د محمد فخرالدين
نحتفل براس العام هذه السنة أو لا نحتفل؟و يمكن اختزالا أن نقول أنه، هذه الأعوام الأخيرة ، رأس عالم رقمي و افتراضي بامتياز ..أصبح يضيق على الناس عالم الفرجة و الفرح ويمؤسسهما عن بعد ..و يمكن اعتباره أيضا احتفاء بيوم من أيام الله ـ و تلك الأيام نداولها بين الناس ـ فقد اعتاد الناس عبر العالم تمييز بعض الأيام عن بعضها إيجابا أو سلبا ..مثل الثلثاء السمين بفنلاندا أو الخميس الأسود بامريكا ..
إن الاحتفال برأس كان داءما سؤالا ثقافيا مشروعا عند كل الأمم منذ اقدم الأزمنة، و عند كل ثقافة تريد أن تجدد نفسها وتحصي أنجازاتها عبر الزمن، و تحاول أن تتخطى الاخبار السيئة التي تعترض طريقها من أخبار الفناء و الوباء، أليس الانسان خلق في هذه الحياة ليشعر بالسعادة، رغم أن الكثيرين يعتقدون أن غير هذا الشعورهو السبيل للاحساس بالوجود ..
إن الاحتفال بنهاية سنة وبداية اخرى أملا في المستقبل، كان أولا ارتباطا بالطبيعة والارض الذي نظمت بدورها على إيقاعاتها الخاصة دورة الحياة الانسانية قبل هيمنة المجتمعات الصناعية المالية ، وهو يحتوي في نهاية الأمر وعيا بالزمن الذي يغالب الأمل والطموح ، و قد يتصالح معه في بعض الأحيان ليخلق الفرح الذي يحتاجه الانسان باستمرار الذي يعني سيميائيا الاتصال بالذات، ويعني المعنى الوجودي الذي يبحث عنه الانسان باستمرار ، في حياة اصبحت تفتقد المعنى كما يشعر عامة الناس عندما يرددون عبارات ـ ما بقات معنى ـ ..
و الا فما الحاجة الى احتفال معولم، و ما الحاجة الى أب بلحية بيضاء و لباس أحمر يضع للأطفال الاوروبين هدايا وحكايات جميلة في المواقد و على عتبات البيوت في الليالي الصقيعية الباردة، و لا يضع في يد أطفال آخرين شيئا غير الحروب، وما الحاجة إلى مرور سيدنا الخضر في أقدس ليلة من ليالي الصيام غير تطعيم الأطفال بالحلم و الحب و الحياة ..
في الحقيقة لا رأس للسنة مثل ما يتوج جسد الإنسان و يجعله عقلا ، فهي لا تفكر و انما تعيد نفسها باستمرار غير عابئة بمصير العالم ، وعلى الإنسان أن ياخذ الدروس والعبر من التكرار والعودة و العادة والعيد ..ليس فقط في المكان الواحد الذي يعيش فيه ، والثقافة التي يفهم منها العالم و قد يعمم تمثلاتها دون وعي ..
و لكن في كل مكان يوجد فيه بشر ، و يوجد فيه توقيت ووعي بالزمن الهارب من سلطة الإنسان .. هذا الإنسان الذي لا يفلت الفرصة ليوقف الزمن قليلا ـ متوهما ـ باستحداث التعبيرات التي تمكنه من التحكم فيه قليلا ، من خلال سلطة التسمية التي ما فتئت اللغة تمارسها على الطبيعة و الاشياء و الأشخاص من أجل الضبط و السيطرة …
و من خلال مختلف الاحتفالات ، و منها هذه السهرات التلفزية الحديثة المصطنعة أحيانا للفرجة الشعبية عن بعد ،هذه الاحتفالات عبر العالم التي تحاول أن تنتزع الانسان الباحث عن المعنى ، من الحياة المالوفة و العادية و الرتيبة و التي تشعره بحياة عامرة بالبهجة و الامتلاء تماما كاعراس سبعة أيام ..
