يكتبها: د ـ محمد فخرالدين
5ـ شامة
طرد عطمطم خراق الشجر وحش الفلا من حصنه فتاه في البراري والقفار، وهو لا يعلم الليل من النهار ولا إلى أين هو سائر ..
وفي اليوم الثالث أشرف على غار في ذلك البر و البطاح وسمع صوت إنسان قاعد، فلما دخل قال له الرجل أنه ينتظره منذ زمان ، وأخبره أن في الغار كنزا له ، وهو سوط جلدي مطلسم لا يأخذه إلا غلام اسمه وحش الفلا ، وطلب منه أن ينزل ويأتيه بالسوط وأن لا يتأخر عليه ..
فنزل وحش الفلا ومد يده وأخذ السوط ورجع ، و لما سأله الرجل أن يسلمه السوط خاف من غدره ،فطلب منه أن يساعده أولا في الصعود ..
فلما صعد وحش الفلا عاجل الرجل بضربة فمات في حينه وساعته، وفرح وحش الفلا بخلاصه وحصوله على السوط السحري..
وواصل مسيره حتى أشرف على مدينة عالية البنيان مشيدة الأركان ، وأهلها محصورون على الأسوار وهم في حزن شديد وحداد لابسين السواد..
فتقدم إلى وسط المدينة فوجد خيمة منصوبة تدل على وجود عروس ، فلما دخلها وجد فتاة وحيدة حزينة وهي تبكي على الأهل والجيران وفرقة الأحباب والخلان ، وهي تنشد وتقول بقلب مجروح وأمل مفقود :
بليت ولم يكن في الحساب
ومن بعد عزي ذقت العذاب
ورأى على خدها خالا أخضر مثل الذي على خده ، فلما نظرته سألته عن اسمه ، فقال لها:
ـ اسمي وحش الفلا ..
فأخبرته بأنها شامة بنت الملك أفراح ..
وكان السبب في كل ما جرى وكان أن سقرديوس ، وحتى لا تجتمع الشامتان وما يعني ذلك من خراب حكم الأحباش ، استعان بساحر عتيد في فنون السحر شديد ، فأرسل ماردا يقال له المختطف ، طلب الجو الأعلى وهجم على المدينة وكان يهدد بتدميرها على رأس سكانها إذا لم يسلموه شامة عروسا.. فخاف جميع من في المدينة خوفا شديدا ما عليه من مزيد وسلموه ما يريد ..
وبينما كان وحش الفلا في الخيمة يواسي شامة ، وإذا بالغبار قد علا و تكدر الفضا ، والجو أظلم من شدة خفقان أجنحة المارد ، فلما رأى وحش الفلا جالسا قرب شامة صاح صيحة مزعجة اندكت لها الجبال والأودية، فارتعدت أوصال وحش الفلا لكنه تجلد وصبر، وقبض على السوط المطلسم فصار السوط يلتهب في يده كالنار، وضرب المارد ضربة جبار فوقعت الضربة على يده اليسار، فقطعتها و كأنها منشار، فأخذ المارد يده المقطوعة ولزقها محل القطع خوفا أن يتسرب ما في جسمه من الدخان ويموت في الحال ..
ثم إنه نشر أجنحته وطار من وقته وساعته ، ففرح السكان بذلك غاية الفرح، وزال عنهم الهم والقرح ، وحمدوا الله على السلامة ، وعادت الابتسامة ، وزادت الأفراح وكان ذلك يوما مشهورا، وقد أمر أفراح بذبح الذبائح وترويج الطعام بين الخاص والعام ،ونصب الولائم المعتبرة وتقديم الأطعمة المشتهرة .
أما وحش الفلا فدخل الديوان وقد تكامل بأرباب الدولة وقد عول على خطبة شامة من أبيها ، وكان سقرديون حاضرا في المكان …
فلما سمعه يخطب شامة شق لباسه ولطم بيده على رأسه وتذكر ما سيحدث من أمر شنيع إذا ما اجتمعت الشامتان ..
أما ما كان من أمر أفراح فقد أبدى موافقته في الحال ، وطلب منه خطبتها من الحكيم سقرديوس لأن أمرها مسلم إليه في جميع الأحوال ، وكان ذلك بأمر من سقرديوس المحتال ..
فطلب وحش الفلا يدها منه ، فقال سقرديوس وقد وجد طريقة للتخلص منه دون أن يفطن أحد :
ـ أنت تعلم أنه لا بد لشامة من مهر يليق و يمنع التعليق وهذا المهر لن يكون لا مال ولا نوال ولا ألفا من الجمال ، لن يكون إلا رأس الفارس المغوار ذو السيف البطار سعدون الزنجي ..
ـ الصورة من الأرشيف ـ