ـ أهم لحظات المهرجان ـ
(كش بريس/ التحرير) ـ اختتمت مساء أمس الأحد، بالمدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش، فعاليات الدورة الأولى من مهرجان السينما والتاريخ بمراكش، والذي نظم هذه السنة تحت شعار “السينما والذاكرة”، حيث توج المهرجان بوقفة استذكارية للفنان الراحل محمد حسن الجندي، وسهرة موسيقية أحياها الفنانون خالد إصباح وخالد بدوي وشكير سروح.
وتخللت فعاليات مهرجان السينما والتاريخ طيلة أربعة أيام، ما بين 23 و 26 من يناير 2025، أنشطة ثقافية وسينمائية متعددة، افتتحت بتنظيم أربع ورشات، لفائدة طلبة وتلاميذ المؤسسات التعليمية، بتنسيق مع الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بمراكش، قام بتأطيرها كل من الأستاذ بوبكر الحيحي (ورشة السيناريو)، والأستاذ خالد المعتمد (ورسة الإخراج، والأستاذ احمد الحبيب احمدان (ورشة التشخيص)، والأستاذ أحمد بنسماعيل (ورشة الفوتوغرافيا).
تكريم المخرج سعد الشرايبي:
اختار منظمو مهرجان السينما والتاريخ بمراكش، افتتاح الدورة الأولى بتكريم المخرج والكاتب سعد شرايبي، الذي أعلن عن قناعته بالحاجة إلى مهرجان سينمائي ثقافي بالمعنى السوسيولوجي، مؤكدا على راهنية موضوعة “السينما والتاريخ”، واقتداريتها في بعث روح السينما، فكرا واستراتيجية، وذلك دون تجاهل مسألة “التأصيل” و”الهوية”.
إثر ذلك تم عرض الفيلم السينمائي (55) ، بحضور المخرج عبد الحي العراقي، والمنتجة كارولين لوكاردي. الفيلم الذي حضي بمتابعة كثيفة، يعيد من خلال صور ولوحات تشكيل فترة حاسمة من التاريخ الوطني، وهي الكفاح من أجل الاستقلال. يحكي الفيلم قصة كمال (11 عاما)، ابن أحد مهنيي الصناعة التقليدية البسطاء بالمدينة القديمة بفاس، الذي يعيش الأشهر الأخيرة للبلاد تحت الحماية الفرنسية، حيث يقع في حب جارته عائشة البالغة من العمر 18 عاما المنخرطة جنبا إلى جنب مع رفاقها من الطلبة المناضلين من جامعة القرويين، لينخرط كمال بدوره في الكفاح من أجل الاستقلال وعودة السلطان محمد بن يوسف. وأعقب العرض الفيلمي، نقاش مستفيض، أغنى جنباته مهتمون ونقاد وطلبة.
المخرج ربيع الجوهري والفنان هشام بهلول : أفكار في السينما
بفضاء مركز الندوات التابع لجامعة القاضي عياض بمراكش، التقى جمهور المهرجان بنجمين متفردين من عالم السينما والدراما. وبإدارة الإعلامي مصطفى غلمان، ألقى المخرج ربيع الجوهري درسا في السينما والذاكرة، قارب فيه إشكالية تعريف جنس الفيلم التاريخي، على مستوى “النصية والأسلوبية والذاتية”، تناول من خلالها موضوعة أوبنهايمر 2023 لمريستوفر نولان، وذاتية هيروشيما، مونامور لألان رونيه 1959.
لقاء آخر، كان مع عرض شريط للمخرج ربيع الجوهري “سيكا” بمدرج الشرقاوي إقبال بكلية اللغة العربية بمراكش، أضاء جوانب مهمة من سيرة قضية الصحراء المغربية في بعدها الوطني والثقافي والحضاري.
أما الفنان النجم هشام بهلول، فتفاعل مع أسئلة محاوره الناقد محمد اشويكة، ارتكزت مجملها حول مسار الفنان في عالم التمثيل واختيار الآفاق الفنية في مجالات السينما والتلفزيون والعمل المسرحي، دروب الافتتان والهوس بالسينما والمسرح والتلفزيون، وآثار كل ذلك في مسلكيات التجربة. وأفاض بهلول خلال تجاوبه مع أسئلة اشويكة، في استرفاد حضوره الصيروري والتقائيات النصوص الدرامية القوية.
وتحدث الفنان هشام بهلول، عن الدراما العربية ودورها في صقل شخصيته كفنان، مستعرضا جزءا من تجربته مع كبار المخرجين والفنانين العرب، مشيرا إلى بعض أعماله المغربية، التي لقيت استحسانا لافتا على مستوى قابليتها لدى الجمهور المتعطش للغة راقية وصدق في العمل وحرص على لعب أدوار تليق بالمسار .
احتفاء بفناني المدينة الحمراء :
أقام مهرجان السينما والتاريح بمراكش، حفلا باذخا برياض دار الزليج، على شرف فناني المدينة من الذين ساهموا في الأفلام والمسلسلات التاريخية الوطنية والدولية. وألقى الناقد محمد ايت لعميم، بهذه المناسبة كلمة باسم المهرجان، أثار فيها أهمية الاعتراف بطاقات فناني المدينة وإسهاماتهم في الدراما السينمائية والتلفزيونية الوطنية والعربية والدولية.
