خبر رحيل الصديق رشيد جبوج نزل كالصاعقة أمس الأربعاء.
ورغم أن المرض كان ملازما للعزيز الراحل خلال السنين الأخيرة، فإنه لا أحد من خلاّنه وأصدقائه ومعارفه استساغ رحيله الصادم؛ ولكنه قدر الله، والأجل المحتوم.
تعود علاقتي برشيد جبوج إلى ثلاثين سنة ونيف، حيث جمعتنا أجواء مهرجان “ربيع المسرح العربي” المتنقل الذي كانت تنظمه وزارة الثقافة على عهد محمد بن عيسى
وفي عام 1990 دعاني رشيد جبوج إلى تشكيلة هيئة تحرير نشرة “موسم أصيلة الثقافي”، وأنا حينها في سنواتي الأولى بمهنة المتاعب، وإن كانت علاقتي بالنشر في الصحف انطلقت قبل ذلك، أي في سن الثامنة عشرة.
وضع رشيد جبوج ثقته في الفتى الذي كُنته، بالقدر نفسه الذي وثق في طاقم النشرة الذي ضمّ كلاًّ من: عبد الكريم برشيد ومصطفى روض وإدريس الإدريسي ومحمد الشغروشني ومحمد زهير. وكنا نهيئ الأعداد في وقت كانت فيه الممارسة الإعلامية تقوم على وسائل تقليدية، إذ لم يكن الإنترنت قد دخل إلى المهنة بعد، فكنا نحرر التغطيات والحوارات الصحفية على الورق؛ وظلّ رشيد جبوج رئيس تحرير نشرة موسم أصيلة الثقافي حريصًا على إنجاز إخراج الصفحات بنفسه، حيث كان يتجشم وعثاء السفر بشكل ماراثوني بين أصيلة والرباط.
ومرت السنون، وفي كل مرة كان يقترح اسمي، خاصة في إعداد نشرات “المعرض الدولي للنشر والكتاب” بالدار البيضاء، وقبلها في المجلة الشهرية “شؤون ثقافية” التي كانت تصدر بانتظام خلال النصف الثاني من التسعينيات عن وزارة الثقافة، وتشكلت هيئة تحريرها من خالد الشاتي وعزيز التجيتي وبديعة الراضي وزهور رحيحل وعبد ربه.
وجدتُ في رشيد جبوج الصحافي المهني الذي يتعامل مع طاقم النشرة بحزم وصرامة، ولكنه من الناحية الإنسانية كان رجلا سمح العشرة وذا نكتة وطرافة.
كان منفتحا على الجميع رغم انتمائه لليسار التقدمي، وتوفرت لديه شبكة علاقات واسعة في الوسط الإعلامي والثقافي والفني والسياسي.
ولمست عن كثب حنكته الإدارية حين تولى مسؤولية في مديرية الكتاب بوزارة الثقافة، وأُسنِدتْ إليه إدارة “المعرض الدولي للنشر والكتاب” لسنوات عديدة، حيث كان يشرف على الشاذة والفاذة في هذه التظاهرة الثقافية الكبرى بمهارة “المايسترو”.
هناك وجه آخر للراحل رشيد جبوج، هو وجه الممثل المسرحي المنتمي لحركة مسرح الهواة، إذ شارك في التشخيص في مسرحية “حزيران شهادة ميلاد” بمدينة فاس أوائل السبعينيات. لكن مهنة المتاعب لم تتح له الاستمرار في هذا المسار، وإن بقيت الجسور ممتدة بينه وبين أصدقائه الخلّص في المسرح.
لستُ أدري هل عمل فقيدنا على توثيق تجربته الخصبة أم لا؟ وإذا كان ترك مذكرات أو مخطوطات، فآمل أن ترى النور حتى تستفيد الأجيال الجديدة من تجربة رجل شق طريقه بعصامية وثبات، ونحت اسمه في الصحافة بإخلاص ونكران ذات والتزام بأخلاقيات المهنة.
رحمه الله.
وعزاؤنا لزوجته الزميلة بديعة الراضي وباقي أفراد أسرته الصغيرة والكبيرة.