(كش بريس/خاص) ـ تحتفل أسرة الأمن الوطني، اليوم الثلاثاء 16 ماي 2023، بالذكرى الـ 67 لتأسيسها، وهي مناسبة للاحتفاء بمؤسسة وطنية أثبتت يقظتها ومهنيتها العالية، في الحفاظ على استقرار الوطن وضمان أمن المواطنين.
وقد تمكنت إدارة الأمن الوطني، منذ تأسيسها بعد الاستقلال، وبالضبط في 16 ماي سنة 1956، من أن تحظى باحترام وتقدير كافة المغاربة، فضلا عن الشركاء الدوليين في مجال التعاون الأمني مع المغرب، بالنظر لما أبانت عنه من نجاعة وفعالية في مواجهة التحديات الأمنية الكبرى، وحفظ النظام، وحماية أمن وسلامة المواطنين وممتلكاتهم، حيث واصلت المديرية العامة للأمن الوطني، يقظتها وعملها النوعي وضرباتها الاستباقية في محاربة المخططات الإرهابية، سواء من خلال تفكيك الخلايا الارهابية، أو مواصلة التنسيق الأمني على المستويين الإقليمي والدولي، حيث أفضت المعلومات الدقيقة التي وفرتها الأجهزة الأمنية المغربية إلى إحباط العديد من المخططات الإرهابية في العديد من الدول عبر العالم كالولايات المتحدة واسبانيا. وواصلت المديرية العامة للأمن الوطني تطوير آليات العمل وتقنيات التدخل وتوسيع نطاق مجالات الحضور الميداني، وتطوير مناهج التكوين، وتأهيل العنصر البشري، وحسن تدبير الموارد البشرية.
لقد شهدت المؤسسة الأمنية المغربية، خلال السنوات الأخيرة، تحولات كبيرة، همت، بالأساس، تدعيم الموارد البشرية بالعنصر النسوي، إذ تقلدت المرأة إلى جانب الرجل مسؤوليات ومهاما أبانت فيها عن قدرات متميزة وكفاءات عالية، كما اعتمدت في مجال تطوير مناهج التكوين على تعزيز دور الشرطة التقنية والعلمية وتقريب مصادر الخبرة من الشرطة القضائية في مكافحة الجريمة، مما حولها إلى رقم رقم صعب في معادلة مواجهة الجريمة المنظمة، ورقم لا يمكن القفز عليه في مكافحة الإرهاب على المستوى الإقليمي والدولي.
إنجازات 2022:
لقد تميزت سنة 2022 التي عرفت متابعة مسار الرفع التدريجي والكامل للإجراءات الاحترازية لمواجهة وباء كوفيد-19، بمواصلة المديرية العامة للأمن الوطني مسار تطوير البنية التحتية للخدمات ذات الطبيعة الإدارية المقدمة للمواطنين والمقيمين الأجانب على التراب الوطني، وفي مقدمتها الوثائق التعريفية وسندات الإقامة والشواهد الإدارية.
وعرفت سنة 2022 استرجاع المستويات المتقدمة في إصدار وتعميم الجيل الجديد من البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية، والتي يستفيد منها جميع المواطنات والمواطنين المغاربة بدون أي شرط يتعلق بالسن، وتسمح لهم بالاستفادة من خدمات التعريف بشكل مادي وحضوري، أو رقمي عن بعد باستعمال منظومة «الطرف الثالث الموثوق به للتحقق من الهوية» وفضاء «الهوية الرقمية» التي طورتها المديرية العامة للأمن الوطني.
وتعتبر «منصة الطرف الثالث الموثوق به لإثبات الهوية» منظومة معلوماتية وخدماتية، طورتها المديرية العامة للأمن الوطني انطلاقا من التقنيات الحديثة المدمجة بالجيل الجديد من البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية، حيث تروم تعزيز أمن الوثائق والمعاملات بشكل استباقي وتسهيل وتبسيط الخدمات المقدمة للمواطنين.
