في نقد تضخم المجال المحفوظ وتماهي المسؤوليات والصلاحيات
يوم أمس استقبل الملك محمد السادس بقية أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، وباعتباره رئيسا له ، فإن ما جرى هو تنصيب المجلس الاعلى لذاته بصفة رسمية ووفقا لما يقتضيه القانون من أداء القسم بالنسبة للأعضاء الجدد ، منتخبين ومعينين . وطبعا لا يسع الحقوقيين والديموقراطيين إلا أن يثمنوا تقليد احترام المواعيد والآجال القانونية لكل ولاية بما يعنيه تجديد النفس الديموقراطي على مستوى الهياكل والموارد البشرية، ليطرح السؤال المفترض بل الضروري طرحه: لابد وأنه تم تشخيص انتاج الولاية والاكراهات حتى لا نقول اختلالات ؛ فهل تم استحضار الخلفيات والمرجعيات والالتزامات الدولتية التي أسست للمفهوم الجديد للسلطة، من خلال استحضار خطاب 12 اكتوبر 1999 امام رجال السلطة والمنتخبين، وفي ارتباط وثيق وتفاعلي مع مقتضيات خطاب 15 دجنبر 1999 امام رجال ونساء القضاء، خلال افتتاح السنة القضائية 1999 /2000 والتي دشن بها القرن الواحد والعشرين بإطباق دينامية تكريس المفهوم الحديث للعدالة ؛ والذي كان عنوانه البارز العمل على تعزيز دولة القانون والمؤسسات بإحداث مجلس الدولة . هذه المقتضيات التي أكد عليها الخطاب الملكي بتاريخ 8 اكتوبر 2010 بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الاولى ، فقد اكد على أن المفهوم الجديد للسلطة الذي ” …أطلقناه في خطابنا المؤسس له، بالدارالبيضاء في اكتوبر 1999 ، يظل ساري المفعول ، فهو ليس إجراء ظرفيا …بل هو مذهب في الحكم ..ومفهوم شامل وملزم لكل سلطات الدولة وأجهزتها، تنفيذية كانت او نيابية او قضائية “”. ويبدو أن هذا الخطاب الذي كان آخر خطاب امام آخر ولاية تشريعية لنرحلة ما قبل الدستور الجديد ليوليوز 2011، والذي حدد معالم استقلال القضاء كسلطة دستورية ، ناهيك عن التنصيص على تشييد المجلس الأعلى للأمن، وبالطبع جاء قبل وقائع حركة 20 فبراير 2011، والتيتوجت باصدار الدستور وتنصيب حكومة، ذات علاقة متوترة بمونية حقوق الإنسان ، دامت عقدين من الزمن الانتخابي، ليطرح السؤال من جديد : أين بلغ المفهوم الحديث للعدالة في ظل حالة الطوارئ الوبائية ؟ وما دور السلطة القضائية ومساهمته في تدبيرها ؟ هل استطعنا تجاوز أزمة الثقة التي أحدثتها وقائع 16 ماي 2003 ؟ كيف السبيل إلى تفعيل العبرة التي خلفتها آثار الجائحة في العلاقة مع ضمان الحقوق والحريات؟ وهل فعلا تحققت الحكامة الأمنية ومعها الأمنين القانوني والقضائي، بالرقابة البرلمانية والقضائية؟ وكيف السبيل إلى رد الاعتبار الدولة الاجتماعية في ظل تخلي السياسات العمومية والهويات الحزبية عن البعد الاجتماعي، وفي ظل توقع عودة الاختقان بسبب تقاقم الخصاص الاجتماعي؟ وهل فعلا يمكن الإطمئنان إلى سلامة فصل السلطات واستقلال بعضها عن بعض في ظل اعتقاد النخبة والفاعلين بصحة قاعدة ” كم حاجة قضيناها بتركها ” للمؤسسة الملكية، في ظل تماهي صلاحيات المؤسسات والمسؤوليات وفي سياق تواطؤ الأحزاب السياسية أوصمتها عن إرادة تمريس و تسييد شساعة مفهوم المجال المحفوظ للملك .
*مصطفى المنوزي
رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن