يكتبها: د محمد فخر الدين
4 ـ عاقصة
وبعد ثلاث سنين من اختفاء وحش الفلا ، وحزن أفراح عليه وإذا به يسمع صوتا مخفيا يقول له :
ـ أنا بنت الحكيم الأبيض حاكم منابع النيل ، وقد أرجعت لك الغلام بعد شرط ثلاث سنوات، واعلم إنني عندما كنت مارة بالقرب من المكان الذي كان مرميا فيه الغلام في البراري والقفار سمعت بكاءه فرققت له وأرضعته من لبني فصار ابنا لي من الرضاعة ..
وعندما عدت لأحمله وقد ندمت كيف تركته في الهجير لم أجده في مكانه ، فاشترطت على نفسي إن أنا وجدته أن أعتني به ثلاث سنوات كاملة دون إنقاص ، وهذا ماكان فقد أرضعته وربيته مع ابنتي عاقصة كل هذه الأعوام .. والآن أنا أرجعه إليك فاحترس عليه غاية الاحتراس..
ففرح أفراح برجوع وحش الفلا إليه ، وصار يربيه ويراعيه حتى صار له من العمر سبع سنين، وفي هذه السن المبكرة تفوق على أقرانه في الميدان وصار يترامى مع الصبيان ويقهر الشجعان، وفاق أهل زمانه في ذلك ..
وفي يوم من الأيام زار سقرديوس أفراح وسأله عن أمر الغلام فأخبره برجوعه وأخبره بما كان ، فكادت مرارته تنفطر من الغضب، وقال له إنه ينبغي أن يبعد شامة عن الغلام وأن لا يغضب عليه زحل .. وهدده بإخبار أخيه سقرديس إن هو لم يقض ليه ويزيل من الدنيا خبره ..
فقال له:
ـ أنا لا أخالفك الأمر وسأبعده في الحال وأجعل رجوعه من المحال ..
وأرسل في طلب فارس صنديد وشجاع مريد يقال له عطمطم خراق الشجر، ولما جاء طلب منه أن يأخذه معه إلى حصنه، وأن يجد في تدريبه فنون الحرب والقتال، وأن يخفي أمره عن الجميع .
فصار خراق الشجر كل يوم ينزل به إلى الميدان ويعلمه فنون الحرب والطعان إلى أن أكمل وحش الفلا من العمر خمس عشر سنة ..
فأخبره أنه تفوق في كل مجال لكن لازال باب واحد لم يجربه ، هو خرق الشجر بالقناة والرماح ..
وطلب منه أن يخرق شجرة عظيمة يمشي الماشي في ظلها ساعة وعلوها ينقطع منه السحاب، فأبدى في ذلك الأمر العجاب واخترقها برمحه وأجاب، وأخرجه من الطرف الآخر كأنه المنجنيق ..
فلما نظر خراق الشجر تلك الفعال أخذته الحيرة والانذهال .. وبلغ منه الغضب مبلغا شديدا ما عليه من مزيد، لأن وحش الفلا تفوق عليه في هذا المجال وكان يظنه منفردا به ولا يجيده غيره، فطرده في الحال ولم يجبه على سؤال وشرده في البراري والقفار ..
ـ الصورة من الأرشيف ـ