ـ محمد تكناوي ـ
توافد أصدقاء المعرض الجهوي للكتاب بمراكش مساء يوم الاحد 20 اكتوبر 2024 إلى جناح العروض لحضور فعاليات حفل تقديم و توقيع الإصدار الجديد للدكتور محمد أيت لعميم الموسوم ب ” الانساق الرمزية والاغتراب في الشعرية العربية الراهنة” .
وهكذا انطلقت فعاليات حفل التوقيع بقراءة و تحليل ادبي مستفيض لمضامين و مقاربات الكتاب، من طرف الدكتور عبد الكبير الميناوي ، حيث أبرز أهم القضايا الفكرية والأدبية والسوسيو ثقافية التي تضمنها هذا الإصدار القيم.
و اعتبر الميناوي ان كتاب ا”لانساق الرمزية للعبور والاغتراب في الشعرية العربية الراهنة ” جاء منسجما مع اهتمامات وانشغالات الدكتور محمد ايت لعميم بالمتغيرات والتطورات التي عرفها الشعر العربي والتي شملت البناء والمضمون والرؤية..
و يقع هذا المؤلف المتميز في 193 صفحة من القطع المتوسط يحتوي على فصلين و ستة مباحث عدا المقدمة والملاحق .
و اشتغل الدكتور محمد ايت لعميم على متن شعري متنوع انتقاه لتحقيق ما حاول الدفاع عنه، وهو موضوعة العبور والاغتراب في قصيدة النثر، كان من الطبيعي أن يكتفي ببعض النماذج حاول من خلالها أن يوفق بين بعض التجارب البارزة في المشرق الشاعر ” سركون بولص” من العراق، وسيف الرحى من عمان، وامجد ناصر من الاردن ،و الإماراتية نجوم الغانم ، ووبعض التجارب المغربية ” محمود عبد الغني، وطه عدنان”.
دبج المؤلف كتابه باستهلال الحديث عن التحولات والتجاذبات التي عرفها الشعر العربي في الزمن المعاصر ، والتي دفعت الشعرية العربية إلى اختيار شكل جديد بغية تجريب نمط اخر من القول الشعري حاول الانعتاق من ثقل الاكراهات التي كانت تكبل مغامرة الكتابة، وايضا الابتعاد عن الطرق المألوفة التي اعتراها التكرار والاجترار على مستوى البناء المعماري للقصيدة وعلى مستوى الصورة الشعرية بكل مكوناتها، حيث أصبح الشاعر المعاصر يميل الى التحقق من اعباء النمطية والقول المطروق ، رافعا تحديا جديدا للمغامرة الشعرية ، تسعى إلى الإمساك بتموجات الروح وبناء تصورات جديدة حول الذات و العالم والأشياء.
وهذه الدراسة يؤكد الدكتور محمد ايت لعميم تم انجازها حول شعراء ينتمون إلى هذه التجربة الشعرية الجديدة ، بنصوص من حساسيات مختلفة، محاولا بذلك ابراز التنوع داخل الوحدة، ووحدة الموضوع داخل كثرة النصوص لاجيال متباعدة في الزمن والجغرافيا ، والوقوف على بصمة كل شاعر على حدة من خلال هواجسه الخاصة، وهمومه الذاتية ووجهات نظره حول الوجود والعالم من حوله.
لقد كان الارتهان الى النصوص الشعرية يدخل في إطار الانصات الى التجارب في فرادتها، بغية الإمساك بالخيوط الناظمة لكل تجربة على حدة في أفق بناء تيمة شعرية بصمت هذه التجارب انها موضوعة “العبور والاغتراب”.
العبور والاغتراب يؤكد أيت لعميم كان سؤالا مهيمنا في تجربة قصيدة النثر العربية ، اذ العبور ارتبط بشعراء عرفوا حقيقة هجرة الاوطان لأسباب مختلفة وعاشوا في المنافي وفي ارض الاغتراب، حتى الذين لم يغيروا الجغرافيا عرفوا عبورا اخر باتجاه الاعماق ودواخل ذواتهم، وعاشوا قلقا وجوديا وغربة داخل الذات، بهدا المعنى يتحول العبور الى رمزية كبرى سواء كان عبورا للامكنة ام عبورا باتجاه الاغوار والمياه العميقة للذات ، وقد كانت ومخرجات هذا العبور وهي الإحساس القوي بوطاة الاغتراب.
ويختتم المؤلف دراسته القيمة بالتأكيد على أن النصوص التي اشتغل عليها واشتبك معها استخلص منها مجموعة من الخصائص مهيمنة في قصيدة النثر: هيمنة الصورة الشعرية وتكثيف الدلالة، الاعتماد على لغة المفارقة اعتماد الضربة القاضية في نهاية القصيدة لخلق نوع من الانطباع الحاد غير المتوقع، تغريب الحياة اليومية والأشياء العادية، اكتشاف العادي والاهتمام بالتفاصيل اليومية، أنسنة الأشياء الجامدة بغية خلق إحساس بالألفة المفتقدة في الحياة اليومية، الحياد اللغوي والعاطفي، تقنية التكرار بغية إحداث إيقاع منضبط إضفاء الشعرية على المبتذل والهامشي اعتماد السخرية، توسيع المرجعية وتذويب التناص التركيز على المشهدية واستثمار الصور البصرية.
اما من ناحية المضمون فقد استخلص الباحث محمد ايت لعميم ان موضوعة العبور والاغتراب كانت هي المحرك لتوليد المعنى والدلالة في هذه التجارب المختلفة والمتباعدة زمنيا ، وتواتر هذه التيمة عند اجيال متعددة تدل على الوعي بشروط المرحلة، و ادراك عمق القلق الوجودي للإنسان العربي.