ليس بعيدا من هنا…في إحدى المؤسسات التربوية بفاس العالمة….ولربما لهذه المؤسسة شبيهات في هذا الوطن…يدخل التلميذ ذو الأربعة عشر ربيعا قاعة الامتحان، تلميذ من النوابغ المؤدبين الذين ربتهم أسرهم فأحسنت توجيههم، إذا كلمك فبالإشارة وإذا أبدى رأيا فبأدب جم، يقبل على الامتحان و يجلس في الطاولة الثالثة من الصف، تُوزع الأوراق ، يعكف على الاختبار لا يدري مايخبئه له القدر، فجأةتنهال عليه لكمات من الخلف , ثم خدوش ثم صفعات على قفاه.. يهجم عليه مجرم صغير يريد أن ينتزع منه ورقة الامتحان . المراقبان يتجاهلان المجزرة الدائرة في القسم، يداعبان تطبيقات الهاتف، صراع مرير في القسم، والطفل يحاول أن يلتقط أنفاسه في حلبة الصراع لعله يفلت من مجرم خلفه و ثان متربص أمامه….يأتي أحد المراقبيْن ينتزع ورقة الامتحان جاهزة من تلميذ ويسلمها إلى آخر لينقل منها.
الطفل الصغير يُحبط..يسيل قلبه دما. ….لم يكن يظن أن الامتحان سيغدو مجزرة ومكانا لبيع الضمير ووأد صوت الحق والاستهتار بالتربية والتعليم..طفلة أخرى تنتزع منها ورقة الرياضيات فتعجز عن إتمام الامتحان..
المراقبان لا يراقبان إلا الهاتف..وتطبيقاته و يتلذذان برسائل الأصدقاء ولربما يسألان عما أعدته الزوجة من طعام الغداء…
أو يتجولان في أسواق افتراضية للخرفان..بعض المتفوقين من التلاميذ يُذبحون في القسم كالخرفان ..يسيل دمهم لكن الضمير مات في المراقبيْن…
قلتُ لربما كانا من أولئك الذين لم يعرفوا بعد جلال المهنة….لربما…أو سقطا بضربة حظ في هذا الفضاء الذي يبدو غريبا عنهما.
بشق الأنفس يكمل التلميذ الامتحان في الصبيحة الاولى تحت طائلة العنف والتهديد..يخرج قبله المجرم ..يتفاجأ الطفل الصغير بأن المجرم قد جلب إلى باب المؤسسة اثنين من ذوي السوابق على دراجتين ناريتين ..يهرع الطفل إلى والديه المنتظرين..داميٓ الفؤاد
متورم الظهر من فرط اللكمات…لم يكن يعلم أن الامتحان سيغدو مجزرة وأنه في يوم ما سيخرج من شرنقة البراءة والعفوية التي تربى داخلها ليصدم داخل مؤسسة تربوية ويكتشف
حقيقة المجتمع الذي خاله ورديا ويتجلى لعينيه البريئتين بعيوبه وسفالته وجهله..وانعدام الضمير..وأن
القيم التي ربينا عليها المتعلمين من تسامح ومحبة وصدق ووطنية ونبل..لا وجود لها إلا في المقررات..و بين دفات الأوراق لكن لا صدى لها في الواقع……
لا شك أنك يابني ستراجع حسابات كثيرة بينك وبين نفسك وبينك وبيننا.وأنت في حالة صدمة…كم قلنا لك اكتب إنشاءً يفيض محبة وبرا وعدلا وصدقا…وها نحن وكأننا كذبنا عليك بما تجلى لك
من إجرام بعض المربين، وإهمال بعض الأسر تربية أبنائها، وعملها على تخريج مجرمين صغار لا تلاميذ حقيقيين….وتغافل بعض الإدارات التربوية عن مهامها
من أجل الخلاص من اعتداء وتحرش و عدوانية أشباه تلاميذ قضوا عامهم بين المقاهي والملاهي وتطبيقات الهواتف..وصالات الدردشة،
ليجدوا بعض المراقبين من منعدمي الضمائر يكملون مسير الأسرة في الإهمال واللامبالاة وفتح باب التسيب على مصراعيه….ولتكون أنت، يابني ،وغيرك ضحية يوم الاختبار..ولتعيش قصة أكثر إثارة من أشرطة الرعب…
ولأن القصة طويلة…الغريب أن أهل الطفل تحدثوا إلى الإدارة بأدب سابغ ولياقة متناهية..بل ودعوا للتلاميذ المنفلتين بالنجاح والهداية..!!!!
هل تكون مثل هذه المواقف، التي لا شك أن الطفل سيذكرها وهو شاب،هي التي ستشكل نظرته وموقفه من هذا الوطن…؟ وقد تدفعه إلى أن يحزم أمتعته بعد الباكلوريا نحو ضفاف أخرى؟؟؟