًا مهولا على مستوى الانسجام والرؤية الشمولية للتحديات المتعلقة بتحرر النساء.
فبدلاً من توضيح المشروع للرأي العام من طرف المؤسسة المعنية بالمبادرة التشريعية،يقول بلاغ الجمعية فتح هذا الأسلوب في التواصل، في البدء، الطريق أمام مواقف فورية ومبسطة وغير متناسقة، وفيما بعد، ساهم في انتشار قراءات مغرقة في الرجعية من قبل أطراف أخرى، وأخيرا أدى إلى اجتياح، بمعنى الكلمة لتأويلات مغرضة عمدا، أو عن جهل واضح بالموضوع وبأبعاده، وهو أمر عززته وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية توجه ماضوي محافظ وثقافة أبوية سائدة تحت غطاء الدفاع عن الإسلام.
إن السمة الأساسية للقاء التقديمي هو فشله في معالجة السؤال المركزي الذي يتعين أن يجيب عنه أي مشروع إصلاح: ما الغاية من الإصلاح؟
وكونه تغاضى عن إبراز المبادئ والأطر المرجعية التي استندت إليها المقترحات، لا سيما تلك المتعلقة بعدم التمييز والعدالة لنصف المجتمع، والتي نص عليها الدستور والتزامات المغرب الدولية بموجب الاتفاقيات المصادق عليها.
كما أغفلت المقتضيات المقدمة حسب نفس المصدر معطى مهيكل، يتمثل في المجهود المفترض أن يبذل على مستوى الاجتهاد الفقهي، الذي ينبغي أن يُفهم ويُنفّذ باعتباره نتاج معادلة قائمة على تحليل دقيق وصارم لمقاصد الشريعة، من جهة، ومن جهة أخرى يعتمد على مراعاة سياق مجتمع دائم التطور منذ القرن الثامن الميلادي، وصولا لما هو عليه مغرب اليوم.
وفي هذا الإطار، أضاف البلاغ أنه وبعد استبعاد المجلس العلمي الأعلى لأهم المطالب المطروحة من طرف الحركة من أجل حقوق النساء وحقوق الإنسان، ولا سيما مذكرة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب “من أجل تشريع أسري يضمن المساواة في الحقوق والعدل في الوضعيات والحالات “، يقترح المجلس الأعلى للعلماء، “بدائل” متوفرة أصلا ضمن الإطار القانوني الوطني وفي الممارسات الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، تُستخدم الهبة (المادة 238 من مدونة الحقوق العينية) في كثير من الأحيان لمعالجة كل المطالب المتعلقة بإعمال العدل.
وفي حالة المطلب المتعلق بإلغاء التعصيب يُبرم العديد من الآباء عقود هبة لتوزيع متساوٍ للتركة بين الأبناء والبنات أو لحماية الوارثات الإناث من العصبة، كما تُقترح الهبة كـجواب “بديل” للسماح بحقوق الوراثة بين الزوجين من ديانتين مختلفتين. فمدونة الأسرة، تجيز زواج المسلم بالكتابية، وفي نفس الوقت، لا تعتمد الأسباب الشرعية للإرث القائمة، حسب مدونة الأسرة، على القرابة والزوجية. لكن في كلتا الحالتين، ولأسباب اقتصادية واجتماعية، لا يمكن للهبة أن تكون بديلاً شاملاً وفعالاً وعادلاً للمآسي العائلية والاجتماعية الناجمة عن التعصيب وعن منع التوارث بين أفراد الأسرة، بما في ذلك الأطفال، والمكونة من أبوين من ديانات مختلفة.
وكما هو الحال مع الهبة التي أضحت الحل/المعجزة، فإن البديل لمطلب إلغاء تعدد الزوجات هو السماح به في حالات استثنائية (مثل عقم الزوجة أو مرض يمنعها من المعاشرة الزوجية)، بناءً على تقدير القاضي. وهنا يُطرح السؤال: كيف يمكن للقاضي تقييم قدرة المرأة على أداء واجباتها الزوجية؟
إن الرفض التام لاعتماد الخبرة الجينية كدليل على النسب ليس أقل إثارة للدهشة. ألا يتعارض هذا الرفض بشكل مطلق مع الفصل 32 من الدستور ومع اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب؟ هل سيظل مصير الأطفال المولودين خارج إطار الزواج مرادفاً للتمييز والوصم إلى الأبد؟
إن هذه “البدائل” المفترضة ليست فعالة ولا عادلة. وهي بذلك تكشف عن عدم بذل المجلس العلمي الأعلى وهو هيئة دستورية، للمجهود المنتظر منه في مجال الاجتهاد الذي يُفترض أن يكون جزءً من أسباب وجودها ومهامها.
بالفعل، فبدلاً من معالجة أوجه عدم المساواة الهيكلية، تُظهر التعديلات السطحية المقترحة نقصًا في إرادة الخروج من “منطقة الراحة” لمواجهة مختلف التحديات المعاصرة وعدم الوعي بأهمية القانون في تقديم إجابات حقيقية للمشاكل الواقعية، في “الحياة الدنيا”، حيث يزيد ظلم القانون من الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية لملايين النساء والأطفال الذين يتوقف مصيرهم على ” فيتو” لا ندري لماذا يُرفع فقط عندما تُطرح المساواة بين النساء والرجال في الكرامة والحقوق للنقاش في الساحة العمومية.
فعلى سبيل المثال، لا الحصر، لم يسبق أن شهدنا أي موقف استنكاري أو إدانة علنية من العلماء عندما تُنتهك الأحكام القرآنية لاستبعاد النساء من الإرث، كما هو الحال في الوقف الذري أو الخاص أو كما كانت عليه القوانين المنظمة للأراضي الجماعية. ألم يحظر المغرب على سبيل المثال العقوبة البدنية (الحدود) في جرائم السرقة والخيانة الزوجية، وشرعن القروض بفائدة، وصوت في دجنبر الماضي لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي إلى وقف تنفيذ عقوبة الإعدام؟
وعليه، فالجمعية الديمقراطية لنساء المغرب للاحتفال بأربعين سنة من الإسهامات الفعّالة في الدفاع عن تقدم النساء والوطن، سجلت أن المراجعة “الجديدة” تم تصوّرها ضمن إطار محدود لا يتعدى عموما “تعديلات بسيطة”. وهي تعديلات لا ترقى إلى مستوى مواجهة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الأسر والنساء اليوم. كما أنها منفصلة عن الديناميات الديمقراطية المعلنة والخطاب المتعلق بحقوق الإنسان.
وأضافت أن المراجعة “الجديدة” تتماشى أكثر مع منطق التوافق المحافظ بدلاً من السير قدما وبالجرأة الكافية نحو تطوير تشريع يلائم طبيعة العلاقات الجديدة داخل الأسر. وهي بذلك تنتصر للحفاظ على “الوضع الراهن” بدلاً من تمكين المغربيات والمغاربة، وخاصة الأجيال الصاعدة، من استشراف مستقبل أكثر عدالة ومساواة خلال العقود المقبلة.
ختاما، ولأجل أن تكون المراجعة الحالية ذات قيمة مضافة فعلية ودالة لما تم تحقيقه قبل عشرين سنة في إصلاح 2004، يتعين أن تتم الاستجابة للدعوة الملكية التي وجهت المجلس العلمي الأعلى نحو ” تعميق البحث في الإشكالات الفقهية التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة المغربية، وما تتطلبه من أجوبة تجديدية تساير متطلبات العصر”. هذه الدعوة هي ببساطة، دعوة إلى المسؤولية.