لا بد إذن من الطقوس و اختراق اليومي بالمختلف و الغير العادي، احتفاء بالارض التي تمنح الخيرات واستجلابا للحظ الجيد سواء هنا او في الصين ، ومن الحلقات المنقرضة في ساحاتنا العامة الى مهرجانات السينما العالمية ذات البساط الأحمر الذي تتحرك فوقه النجوم البشرية و هذا مجاز آخر ، نجد نفس المبدا الاحتفالي الذي يتجلى في التجديد و الفرجة والتنويع …من أشكال التحية الى أنواع اللباس إلى أصناف الطعام ، إلى منح الأطفال هدايا خاصة بالمناسبة ..نجد نفس الحركات عبر العالم بمظاهر مختلفة وكأن العالم يحاول الرجوع كل عام إلى أصل ما رافضا كل مساحيق الحداثة و العولمة ، ولعل في الفرجة بالمناسبة على استعراضات الشهب النارية في غير مكان من العالم عودة الى أسطورة النار التي أججت الوعي و اللاوعي الانساني منذ القديم، و جعلتها مظهرا احتفاليا بارزا لحد الان و التي واكبت حياة الانسان و هو ينتقل من النيئ الى المطبوخ ..
واذا ما اقتصرنا على بعض المظاهر في البحث في احتفاليات العالم المرتبطة بالمناسبة ، وحسب ذات المصادر التي اعتمدناها في مدنا بالمعلومات اللازمة لهذا المقال [1] ..نجد في الدانمارك إعداد الأطباق التقليدية في هذه الليلة كاللفت المطهي و لحم خاص بالمناسبة ، وفي فرنسا عادة إعداد أطباق كبد الأوز والمأكولات البحرية مثل المحار،و الاحتفال بالعشاء مع العائلة والأصدقاء أو في حفلات خاصة ..
في اليونان في المساء يقوم الناس بطهي “فطيرة بيل”، وهي كعكة بنكهة اللوز ، و عادة ما يتم خبز قطعة نقود معدنية داخلها ـ كما في عادتنا المغربية عندما نضع نوى التمر في الطعام ـ ويقال إن من يجدها يحالفه الحظ خلال العام المقبل، و تقام في هذه الليلة عدد من الطقوس التقليديّة، مثل ارتداء الملابس الحمراء،و التخلص من الأغراض القديمة أو غير المستخدمة وقذفها من النافذة.
و يؤكل العشاء التقليدي مع الأهل والأصدقاء وغالبا ما يتضمن عشاء ليلة العيد أقدام أو أحشاء ذبيحة، وعدس..
كما تتميز احتفالات رأس السنة في إيطاليا بوجبة سخية يتصدرها السمك وفواكه البحر، وحسب التقاليد المتوارثة لا بد من شرب صحن العدس لجلب الحظ السعيد ورمي الملابس القديمة من الشباك لوداع الماضي حين تدق الساعة معلنة بدء العام الجديد..
في اسبانيا تبدأ ليلة رأس السنة الجديدة في إسبانيا عادًة مع احتفالات عشاء العائلة وتتضمن وجبة العشاء الروبيان أو الجمبري ولحم الضأن.
ووفقًا للتقاليد الأسبانية فإن ارتداء الملابس الجديدة و الحمراء في ليلة رأس السنة الجديدة يجلب الحظ السعيد ، و من التقاليد المتوارثة أيضا تناول اثني عشر عنبة ،عنبة واحدة كل ساعة حتى الساعة الثانية عشرة ليلا ..
في اوكرانيا تتجمع العائلات لتناول وليمة كبيرة والتفكير في العام الماضي ، و اقامة احتفال كبير،يصنعون فيه الخبز المحمص، ويتمنون سنة جديدة سعيدة وتقدم العائلات الهدايا لأصدقائها و يقدم طبق سلطة أوليفر (Olivier salad) للجميع ،و بالارجنتين تشمل الاحتفالات التقليدية عشاء الأسرة المكون من الأطباق التقليدية، بما في ذلك الأسادو، السندويشات والحلوى.
في لبنان وسوريا، يحتفل الناس بـ’ليلة رأس السنة’ بعشاء يحضره الأهل والأصدقاء ، ويحتوي على أطباق تقليدية مثل التبولة والحمص والكبة وغيرها من الأطعمة السورية واللبنانية …
في المغرب و احتفاء برأس السنة الأمازيغية الذي يصادف 13 يناير من كل عام، بتسمياتها المتعددة “إيض يناير” أو “إيض سكاس” أو “حاكوزة”… نجد تميزا في الأطباق الخاصةبالمناسبة ، حيث
تعد النساء أكلات متميزة ، تجتمع حولها العائلة تلك الليلة، كطبق “أوركيمن” أو “إيمشيخن” وطبق “الكسكس بسبع خضار”.. أو عصيدة “تاكلا” التي تحضر بمزج بين دقيق الشعير أو الذرة مع الماء، وتوضع على النار لتنضج،و قبل تقديمها تزين باللوز والتمر أو البيض المسلوق ، و يسكب وسطها زيت زيتون أو زيت أركان أو عسل.