وتحقيقا للأهداف المنشودة من هذه المنصة المعلوماتية الخدماتية، طورت مصالح الأمن الوطني تطبيقا معلوماتيا يسمى «هويتي الرقمية»، يمكن تحميله على أنظمة تشغيل الأجهزة المحمولة الأكثر استعمالا على الصعيد الوطني، ويسمح لعموم المواطنين بإنشاء ومتابعة واستغلال هويتهم ضمن الفضاء الرقمي بشكل آمن وشخصي، انطلاقا من المعطيات المضمنة بالبطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية. كما تم تعزيز هذا التطبيق بإطلاق البوابة الرقمية التفاعلية «www.Identitenumerique.ma» على شبكة الأنترنت، والتي تمكن بدورها المواطنين من الاستفادة من حزمة خدمات الهوية الرقمية بشكل سهل ودون الحاجة إلى تحميل التطبيق المعلوماتي على الهواتف النقالة.
ولمواكبة هذا النهج الخدماتي، واصلت المديرية العامة للأمن الوطني تنفيذ استراتيجية تقريب وتعميم الاستفادة من البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية على عموم المواطنين، حيث شهدت سنة 2022 إحداث مركز جديد للقرب لتسجيل المعطيات التعريفية بمدينة «تاهلة»، والشروع في إعداد مركز مماثل بمنطقة الدريوش بضواحي مدينة الناظور. كما تم العمل، لأول مرة، في استغلال 27 وحدة متنقلة لإنجاز بطاقة التعريف الوطنية الإلكترونية، استفاد منها 164 ألف و978 شخصا.
وبلغة الأرقام، سجلت سنة 2022 مواصلة الاستجابة السريعة والآنية لطلبات المواطنين للحصول على الوثائق التعريفية الإلكترونية والإدارية وشواهد الإقامة بالنسبة للأجانب، حيث تم إنجاز ما مجموعه 4.314.893 بطاقة وطنية للتعريف الإلكترونية من الجيل الجديد، من بينها 3.163.322 بطاقة تم إنتاجها بمركز الإصدار بمدينة الرباط، و 1.151.571 بطاقة وطنية أخرى تم إصدارها بمركز الإصدار الإضافي الذي تم إحداثه بمدينة مراكش في إطار سياسة القرب من المواطنين.
وتم أيضا إصدار ما مجموعه 455.981 بطاقة وطنية للتعريف الإلكترونية لفائدة أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، من بينها 1701 بطاقة للتعريف تم منحها لفائدة أطفال قاصرين، كما تم إصدار 1.463.690 بطاقة للسوابق، و38.813 وثيقة إقامة للأجانب، و12.273 تأشيرة ولوج للتراب الوطني و2365 رخصة إقامة استثنائية من الجيل الجديد لسندات الإقامة.
وتم خلال سنة 2022 كذلك افتتاح «المركز الرئيسي للقيادة والتنسيق» بمدينة الدار البيضاء، وهو عبارة عن مركب أمني مندمج يسمح بتدبير نظام كاميرات المراقبة بحاضرة الدار البيضاء، وضمان التتبع الرقمي لحركية النقل والتنقل داخل هذا القطب الاقتصادي والحضري، فضلا عن تسريع الاستجابة الفورية لنداءات النجدة الصادرة عبر خط الهاتف 19، وكذا ضمان التدبير الرشيد للتدخلات الشرطية والعمليات الأمنية بالشارع العام ضمن فضاء معلوماتي وعملياتي موحد ومندمج.
وعلى صعيد آخر، تم إحداث فرقتين جديدتين لتفكيك المتفجرات بكل من فاس والرباط، وتجهيزها بمركبات عالية التكنولوجيا وروبوتات ووسائل متطورة لرصد ومعالجة الأجسام الناسفة عن بعد، وسوف تعزز باقي الفرق المماثلة المحدثة بالعديد من المدن المغربية، كما أنها ستوفر الدعم التقني لجميع وحدات الشرطة التي تتعامل مع مسرح جريمة يشتبه في احتوائه على مواد متفجرة أو أجسام ناسفة.
