بفعل ازدواجية المرجعية الرسمية من خلال التشريعات والسياسات العمومية
ثانيا: المنظومة القانونية الوطنية وتكريس التمييز ضد النساء بفعل ازدواجية المرجعية
أ ـ قانون الأسرة والحقوق المترتبة عنه
بعد مرور 19 سنة من دخوله حيز التنفيذ فإن قانون الأسرة المغربي الذي شكل ثورة عقب إصلاحه سنة 2004 على سابقه فإنه أصبح يتنافى مع دستور 2011 ومع التزامات المغرب الدولية في إطار منظومة حقوق الإنسان التي تقر بمبدأ المساواة بين الجنسين. كما أن تطبيقه لما يقرب من عقدين أبان على ثغرات ومعيقات عملية وتشريعية ومرجعية ضمنها ازدواجية المعايير في التعاطي مع حقوق النساء.
كشفت الإحصائيات الأخيرة للنيابة العامة المغربية، أن المحاكم في المغرب لا زالت تتوصل بمزيد من طلبات الإذن بتزويج الطفلات، و تلقّت خلال سنة 2020 ما يعادل 19926 طلبا صدر بشأنها 13335 إذناً بالزواج. ومنذ دخول قانون الأسرة حيز التنفيذ عرفت طلبات تزويج الطفلات كما شهدت الأذونات ارتفاعا متزايدا بلغ نسبة حوالي 12% مابين سنوات 2010 و2013.
عرف تعدد الزوجات تباينا كبيرا بين الانخفاض والارتفاع من سنة لأخرى ويرجع ذلك للسلطة التقديرية للقضاة ولعدم حسم المشرع في منع التعدد الذي يعتبر عنفا مبنيا على النوع.
مسطرة تقسيم الممتلكات غير منصفة للنساء ولا تأخذ المحاكم بعين الاعتبار مساهمة النساء
في تنمية ممتلكات الأسرة بالرغم من المساهمة المادية للزوجة التي تفتقد للإثبات بفعل استحواذ الزوج على ممتلكات الأسرة، ناهيك عن عدم الاعتراف بالعمل البيتي للنساء أثناء عرض قضايا اقتسام الممتلكات أمام القضاء.
المرأة المغربية لا يمكنها ممارسة الولاية على أبنائها إلا بشروط تقييدية رغم أن مدونة الأسرة تنص على أنه إذا عجز الأب كليا أو جزئيا عن الإنفاق على أولاده، وكانت الأم ميسورة، وجبت عليها النفقة (المادة 199) فإن هذه المسؤولية المادية لا تخول لها الحق في الولاية على أبنائها.
مازال قانون الأسرة بعيدا على إنصاف الأطفال المولودين خارج إطار الزواج وتمتيعهم بحقوقهم وخاصة الحق في النسب. فرغم أن قانون الأسرة أقرّ باللجوء للخبرة الجينية لإثبات الأبوة البيولوجية فإن هاته الأخيرة لا تعتبر وسيلة لإثبات البنوة الشرعية. وهذا ما كرسته محكمة النقض في إحدى قرارتها رقم 275/1 الصادر في 29 شتنبر 2021 في ضرب سافر لحقوق الطفلة موضوع الحكم ومبدأ المصلحة الفضلى الذي نصّت عليه اتفاقية حقوق الطفل كما صادق عليها المغرب.
على خلاف ما نصّت عليه المواثيق الدولية والتي لا تجعل من الدين مظهرا من مظاهر التمييز بين الأشخاص، وتعترف للجميع ذكورا أو إناثا بمبدإ الحرية في الزواج دون أي قيد بسبب الدين. فإن قانون الأسرة مازال يعتبر المساواة بين الرجل والمرأة في مجال الحق بالزواج من غير المسلمات والمسلمين، من الموانع المؤقتة اإذ لا يجوز إبرام عقد زواج بين مسلمة وغير مسلم أو بين مسلم وغير مسلمة إلا بزوال المانع الشرعي المتمثل في الاختلاف في الدين.
لذلك وجب: إصلاح شامل لمدونة الأسرة بما يضمن حقوقا متساوية للمرأة مع الرجل فيما يتعلق بانعقاد الزواج وفسخه وفي العلاقة مع الأطفال والميراث وملاءمتها مع الدستور والاتفاقيات الدولية للحقوق الإنسانية للنساء.
ـ مراجعة نظام الميراث بما يضمن احترام تام لمبدأ المساواة بين النساء والرجال.
ـ منع تزويج القاصرات أقل من 18 سنة كاملة.
ـ منع تعدد نهائيا.
ـ ضمان المساواة بين المرأة والرجل في الحق بالزواج من غير المسلمات/ المسلمين.
إلغاء جميع المقتضيات التي تحرم المرأة من حقها في الولاية القانونية على أبنائها القاصرين.
ب ـ القانون الجنائي واستمرار انتهاك الحريات الفردية للأشخاص.