و يبقى المشترك بين كل هذه الأطباق، ارتباط مكوناتها بالاحتفال بالخصب و بالأرض ، التي لم ينس الانسان حاجته اليها و انتماءه لها رغم إغراءات الصناعة و السوق و الرقمنة ..
و بحثا عن الحظ الجيد و تفاؤلا بالمستقبل ، تقوم النساء بوضع أغورمي (نوى التمر) داخل عصيدة “تاكلا” قبل تقديمها لأفراد العائلة، حيث يعتقد أن من يعثر على النوى أثناء أكل العصيدة الساخنة، هو من سيكون الأوفر حظا خلال السنة الفلاحية الجديدة ، و يتم ترقب أثناء تناول “تاكلا” من سيكون “أسعدي ناسكاس” (الشخص المحظوظ هذه السنة) يضفي نوعا من التشويق .
كما تعد وجبة “أوركيمن” المتنوعة التي تشمل خليطا متنوعا من العدس والحمص والشعير والأرز والذرة والفول..ويستمر الاحتفال بالغناء والرقص على إيقاع النغمات الأمازيغية خلال تلك الليلة، وتتم زيارة الجدات و القريبات و الجارات رفقة نساء العائلة للمساعدة والمشاركة في إعداد الأطباق الخاصة بتلك المناسبة المميزة.
و غالبا ما تكون وراء كل احتفال حكاية تؤصل له و تبرر وجوده ، فحسب بعض الباحثين فإن أصل طقس حاكوزة حكاية امرأة عجوز تكبرت واستهانت بقوى الطبيعة واغترت بقوتها ولم تشكر السماء على ما وهبته إياها من شتاء وأمطار، وهو الأمر الذي دفع “يان يور” أو “يناير” رمز الخصوبة إلى استعارة يوم واحد من “فورار” فبراير ليعاقب به العجوز، فأصبح هذا اليوم هو يوم عقاب لكل المتكبرين الذين يرفضون العطاء ومشاركة خيراتهم -التي جاءت بفضل الشتاء- مع الآخرين.
وطقوس الاحتفال بحاكوزة تختلف من منطقة إلى أخرى، ففي الأطلس يتم تحضير الكسكس بالدجاج وسبعة أنواع من الخضر والبيض المسلوق، مع أكل الرمان، فيقوم الأطفال بوضع قشور البيض والرمان تحت فراشهم، وأثناء النوم تأتي “اللماسة” وهي امرأة عجوز شمطاء لكنها طيبة كذلك، فتتلمس بطون الأطفال؛ فمن وجدت بطنه ممتلئة تحول له قشور البيض والرمان إلى قطع نقدية يصادفها الأطفال في الصباح بجانب الوسادة.
و في منطقة سوس تُهيأ عصيدة الشعير أو الذرة ثم توضع فيها نواة التمر، ثم يطلب من كل أفراد العائلة الاجتماع من أجل تناول العصيدة، فمن يصادف نواة التمر، فهو مبارك طوال السنة، وتزول من أمامه كل العقبات، وتتيسر كل الأمور..
و في يوم حاكوزة أو يوم “الناير” يستحسن ذبح الديك الرومي لأنه من ذبح ديكا روميا كان كمن ذبح عجلا يوم العيد الأضحى ، ومن ذبح ديكا كان كمن ذبح كبشا أقرن، ومن ذبح دجاجة كان كمن ذبح شاة أو نعجة، ومن اكتفى بالدواجن يوم “حاكوزة” دون بيض كان كمن احتفل بعيد الأضحى دون ملابس جديدة.
وعلى العموم فإن الناس جعلوا من هذا اليوم يوما مباركا، لأنه أولا يمثل بداية للسنة الفلاحية، وأملا في سنة فلاحية مطيرة و خصبة لا يمكن أن تبدأ رأس السنة بالبخل ، فهذا السلوك يجلب الشؤم و الجفاف و انحباس المطر ..
