لم يجد الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، اليوم الخميس، خلال الندوة الأسبوعية التي ينظمها للإجابة على أسئلة الصحفيين، سوى الهروب إلى الأمام، بالدفاع المستميت على قضايا “تكاد تقول كولوني”، حيث برأ المخطط الأخضر من اتهامات معارضيه، وحتى منهم الإقتصاديون والخبراء الذين خرجوا لانتقاده بالحساب والمسطرة، خلال الأيام القليلة الماضية، بعد أن عروا عنه صباغاته و”قراقشه” التي علقت عى جسده طيلة 20 عاما من التيه والجنوح عن الطريق، وخصوصا في الوجعة التي تسد أجفان النوم عن رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الوزير الوصي على قطاع الفلاحة زمانئذ، والقائلة بالأسف الشديد والمؤلم، أن المخطط الموبوء سيء السمعة، “الخطط الأخضر” كرس حقيقة الإضرار بالأمن الغذائي للمغاربة، وتسبب في الغلاء تفشى وتغذى على وضعية الشعب اليوم، وبات يقتلهم عرقا عرقا.
ومن الدفوعات المقدامة، التي نافح بأسلحتها السيد بايتاس لكبح جماح المهاجمين على “المخطط الأخضر”، قوله “إنه وقبل أربع سنوات كنا نعيش زمن الوفرة، وكانت الأصوات تقول إن المخطط الأخضر زاد الإنتاج بشكل كبير جدا، وهذا غير معقول، وينبغي مراجعة الأمر، ولم يكن أحد يقول إن المخطط لم يحقق نتائجه”، مؤكدا على أن “اليوم، وبعدما حدث في السنوات الثلاث الأخيرة من موجة جفاف شديدة وقلة التساقطات، وغلاء المدخلات الفلاحية باتت الانتقادات تطال المخطط”.
هكذا يصير مشجب الجفاف نافذة للهروب ومطية لإخفاء الفشل وتكييفه بحسب المطلوب؟.
والغريب أن بايتاس، يساوم بين “انتقاد تدبير المجال” و”إكراهاته”، فإما أن تترك المنظومة بشموليتها أو تؤخذ، وهو ما وصفه بالقول :” إن الحكم ينبغي أن يكون منصفا باستحضار السياق، حتى لا يتم إطلاق الآراء على عواهنها و يتم تقديم تقييم حقيقي للاستراتيجية”، كما لو أن المخطط المرسوم لا يتضمن “توفير المدخلات الإنتاجية”، في حالة الاستثناء “كالجفاف وقلة الأمطار” وغيرها من الظروف القاهرة.
ويجيد بايتاس عملية التمويه واستنزاف المنتقدين، وهذه المرة يعزز دفاعاته بطرح أرقام خاصة بحصص المياه وواقع تدبيرها لمسارات الإنتاج وانتقالاته، فقال: أن حصة الفلاحة من ماء الري انخفضت السنة الماضية من 6 مليار متر مكعب إلى مليار واحد فقط، أي بنسبة 80%، لكن لا أحد يتحدث عن هذا الأمر”، مع العلم أن الدولة صرفت ميزانية ضخمة خلال نفس الفترة المذكورة، وبخاصة اعتماد “مخطط المغرب الأخضر” على ما أسماه عام 2019 ب”العصر الجديد لترشيد وتثمين مياه الري”، حيث عمل كما سجلت معطيات رسمية بتنفيذ البرنامج إلى حدود نهاية 2019 من إنجاز التهيئة الهيدروفلاحية على مساحة 000 800 هكتار، (منها 000 585 هكتار بالسقي الموضعي، أي حوالي 50 في المائة من المساحات المسقية على الصعيد الوطني)، وذلك لفائدة 000 235 ضيعة فلاحية، بمجهود استثمار إجمالي يناهز 36 مليار درهم.
وتضمن البرنامج كما هو معلوم، ترجمة هذه السياسة في أربعة برامج رئيسية :
- البرنامج الوطني لاقتصاد مياه الري : ويتوخى توسيع المساحة المسقية باستعمال تقنيات الري الموضعي على مساحة تبلغ 000 550 هكتار؛
- برنامج توسيع الري بسافلة السدود : يستهدف إحداث مناطق مسقية جديدة وتعزيز الري داخل النطاق المسقي الحالي، وذلك على مساحة 130 ألف هكتار؛
- برنامج إعادة التأهيل والمحافظة على الدوائر السقوية الصغرى والمتوسطة : من أجل تحسين كفاءة ومردودية البنية التحتية للري التقليدي في الدوائر السقوية الصغرى والمتوسطة؛
- برنامج تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال الري : و يتوخى تحسين الظروف التقنية والاقتصادية والمالية لتدبير خدمة مياه الري، من خلال إنجاز مشاريع ري جديدة في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
- فأين آثار ذلك كله على أرض الواقع؟ ولماذا لم تعد كل هذه السياسات العرجاء بالنفع على المواطنين الغلابة؟.
إذا كانت الحكومة تواكب فعلا اكراهات الفلاحة الجديدة في عصر تتأثر فيه الوضعيات الإقليمية والدولية بما جريات وأهوال الحروب وارتفاع أسعار المحروقات وآثار النقل الدولي عليها ، فإن العديد من الملفات المنتظرة في رفوف أولويات التدبير الحكومي، تعاني من نفس النكسة، وتحتاج لصعقة تحفيزية لإعادة تشغيل التوازنات القطاعية وأهميتها في تنمية الإنسان والعمران.
ويزداد العجب، عندما يرتمي بايتاس في أحضان “التوظيف السياسي للقرارات الحكومية”، حيث يلجأ لأكذوبة “اجراءات الدعم المباشر” أو “التخفيضات الضريبية”، التي لا “تحقق التوازن” ولا “تستثمر القراءات السريعة للوضع الاقتصادي والاجتماعي”، بالقدر الذي تنهك “الزمن الحكومي” و”الضعف المستديم لنظرية دفن الرأس في الرمل”، حتى يتسع الرتق على الراتق، وتنسد كل آفاق الأمل في استمرار حكومة لا تعرف كوعها من بوعها؟..