وعلى مستوى مكافحة الجريمة وتدعيم الشعور بالأمن، شرعت المديرية العامة للأمن الوطني في تنفيذ البرنامج المرحلي من الاستراتيجية الأمنية برسم الفترة الممتدة ما بين 2022 و2026، والتي راهنت فيها على تقوية بنيات مكافحة الجريمة، وتطوير مختبرات الشرطة العلمية والتقنية، وتعزيز الركون الممنهج لآليات الاستعلام الجنائي والدعم التقني في مختلف الأبحاث الجنائية، وترسيخ البعد الحقوقي في الوظيفة الشرطية بما فيها إجراءات الحراسة والمراقبة في أماكن الإيداع، فضلا عن تعزيز التنسيق والتعاون مع مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في مختلف القضايا بالغة التعقيد.
أما جهود مصالح الأمن الوطني لمكافحة شبكات تنظيم الهجرة غير الشرعية في بعدها العابر للحدود الوطنية، فقد تكللت بتوقيف 32 ألفا و733 مرشحا من بينهم 28 ألف و146 من جنسيات أجنبية مختلفة، وتفكيك 92 شبكة إجرامية وتوقيف 566 منظما ووسيطا، بنسبة زيادة فاقت 36 بالمائة مقارنة مع السنة التي قبلها التي عرفت توقيف 415 منظما للهجرة. وبلغت وثائق السفر وسندات الهوية المزورة المحجوزة خلال محاولات الهجرة غير النظامية 832 وثيقة، فضلا عن حجز 193 قاربا و156 محركا بحريا و61 ناق
لة استخدمت في تنظيم عمليات الهجرة.
وفي مجال الحكامة الأمنية وعصرنة المرفق العام الشرطي، تميزت السنة الماضية باعتماد المديرية العامة للأمن الوطني لهوية بصرية جديدة، لتمييز أسطول المركبات الأمنية عن باقي العربات والسيارات الأخرى، وتسهيل مهمتها في المحافظة على أمن الوطن والمواطنين، وتيسير التعرف عليها والاتصال بها من طرف الأشخاص الذين يطلبون النجدة والتدخل في الشارع العام.
إذا كانت جهود المديرية العامة للأمن الوطني تروم، من خلال كل ما سبق، الارتقاء بالمنظومة الشرطية لتكون في مستوى تطلعات المواطنين والمواطنات، ولتكون أيضا قادرة على مجابهة التطورات المتسارعة التي تفرضها الظاهرة الإجرامية في بعدها العابر للحدود الوطنية، فإن ذكرى تأسيس المديرية العامة للأمن الوطني، في 16 ماي 1956، تظل لحظة تاريخية يحتفى بذكراها كل سنة للوقوف على منجزاتها، ولاستشراف المستقبل في ظل التحديات الأمنية الكبرى التي يشهدها العالم .
مكافحة الإرهاب:
في الشق المتعلق بمكافحة الإرهاب والتطرف والإشادة بالأعمال الإرهابية، أحالت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على النيابة العامة المختصة 20 شخصا، مسجلة بذلك تراجعا بنسبة 23 بالمائة مقارنة مع السنة التي قبلها، وذلك دون احتساب الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها من طرف المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني. فلم يكن من باب الصدف أن يلتئم «التحالف الدولي ضد داعش» بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بمدينة مراكش بالمغرب (11 ماي 2022)، حيث لتقى مسؤولو 85 دولة، فضلا عن مسؤولي منظمات دولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي وتجمع الساحل والصحراء، للمشاركة في أكبر تجمع عالمي مناهض للتمدد الإرهابي الذي تمثله دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام، كما تمثله التنظيمات الجهادية في إفريقيا التي حولت أراضي دول الساحل وجنوب الصحراء إلى محاضن طبيعية للمقاتلين الجهاديين المتطرفين.