ودعا ايت لعميم إلى جعل هذه اللحظة، مقاما عرفانيا لمواكبة الفنانين ودعمهم وإن بشكل رمزي، مؤكدا على توجه المهرجان لتكريم كل المحطات التي تم ترسيخها في الوجدان الوطني، مشددا على انفتاح المهرجان وإنصاته لكل المبادرات في هذا الشأن.
ندوة في “سينما الذاكرة: التجربة المغربية” :
الندوة الوطنية “سينما الذاكرة: التجربة المغربية”، التي نظمت في اليوم الأخير من فعاليات المهرجان، بتسيير الباحث محمد ايت لعميم، توشحت بمنطقيات تأويلية مختلفة، لكتاب ونقاد أجادوا في وضع أسئلة راهنية حول مفاهيم “السينما /الذاكرة” و”السينما /التاريخ” و”سينما التاريخ” ..إلخ.
الباحث العربي الواحي استقرأ موضوعة السينما والذاكرة، بمرجعية المؤرخ الفرنسي مارك فيرو، الذي يحدد عدة مداخل لعقد العلاقة الثنائية المذكورة، أولها اعتبار الصورة مثل المصادر التاريخية غير التقليدية، كمادة يمكن قراءتها بوصفها وثيقة. مضيفا، أن الدارس المحقق في التفاصيل يستطيع أن يتجاوز الرسائل المباشرة التي يرسها الفيلم، تسجيلا كان أو روائيا.
أما الباحثة سناء الزعيمي، فاستعرضت تجربتها في التقاط لحظات السينما، من منطلق البعد الجندري . بنية تغدو السلطة فيها مختصة بهيمنة وتعريف وموضعية للمركز، بما يضمن علاقات التبادل المنفعي القائم بين أطراف المجتمع، بعوامل مختلفة للعنف.
فيما قارب الناقد السينمائي سمير عزمي، دلالات الحضور التاريخي والثقافي في الفيلم المغربي، متخذا فيلم المخرج ادريس اشويكة منجزا لتقريب وجهة نظره في العمل على ترويض اللغة، وتحقيق حضور مجازي للبنية الاجتماعية والجغرافية والقيمية.
واختتمت الندوة بمداخلة للكاتب والإعلامي عبد الكبير ميناوي، استقصت بالدليل والحجج البائنة، مدارات السينما في المخيال الجمعي، وتأثيرات ذلك على قيمة وجودة النصوص الفيلمية.
واستعرض ميناوي أحداثا سينمائية بالغة التعقيد، ليس فقط في بؤرة تجاوزها للعقل السينمائي، بل لتحويل المجاز إلى حقيقة.
امحمد الخليفة وأحمد المتفكر يتذكران محمد حسن الجندي:
قال القيادي السياسي والوزير السابق م امحمد خليفة، خلال إلقائه كلمة بمناسبة استذكار الفنان الراحل محمد حسن الجندي، في اختتام الدورة الأولى من مهرجان السينما والتاريخ بمراكش، إن صداقته بالجندي، لم تكن عابرة، بل “شاخصة ومستنيرة”، موثقا بعض تمظهرات هذه الصداقة، التي تجاوزت الزمن إلى قيمة الروح والوجدان، ب”العلاقة” التي تطبعها الأمانة الأخلاقية والنضال السياسي والثقافة الأصيلة.
وأوضح الخليفة، أن موقع الفنان الجندي، في الذاكرة والوجدان الوطنيين، هو موقع لا تعوضه لحظات البوح القليلة، ولا كتابات تستنطق نزرا يسيرا من رحلة حياة طويلة وممتدة بامتداد العمل والكفاح والحب الكبير الذي نكنه لهذا الوطن الغالي، بل برمزية التذكر واعتبارية الإخلاص للزمن الماضي.
وساق القيادي السياسي في هذا الصدد، مجموعة من الأحداث والوقائع التي عاشها مع الفقيد، منها ما هو فني سينمائي أو معيشي يومي، مذكرا بمكانة الجندي الثقافية والفنية والاعتبارية.
ودعا الخليفة، أصدقاء الراحل وأسرته إلى إعادة توجيه بوصلة الإرث الذي تركه الجندي، كتابة وإبداعا، خصوصا مذكرات حياته، التي اعترها المتحدث “بوحا لم يقل كل شيء”، مهيبا بالمهرجان “أن يضطلع بمسؤوليات إحياء تراث الفنانين والمثقفين وتوثيق ما يصلح للوثيق.
أما المؤرخ والباحث أحمد متفكر، فقد أورد مجموعة من المعطيات حول حياة الفنان الراحل، مستعرضا جوانب هامة من حياته وإسهاماته في مجالات الإبداع المسرحي والتلفزيوني والإذاعي والسينمائي.
وقال متفكر “إن تعددية الثقافة لدى الجندي كانت استثناء”، مبديا إعجابه بعصاميته وطموحه الذي أوصله إلى العالمية. وأضاف أن من شأن إحياء تراث الجندي أن يرد الاعتبار لمكانته ورمزيته، بسبب ما أسماه ب”غبنه” في آخر حياته، مذكرا بما عاناه بعد تقاعده من وزارة الثقافة، ومثيرا سؤال “الاعتراف” بالراحلين من العلماء والمثقفين.
يشار إلى أن الحفل الختامي، شهد حضور نجل الراحل حسن الجندي، الذي تسلم درع التذكار من مهرجان السينما والتاريخ، معلنا نجاح الدورة الأولى وضاربا موعدا للسنة المقبلة.