‏آخر المستجداتلحظة تفكير

حسن اوزال: التفلسف باعتباره رهان حياة أو موت

لعل الخسارة العظمى التي لحقت بالفكر الفلسفي منذ عهد بعيد ، تعود أول ما تعود الى ما طرأ عليه منذ فترة ، من عملية اختزال تاريخية، انسجاما مع نوايا المؤسسة المدرسية بشتى تلاوينها . ذلك أن هذه النزعة الاختزالية التي ظهرت في صيغتها الدينية- المسيحية لم تكن ترمي فحسب الى الفصل بين الفكر و الحياة وإحداث الشرخ بينهما، بل عملت أيضا وقصدا على وأد تصور قديم، ظل يتبنى التفلسف كفن للعيش طيلة عشرات القرون عند اليونان و الرومان(ق.6 ق.م-ق.2م) .

هكذا إذن صار التفلسف مفصولا عما يستطيعه، ما أن تم استئصال كل نبتة تقرن بيولوجيا الفكر بالوجود وتشهد على أنه لا تفلسف دون استدعاء الفلسفة كمران يومي وممارسة حية . ذلك أن التفلسف فضلا عن كونه نتاج إكراهات فيزيولوجية قبل أن يكون تدبيجا فجا لنصوص بعينها ، فهو أيضا توتر جسماني وتمرين جسدي مافتئ يعلن انصهار الفكر في الحياة والتحام الكلمات بالاشياء، سواء عبر ممارسات مضبوطة من قبيل اللجوء الى تقنيات التذكر أو بالعمل على اختصار صروح فكرية كبرى في صيغ وجيزة سهلة الاستحضار ، جريا على نهج الوصفة الأبيقورية (العلاج الأبيقوري الرباعي : لا وجود لآلهة ، لا ينبغي لنا الخوف من الموت، الألم يمكننا تحمله، السعادة قابلة للتحقق) أو عبر نحث شذرات حكمية على الحائط بشارع يعبر منه عموم الناس ( ديوجين اينواندا بمدينة فتحية بتركيا، أو عبارات فيلوديم بغادارا)، هذا طبعا فضلا عن تلك الطقوس التي بمقتضاها يتم تكوين زمرة من الاصدقاء المميزين، تحقيقا لسعادة ممكنة وتقاسما لمتع لا يجيزها المجتمع .

لعل هذه العادات العملية التي بدأت ترسخ ثقافة للعيش أكثر ثراء و تنوعا هي التي أحكمت المسيحية حينها القبضة عليها لتحرفها عن مسارها الاول جاعلة منها تقنيات تخدم الماورائيات والموت بدل الحياة وترسخ الكآبة عوض الفرح وعذاب القبر بدل ملذات العيش .

بديهي إذن بعد هذا كله أن نختم بالتوكيد على أن مهمة التفكير ليست مهمة سهلة، كما يخال عموم الناس بل هي رهان وجودي يقتضي من كل إنسان حي المقاومة لبؤر التوتر السالفة الذكر انتصارا منه لذاته أولا، ولقاسمنا المشترك ثانيا، باعتباره ما يجمعنا فوق هذه البسيطة للحظة وجيزة وثمينة هي دوما وللأسف ، تحت طائلة التهديد بمقتضى تهمة ثيلوجية محضة، تنهض على قوام خطيئة أصلية قُدِّر علينا أن نؤدي فاتورتها غالية حتى ولئن لم نشارك آدم وحواء ما اقترفاه فرَضا من جرم.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button