و اذا ما تناولنا على سبيل المقارنة لا الحصر الاحتفال براس السنة في الصين ، بهدف الدفع بوحدة قصدية الاحتفالات البشرية من حيث الجوهر ، نجد بعض المصادرتقول ان الصينيين قد اعتادوا الاحتفال مرتين بعيد رأس السنة الجديدة في كل عام، لأن في الصين الحالية يشيع التقويم الشمسي والتقويم القمري معا، والتقويم القمري يتأخر عن التقويم الشمسي أكثر من شهر.
و عيد رأس السنة او عيد الربيع من أهم الأعياد التقليدية الصينية،حيت تستغرق النشاطات الاحتفالية بما فيها الاستعدادات للعيد أكثر من شهر في كل سنة .
يبدأ الصينيون الاستعداد للاحتفال مع دخول الشهر الثاني عشر للتقويم القمري ، وتحتوى السلع العيدية على الملابس والأحذية والألعاب النارية والمفرقعات والشرائط الورقية المنقوشة بالأشعار ولوحات رأس السنة الجديدة وصور الآلهة والشموع والفواكه المجففة ولحوم الدواجن والبهائم وغيرها.
كما يعدون مختلف الأطعمة مثل اللحوم المتبلة وفطائر الدقيق وطعام جاوتسى.. ومن المعتاد أن يتوقف طبخ الطعام الجديد (باستثناء جاوتسى) لتناول الطعام السابق الإعداد خلال عدة أيام تلي عيد الربيع.
ويصادف عيد لابا اليوم الثامن من الشهر الثاني عشر القمري ،في هذا اليوم يتناول الصينيون عادة حساء لابا من خليط ثمانية أنواع منها الأرز والبلح الأحمر والفول ولب الثمار وغيرها.
وتناول حساء لابا يعبر عن الحصاد الوافر وكفاية الملبس والمأكل ، وإلى جانب حساء لابا هناك أطعمة تعد في يوم عيد لابا خصيصا لمائدة عيد الربيع، ومنها اللحم المتبل، وثوم لابا المخلل.
و تعد مجموعة متنوعة من الاطباق الصينية مثل جياوتسى الذي كان يعتبر الطعام التقليدي الذي يصنع يدويا بمناسبة الاحتفال بالعام الصيني الجديد ..
و هناك أسطورة صينية تبرر هذه الاحتفالات و الطقوس ، و تحكى أن الآلهة تغادر الدنيا خلال الشهر الثاني عشر إلى رب السماء، وإلى رب الجحيم لإخبارها عما يفعله الإنسان من أعمال الخير والشر.
فيسارع الناس إلى تنظيف بيوتهم، وإلصاق المقصوصات الورقية على النوافذ، والشرائح الورقية المنقوشة بالأشعار على أعتاب الأبواب.. وذلك يبدأ من اليوم الثامن في الشهر الثاني عشر القمري، لئلا تمس أعمالهم كرامة الآلهة خلال فترة غيابها هذه.
حسب ذات المصادر أن الشهر الثاني عشر يمر بمرحلة ليس فيها أي عمل زراعي مما يتيح فرصة تنظيف بيوتهم وإيجاد بيئة مفعمة بجو العيد.
يوم نهاية الشهر الثاني عشر القمري يعرف بين الصينيين بـ” تشوشى” أو” سانشى”، وهذا اليوم حتى اليوم الخامس من الشهر الذي يليه تصل الاحتفالات بعيد الربيع أوجها.
” تشوشى” هو يوم التقاء أفراد الأسرة، وفيه تقام نشاطات احتفالية تشمل الوليمة العائلية التي يحضرها جميع أفراد الأسرة، وإذا كان بينهم غائب، فيجب أن يجهز له مقعد وأدوات أكل تعبيرا عن وجوده بين أفراد العائلة ، وتفرش المائدة بأطيب المأكولات.
والسمك طبق لا غنى عنه في مائدة الوليمة، و ليلة ” تشوشى”- يسميها الصينيون ” شوسوى”. وفي هذه الليلة تقيم كل الأسر”سهرات”، وحينئذ يضاء البيت كله بالمصابيح أو الشموع من داخله إلى الفناء، وتظل معلقة حتى منتصف الشهر القمري، وتأخذ دائماً اللون الأحمر الذي يرمز إلى الحماسة والقوة والحيوية، مع أداء رقصات تقليدية شهيرة كرقصة الأسد والتنين.