وتبعا لذلك، ومع تحول المغرب إلى رائد دولي في محاربة الإرهاب، مازال الإرهابيون يحاولون بإصرار كبير القيام بعمل إرهابي نوعي يخلط الأوراق ويربك الحسابات، بينما ما زال المكتب المركزي للشرطة القضائية يقيم في لحظة التأهب التام لإحباط المحاولات الحثيثة للإرهابيين من أجل اختراق مناعته الأمنية.
لقد اعتمد المغرب في حربه على الإرهاب استراتيجيةً متعددة الأبعاد تنبني أساسا على الاستباقية، وعلى العمل المخابراتي، والتنسيق بين الأجهزة الأمنية الوطنية، فضلا عن بنك معلومات يجري تحيينها وتحليلها على مدار الساعة من أجل منع أي مخطط إرهابي موثوق أو محتمل من بلوغ مرحلة النضج، مما مكن من شل حركة الإرهابيين. بل أكثر من ذلك، عمل المغرب على إطلاق سلسلة دورات تكوينية في مجال مكافحة الإرهاب، ينظمها مكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب في إفريقيا، ويشرف على تأطيرها خبراء دوليون، وتستهدف تعزيز قدرات مجموعة من الدول الإفريقية في مكافحة الإرهاب، مثل البنين، وبوركينافاسو، وتشاد، ومالي، ونيجيريا، والسنغال.
شرطة أكثر قربا من المواطنين:
رغم تاريخ علاقة التوتر، والمتسية غالبا بالبغض، التي كانت تربط المغاربة بمؤسستهم الأمنية، فإن «الأبواب المفتوحة»، وهي فرصة للإطلالة على الأمن الوطني من الداخل كدعامة أساسية من دعائم ترسيخ دولة الحق والقانون، تحولت إلى لحظة من أجل إطلاع المواطنين على كافة التطورات التي تشهدها المؤسسة. حيث انطلقت دورتها الأولى بمدينة الدار البيضاء سنة 2017. ثم احتضنت مدينة مراكش الدورة الثانية 2018، فمدينة طنجة سنة 2019. ومن المنتظر أن تحتضن مدينة فاس الدورة الرابعة خلال الفترة بين 17 و21 ماي 2023.
وتسعى المديرية العامة، من خلال الأبواب المفتوحة، إلى استعراض مختلف المصالح والتشكيلات والوحدات الأمنية التي يتألف منها الأمن الوطني، وكذا الموارد البشرية والتجهيزات المادية الموضوعة في خدمة أمن المواطن، وإبراز مجموع الخدمات المقدمة للمواطنين والأجانب المقيمين والسياح، وكذا توضيح مساطر إنجازها.
نجاحات إدارة الأمن:
نجح المغرب في تحويل نجاحاته وخبرته الأمنية إلى جسر للتعاون الدولي، بل إلى ورقة ديبلوماسية ناجحة لإتمام «الشراكة الدولية»، وهو ما يجعلنا نستنتج أن العمل مع الأطراف في المجتمعات الإقليمية والدولية لا يعني المكسب الاقتصادي بقدر ما يعني تمتين «خطوط الاتصال مع الأطراف المعنية من أجل تحديد المصالح المشتركة ومجابهة الأنشطة العدوانية التي تستهدف هذا الطرف أو ذاك»، أي الشراكة الشاملة، بما فيها الشراكة الأمنية التي أصبحت، مع الإدارة الحالية للأمن، لاعبا أساسيا في العمق الاستراتيجي للمغرب.
إن الذكرى 67 لتأسيس الأمن الوطني مناسبة لتجدد إدارة الأمن التزامها الثابت بأداء واجبها في حماية الوطن والمواطنين بتفان وانضباط، وكذا استعدادها وقدرتها على تخطي كافة التحديات المستقبلية.