رسالة مفتوحة إلى وزير الثقافة والتواصل المغربي حول مهزلة المعرض الدولي للكتاب بالرباط.
من الكاتب والمترجم المغربي أحمد الويزي
معالي السّید وزیرالشّباب والثقافة والتّواصل/ المحترم
تحیّة ثقافیّة، وبعد
اسمحوا لي في البدایة، بأن أتقدّم إلیكم بأصدق التّھاني والتّبریكات، لتمكّن الوزارة التي تسیّرون شؤونھا من كسر حالة التوقّف والجمود، التي دامت زھاء سنتین كاملتین، واستعادة تقلید التّوھج والانتصار للقراءة والكِتاب والحیاة، بتنظیم تظاھرة “المعرض الدّولي” في نسختھا السّابعة والعشرین بالعاصمة الرّباط، مدینة الأنوار؛ وھو لعمري، التّقلید الثّقافي الكبیر الذي لا یمكن إلاّ أن یغمر المغاربة قاطبة بالفرح، ویملأ نفوسھم بمنسوب لا یستھان به من مشاعر الغبطة والأمل، سواء أكانوا كُتّابا وكاتبات، أو قُرّاء وقارئات، أو مھتمّین ومھتمّات وحسب بصناعة الكِتاب، وتأصیل سلوك الثقافة وما یتّصل بصوغ الوجدان، وخلق الفكر وتشكیل الخیال، ضمن ربوع مملكتنا المجیدة.لكنّي، والحقَّ أقول، بقدر ما ابتھجتُ، وانشرحت نفسي أیّما انشراح لخبر تنظیم ھذا المعرض التّلید، بقدر ما تأسّفتُ، وانتابني الیأس بسرعة، وتسرّب الى دخیلتي الامتعاض؛ بعد اطّلاعي مؤخّرا على نسخة إلكترونیّة من البرنامج العام للمعرض، الذي أُرید له أن یحمل – مثلما تشیر الى ذلك كلمتكم الافتتاحیّة -“مشعل التّجدید المتعدّد والتّطلعات الواعدة”.
صحیح أنّ تخصیص دورة ھذه السّنة للاحتفاء بالأدب الأفریقي، وامتداده في ذاكرة وتاریخ المغرب والمغاربة، ھو في حدّ ذاته إنجاز مھمّ، یعبّر عن الرّغبة في التّجدید والتّطلع، إلاّ أنّ ھذین العیاریْن المنشودین، كلّما وضعنا في عین الاعتبار مجمل الأنشطة العربیّة المبرجمة لھذه التّظاھرة، واستحضرنا بعض الأسماء المشاركة فیھا والقائمة على تسییرھا؛ إلاّ وأفضى ذلك بالمرء الى أن یخلص بأنّ عیار “التّجدید المتعدّد والتّطلعات الواعدة” لیس سوى شعار أجوف، لا یفتأ یكرّس وضعا محبطا ومخیّبا للآمال، دأب كثیر من الكُتّاب والكاتبات على الشّعور به منذ دورات سابقة، بسبب إحساسھم بالإقصاء والإبعاد المتعمّدین، اللذین یعمد إلیھما بعض القائمین على تحدید الأسماء المشاركة، لا لدواعي موضوعیّة محایدة، وإنّما لأسباب أغلبھا ذاتيّ صرف، للأسف الشّدید.
وإذا تجرّأت الیوم، على مخاطبتكم مباشرة معالي السّید الوزیر، لأشیر الى بعض ما أبان عنه غیري في مختلف ربوع المملكة، ومن خلال منصّات التّواصل الاجتماعي، من مشاعر استیاء قویّة وأحاسیس عمیقة بالاحباط وخیبة الأمل؛ فإنّي لا أزعم في ھذا، الإفصاح عن جمیع ما طال ھؤلاء وأولئك، وإنّما كلّ ما بوسعي أن أدّعیه ھو التّرافع عن وضعي الخاصّ، وما لحقني من حیْف وتحامل ثابتین، من الجھة المعدّة للبرنامج العربيّ؛ لهذه الدورة.
وإلاّ كیف یُعقل أن تصدر لي خمسة إصدارات دفعة واحدة، بین سنة 2020 و2021 فقط، أربعة منھا في صنف التّرجمة، وواحد یندرج ضمن خانة الإبداع الأدبي (سیرة روائیّة)، ولا یتمّ الانتباه الى ذلك من لدُن المبرمجین، على الرّغم من المواكبة الكثیفة التي ساوقت ھذه الإصدارات، سواء من طرف بعض الصّحافیّین أو المھتمّین بالمتابعة النّقدیة داخل المغرب وخارجھ، إضافة الى ما كُتب عن ذلك في وقته، بصحف ووسائط إلكترونیّة؟.