و بالمناسبة يقوم صغار الأسرة بالتعبير عن احترام الكبار، فيرد هؤلاء بإهدائهم ظروفا بها نقود و تقديم نصائح مشجعة لهم ، ثم تبدأ الزيارات المتبادلة بين الأقارب والأصدقاء.
و من جملة العادات كان الموظفون الرسميون و عامة الناس يتبادلون الزيارات والتحيات في الطريق.
و في ثاني أيام عيد الربيع تكون زيارة العروس لبيت أهلها ، واستقبال إله المال ، ويقال إن ثالث أيام العيد هو موعد زواج الفأر، فلا يسمح بالإضاءة في ليلة هذا اليوم، وينثر الأرز والملح تهنئة له.
أما خامس أيام العيد، فتعود الأمور إلى مجراها الطبيعي ومنها مثلا: خروج المرأة من بيتها؛ واستئناف الطبخ؛ وحمل الفضلات إلى خارج البيت؛ وفتح المتاجر من جديد.
لا شك أن تصور راس السنة مختلف بالنسبة للثقافات ، لكن الاحتفالات و الطقوس تتشابه في الجوهر لان لها نفس القصدية و هي جلب الفرح و السرور إلى عالم البشر الذي يغلب عليه الكدح و الكدر ..و من تم هذا التشخيص الاسقاطي الذي يجعل للسنة رأسا او قدما بداية و نهاية ..
إن هذا التعبير المجازي هو من جملة الولع البشري بالتشخيص و اسقاط معرفة الإنسان بذاته و بيولوجيته الخاصة على الزمن الذي يعيشه ..
و يظهر أن علاقة الإنسان مع الزمن متوترة للغاية و ملغزة ، تجمع بين الخوف و الرهبة و الحاجة من خلاله إلى فهم وجوده الخاص ، و يكون العام أداة زمنية صالحة لقياس عمر ه ، و بعد ان لم يتمكن من تبني مفهوم الجيل الذي هو ثلاثين سنة ، ولا القرن الذي هو مائة سنة الذي يفوق حدود تقدير وجوده ..لذلك فقد دأب ان يقيس عمره بالسنوات و الأعوام ، و لم يقبل ان يقيسه بالأيام و الساعات و الدقائق ، و الثواني و هي اصغر من ان ينتبه إليها الإنسان في غمرة انشغالاته معلقا بين مخاوفه و آماله ،..
و على كل حال لا بد في هذه الحياة التي يطبعها الملل ،من علامات تشوير سعيدة غير علامات الموت و الامراض و الاوبءة ..و من تم جاءت فكرة وحاجة الاحتفال برأس السنة في كل الثقافات ..
و علامات التشوير تلك في طريق الفرد و المجتمع ترسم الطريق و تعبده للسير أماما ، خاصة و ان رؤوس السنة تعود بشكل دوري محيية الزمن المجيد و الأصيل التي لم تنسه الإنسانية أبدا ، و الذي يتوقف فيه الفرد ليسترجع بعض مراحل حياته الجماعية قبل أن تصير أكثر فردانية و عزلة ..
و لان هذا الاسترجاع لا يمكن ان يكون بلا تحديد و بداية و نهاية ، و لا يكون إلا عبر اللغة و الطقوس ، و بما ان السنة في المعتاد تتكون من أربعة فصول تشبه ما يلاحظه الانسان في حياته من بداية و قوة و عنفوان و نهاية و ضعف ، فانه لم يجد بدا من إسقاط دورة حياته على الطبيعة من حوله و على الزمن نفسه و كأنه يؤنسنه ليتملكه من جديد .. على اعتبار ان الحياة مثل ظواهر الطبيعة ما هي إلا زمن مستعاد كل مرة ، هذه الاستعادة التي سماها سنة أو عاما و جعل لها راسا مفكرا فيما سيأتي … لتكون أيامه الأخرى مجرد جسد ليس إلا ..
ملحوظة : مصدر المعلومات الخاصة موقع ويكيبيديا بتصرف ..
[1] عن موقع ويبيكيديا …