بقلم : الجيلالي الاخضر*
إذا كانت لعبة القدم قد تحصنت في الآونة الأخيرة بتقنية الفار قصد الرجوع إليه عند احتدام الخلاف بشأن بعض الأخطاء أو الأهداف التي قد تقع خلسة أعين حكامها، دفعا لكل تجاوز أو جور ورفعا لمنسوب الفرجة فيها/
فإن لعبة الفروسية التقليدية (أو ما يعرف بالتبوريدة كمصطلح تاريخي ضارب في القدم في الموروث الثقافي المغربي) هي الأخرى قد أصبحت محصنة بقوانين صارمة يحتكم إليها وطنيا رغم الاختلاف في أنواعها من حيانية وشرقاوية وغرباوية وصحراوية وغيرها..
لكن رغم إحاطتها بقوانين ولجن تحكيم تسهر على وضع علامات الجودة والنقط للسرب المشاركة في الإقصائيات المحلية والجهوية والوطنية التي تسهر عليها الجامعة الملكية للفروسية.
فاللتبوريدة حكاما آخرين من نوع خاص، والذين لا يمكن أن يتفاعلوا إلا مع أجود الطلقات من البارود دون تمييز بين سربة فلان أو علان وبدون انحياز وبروح رياضية قلما تجدها في أي صنف رياضي آخر.
فالإضافة للجمهور الذي تتعالى تصفيقاته وصراخه المملتئ بالأهازيج المحلية عند كل طلقة موفقة؛ ظهر با التهامي الرجل الذي لا يمكن لأي تظاهرة جهوية أو وطنية أو موسم من مواسم التبوريدة في أقاليم المملكة أن يمر دون حضوره، رغم فقره المدقع، وتكبده عناء التنقل من جيبه وما تجود به مساهمات المتفرجين وهواة هذا الصنف من الرياضة كموروث شعبي يجدب الالاف من المتفرجين والمهتمين.
پا التهامي رجل طاعن في السن، رث الثياب بفعل عوامل الفقر، ذو السبعين من عمره أو يزيد، يبدو كمجدوب التبوريدة، لا يعرف الانحياز لأي فرقة مشاركة، يقطع المئات من الكيلوميترات من مسقط رأسه ليحضر الإقصائيات الجهوية التي تقام في مختلف أقاليم الممكلة.
پا التهامي ڤار ومجدوب التبوريدة يأتي محملا بعشر گلات/قُلَلٍ خزفية أو يزيد مملوءة بالماء ويضعها في رأس المّحْرَكْ؛ حتى إذا ما سمع قرصة لا يعتريها تأخير أو تقديم مكحلة بارود، إلا وقام من مكانه كرجل أصابه مس جني، يركض ويصيح بأعلى صوته، ويرقص على نغمات وتصفيقات الحضور الذي يتفاعل بدوره مع كل الطلقات الموفقة، حاملا قُلة خزفية أو قلتين، ساكبا لمائهما على قبعته الشمسية، وبعد نفاذ مائها يقوم بضربها بقوته على الأرض حتى تتطاير أجزاؤها المنكسرة ويعود لمكانه ليعاود الكرة مرة أخرى عند كل طلقة بارود موفقة، ولا يقوم من مقامه المثبت بجانب لجنة التحكيم في رأس الملعب المخصص للتبوريدة إلا إذا أعجب بالطلقة التي تكون موفقة بشكل كبير.
پا التهامي أضحى في الآونة الأخيرة جزءا من طقوس التبوريدة بحيث يخلف عدم حضوره وتخلفه عن مسابقة أو موسم تبوريدة طقسا مبثورا من طقوسها، وخبزا بدون ملح كما يقال..!
*ذ.الجيلالي الأخضر فارس عن سربة أولاد جموح أولاد داود اقليم تاونات