وإذا كانت ھذه الإصدارات الخمسة حدیثةً، ومن شأن بعض المبرمجین “غیر المتتبّعین” ألاّ ینتبھوا إلیھا، وألا یحیطوا علما بصدورھا، من منطلق حسن النّیة وعدم الرّغبة المبیّتة في الإقصاء؛ فإنّ تلك الإصدارات لیست ھي كلّ ما راكمته، على امتداد تسعة عشر عاما من التّألیف والنّشر، سواء أكان المنشور كتابا، أو مقالة، أو نصّا إبداعیّا؛ وإنّما یتكوّن رصیدي قبل المؤلّفات الخمسة (5) المومأ إلیھا أعلاه، من خمسة عشر (15) كتابا آخر نشر بعضھا في المغرب، وأغلبھا في بلدان بعینھا من الوطن العربي، وضمن دور نشر رصینة ومتمیّزة (وأنا ھنا لا أتباھى أو أتنفّج – معاذ اللهّ! – وإنّما أوضّح، وأقدّم البیّنة على ما أدعیه). أجل، نشرتُ منذ 2003 ،خمسة عشر مؤلّفا متنوّعا، منھا ما یندرج ضمن التّرجمة الأدبیّة والفكریّة (أحد عشر كتابا)، وما ینتمي الى حقل الإبداع السّردي (مجموعة قصصیّة وثلاث روایات).
ومع ذلك، لم یتمّ من قبل معدّي البرنامج، الاھتمام بھذا “التّراكم” المتواضع، الذي لم یسھم في التّرویج لاسمي وصفتي وحسب، باعتباري كاتبا ومترجما، وإنّما مفخرتي أنّه روّج وما زال یروّج لاسم المغرب والمغاربة، وإسھامات الكلّ في التّرجمة والإبداع! ومع ذلك أیضا، یتمّ التّحایل والالتفاف دون تمكیني من الاستضافة الرّسمیة، للحدیث عن “تجربتي” المتواضعة في التّرجمة أو أدب السّیرة أو غیرھما ممّا یندرج ضمن دائرة اھتمامي؛ في الوقت الذي یستفید فیه البعض بأكثر من مشاركة في ھذه الدّورة، ودائما ما یحظى بامتیاز الاستضافة الرّسمیة.
وبناءا علیه، كیف لا یشعرُ مثلي بالتّأثر، وكیف لا یخالجه كثیر من الیأس والقنوط، من كلّ إمكانیّة “للتّجدید المتعدّد والتّطلعات الواعدة”؟ والحال أنّنا إزاء تظاھرة مغربیّة كبرى، یُنفَق علیھا رصید لا یستھان بھ من المال العام، ویتعیّن أن تساھم الوزارة من خلالھا، في توطید صرح الثّقة بین كافّة الفاعلین في الحقل الثقافي المتنوّع، وفي ترسیخ ثقافة الاعتراف والتّعریف بمجمل الفئات والطّاقات، التي تقدّم بعض الإضافات والإضاءات لمشھدنا الثقافي؛ وذلك بالاھتداء بالقیم السّامیة التي تمثّلھا رمزیة الكِتاب، واستلھاما لروح التّوجیھات العلیا في البلاد، التي نصّت علیھا الرّسالة الملكیّة حرفیّا، حین قال جلالة الملك: “ونودّ الیوم أن نؤكّد على أھمّیة حشد كلّ الطّاقات، في سبیل الدّفاع عن علو مكانة الفنون وسمو رسالة الثقافة، وخلق بیئة تشجّع على الإبداع والفكر” (رسالة مؤرّخة في: 6 یولیوز 2016).
وفي الأخیر، تقبّلوا منّي السّید الوزیر، فائق مشاعر التّقدیر والاحترام، ودمتم في خدمة الصّالح العام، والسّلام.
أحمد الویزي/ كاتب ومترجم من المغرب
(ملحوظة: اسمحوا لي بأن أستدرك قائلا بأنّي لا أرجو من وراء ھذه الرّسالة، تعاملا خاصّا من قبیل المِنّة أو المكافأة أو ما یدخل ضمن خانة الامتیازات، وإنّما كلّ القصد والغایة من ورائھا التّنبیھ الى أنّ ثمّة خللا ما یضرّ بالغایات النبیلة، التي نتوخّاھا جمیعا لمستقبل ھذه الأمّة المجیدة، وھو ما ینبغي التّدخل من أجل تصحیحه).