المجاهد والقائد الوطني الكبير مولاي عبد السلام الجبلي يخص “كش بريس” بمقالات جديدة : “لــجــنة اســــتـشارية”
ـ رمضان 1445 هجرية بعيون “كش بريس” ـ
كان إعلان استقلال المغرب في 2 مارس 1956، وسبقته أوفاق ايكيس ليبان. وكنا قد سمعنا كما سمع الجميع عن تشكيل الحكومة الأولى في تاريخ المغرب برآسة مبارك لهبيل البكاي –توفي في 1961-، وقد تناهى إلى علمنا أن الراحل عبد الله إبراهيم -توفي في 2005- ضمن الذين سيشاركون فيها، وكان صديقي المرحوم عبد النبي بلعادل -توفي في1962-
مبارك لهبيل البكاي
وكان من مثقفي الحركة الوطنية له رأي معارض كما كان لي نفس الرأي في انخراط ذ.عبد الله إبراهيم في هذه الحكومة، وانتقلنا إلى الدار البيضاء عمارة الحاج عابد مديونة حيث سكناه، والتقينا بالراحل وحاولنا إقناعه بعدم المشاركة في هذه الحكومة، وصرف اهتمامه إلى تطوير الحزب وتأطيره. وكان حزب الاستقلال يعرف جماهيرية واسعة، إلا أنه تنظيميا كان مهلهلا وتغلب على منخرطيه العاطفة بدل الاقتناع الفكري واستيعاب الأهداف الأساسية خصوصا بعد الاستقلال، وقد برر ذ.عبد الله إبراهيم المشاركة في هذه الحكومة بأن المرحلة في حاجة إلى إجماع وطني، وهو السبب
عبد الله إبراهيم
في مشاركته الحكومية ككاتب دولة في الأنباء وبعد هذه الحكومة سيشارك عبد الله إبراهيم في النسخة الثانية لهذه الحكومة برآسة المرحوم مبارك لهبيل كوزير للشغل، وستأتي الحكومة الثالثة التي ترأسها المرحوم أحمد بلا فريج -توفي في 1990- ولم يك الراحل عبد الله إبراهيم عضوا فيها، وتصاعدت الأزمة في المغرب والخلافات وإنشاء المجلس الاستشاري وهو برلمان معين سرعان ما تم حله، وكان برآسة الراحل المهدي بن بركة -توفي في 1965- وأخطر الأزمات كانت حرب الريف أيضا فإن حزب الاستقلال عرف خلافات شديدة الخطورة، وكان العنصر الأساسي في حزب الاستقلال هو الراحل المهدي بن بركة الذي أنشأ تنظيمات الحزب سواء تعلقت بالمفتشين و التنظيمات الموازية كما أعلن عن تأسيس اللجنة السياسية التي ضمت اللجنة التنفيذية وهيئة المفتشين والشبيبة و الاتحاد المغربي للشغل، وهذه التحركات أدت إلى ارتياب الجناح الآخر في الحزب، مما جعل الخلافات تكبر بين الطرفين، ووصلت إلى تأسيس تنظيم الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال. وزاد تكليف ذ.عبد الله إبراهيم بتشكيل الحكومة الرابعة في تاريخ المغرب في الأزمة بعد إلغاء تكليف ذ.علال الفاسي -توفي في 1974-. وكانت حكومة عبد الله إبراهيم بدون خلفية حزبية واضحة، فأغلب أعضائها ليسوا منخرطين في حزب الاستقلال، وكل هذا أدى إلى الانشقاق داخل حزب الاستقلال فيما بعد.
المهدي بن بركة
وبالعودة إلى تأسيس وتشكيل حكومة عبد الله إبراهيم الذي ارتبط بعلاقة فكرية مع المهدي بن بركة التي كانت علاقتهما جد متينة وكان بينهما احتراما متبادلا، خصوصا من جهة المهدي بن بركة تجاه عبد الله إبراهيم، فقد أيدنا جميعا تشكيل الحكومة وساهمنا في الاستشارة لها قبل وأثناء ممارسة السلطة، وكنا نجتمع إما في منزل محمد الفقيه البصري -توفي في 2003- أو في سكن عبد الله إبراهيم، وكنا: المهدي بن بركة وعبد الله إبراهيم والمحجوب بن الصديق -توفي في 2010- والفقيه محمد البصري وعبد السلام الجبلي، وقد أيدنا تشكيل الحكومة من طرف عبد الله إبراهيم لأن رأينا كان إما أن نقبل بذلك وإما سيكلف السلطان /الملك محمد الخامس عناصر عسكرية أو أمنية أو ائتلاف أو اتحادا ما، مما سيشكل خطورة اجتماعية على البلاد، وكنا على وعي تام أن الحكومة ستواجه صعوبات وقد تُعرقل أعمالها من طرف
المحجوب بن الصديق
جهات متربصة، ويجب أن نشارك في وضع الخطوط العامة لتطوير البلاد اجتماعيا واقتصاديا وتعليميا وقطع الطريق على ذوي الأهداف المعاكسة خاصة بطانة السوء البكاي واليوسي وأحرضان وغيرهم. وكانت اجتماعاتنا أثناء التكليف واختيار الأعضاء مكثفة، وبعد تشكيل الحكومة شهرية وأحيانا أسبوعية ، وكنا نؤكد على الإسراع في تطبيق وتنفيذ البرامج الاجتماعية خاصة الإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي على الفلاحين وتأسيس مؤسسات الضمان الاجتماعي والإصلاح المالي والتجارة الخارجية والمخطط الخماسي ومواجهة اللفيف الأجنبي من معمرين وأذنابهم ، وكنا نجتمع: عبد الله إبراهيم والمهدي بن بركة والمحجوب بن الصديق والفقيه محمد البصري وعبد السلام الجبلي وأحيانا المرحوم التهامي عمار –توفي في 2015- الذي كان أحد الملازمين للأخ عبد الله إبراهيم ، وهو الذي تولى وزارة الفلاحة التي كانت لها
الفقيه البصري رفقة عبد الله ابراهيم
أهمية كبرى باعتبار الإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي وتطوير التصنيع الفلاحي، فضلا عن كون أغلب سكان المغرب آنئذ كانوا في الأرياف حوالي 70%، إلا أن أغلب اللقاءات كانت تضم فقط المهدي وإبراهيم وبن الصديق والبصري والجبلي، وكانت جلسات هذه اللجنة بدون محاضر أو أجواء رسمية، بل يطبعها الحوار والنقاش الجاد. وكان الراحل يضعنا في أجواء العمل الحكومي ، وأيضا الراحل المهدي بن بركة والمحجوب بن الصديق، وكان كلاهما يضعانا في أجواء العمل الحكومي والشعبي، وكنا نقترح العمل الفعال والإسراع بتطبيق البرامج الاجتماعية نظرا لخطورة المرحلة والمعارضة الشرسة التي كانت تواجهها الحكومة سواء من داخل النظام أو من خلال الأحزاب والإعلام المعارض خاصة إعلام بعض الأحزاب التي أسست جرائد خاصة لمهاجمة الحكومة فقط كجريدة تدعى الأيام وغيرها؛ وتوقع ما كنا نخشاه، فلم تمضي إلا 18 شهرا حتى أقيلت الحكومة إذ أنها تأسست في: 04-12-1958 وأقيلت في 18 ماي 1960؛