رغم أن القانون الجنائي قد عرف بعض التعديلات الجزئية والمتعاقبة والتي مكنت جزئيا من تعزيز حماية النساء من العنف، إلا أنه يبقى من القوانين المحكومة بعقلية ذكورية محافظة وتمييزية تجاه النساء سواء من حيث فلسفته أو مقتضياته التي تكرس دونية النساء والتراتبية والتمييز في التعامل مع الضحايا عندما يتعلق الأمر بالاغتصاب كمثال على ذلك، بحيث يميز القانون بين المتزوجات وغير المتزوجات، العذارى وغير العذارى.
لذلك وجب: مراجعة جذرية لمنظومة القانون الجنائي من حيث فلسفتها المبنية على التمييز والذكورية ومقتضياتها بما يتلاءم مع الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان ويضمن الحريات الفردية والجماعية.
ـ تمكين الحركة النسائية المغربية من المشاركة في مسلسل مراجعة القانون الجنائي قصد إبداء وجهة نظرها بخصوص الإصلاحات المرجوة.
ـ تجريم أفعال العنف السياسي ضد النساء باعتبارها تمييزا وانتهاكا للحقوق الإنسانية للنساء، وتعطيلا للمساواة والمناصفة الدستوريتين.
ـ رفع التجريم عن جميع حالات الإجهاض الطبي والذي تباشره المرأة بإدارتها الحرة وخيارها الحاسم.
ـ تجريم الاغتصاب الزوجي.
ج ـ قانون الجنسية:
على إثر التعديل الذي عرفه قانون الجنسية سنة 2007 أصبح من حق المرأة المغربية المتزوجة من أجنبي، أن تمنح لابنها المولود من هاته العلاقة جنسيتها المغربية. لكن هذا القانون يظل تمييزيا في مقتضيات أخرى ولاسيما عدم منحه الحق للمرأة في نقل جنسيتها إلى زوجها الأجنبي (اكتساب الجنسية عن طريق الزواج) على غرار الرجل الذي يتمتع بهذا الحق.
لذلك وجب: تغيير المقتضيات التمييزية ضد النساء في قانون الجنسية عبر منح المرأة الحق في نقل جنسيتها لزوجها الأجنبي وفق نفس الشروط المنصوص عليها فيما يتعلق بالزوجات الأجنبيات.
ثالثا: مشاركة النساء في الحياة السياسية والعامة وغياب تفعيل آلية المناصفة
على الرغم من أن دستور 2011 عزّز مبدأ المناصفة من خلال الفصول 19 و 30 و164، يبقى تحقيق المناصفة بين النساء والرجال في مجال الولوج للمناصب العليا والمنتخبة محدودا ومتعثّرا، وذلك راجع لسببين رئيسيين: كون القوانين الانتخابية المعدلة سنة 2021 لم تتبن مبادئ المساواة والمناصفة المنصوص عليها في الدستور، فاذا كانت العملية الانتخابية هي مأسسة حقيقية للديمقراطية وللمساواة والمناصفة، فإن واقع الممارسة يجعلها فقط أحد مظاهر هيمنة العقلية الذكورية على جميع مناحي الحياة، التي لا تستوعب الأدوار التي تلعبها النساء في الفضاء العام وتعتبر مكانهن “الطبيعي” داخل الفضاء الخاص من أجل خدمة الرجل والأسرة. وهذا ماتبين بشكل جلي من خلال نتائج الاستحققات الانتخابية العامة التي عرفها المغرب سنة 2021.
تتكون الحكومة التي انبثقت عن انتخابات 2021 من 24 وزير ضمنهم 6 وزيرات. ولأول مرة في تاريخ المغرب، أسند للنساء، الإشراف على قطاعات استراتيجية. وعلى مستوى نتائج الانتخابات التشريعية حصلت النساء على 96 مقعدا من أصل 395 مقعدا أي بنسبة 24%. منها فقط 6 مقاعد من الدوائر الانتخابية المحلية، وبالتالي فنسبة نجاح النساء في الانتخابات التشريعية هي أقل من %2. أي أنه لولا التمييز الإيجابي لكانت الحصيلة هزيلة ولا ترقى لمستوى العمل والطموح الذي يتوخى المناصفة. وبالنسبة لمجلس المستشارين من أصل 120، لم تفز النساء سوى ب 15 مقعدا، أي بنسبة 12,5%.
بخصوص انتخاب أعضاء وعضوات مجالس العمالات والأقاليم تمكنت النساء من الحصول على 486 مقعدا من أصل 1365 مقعد في مجالس العمالات والأقاليم، أي بنسبة تعادل 35.60 % من مجموع المقاعد. ومن أصل 12 جهة، فقط جهة واحدة انتخبت امرأة على رأسها. كما تم انتخاب ثلاثة نساء عمدات على رأس ثلاث مدن كبرى و هو ما اعتبر تطورا إيجابيا ملحوظا.
على الرغم من المجهودات المبذولة وتواجد النساء على رأس العديد من المؤسسات الوطنية منها المجلس الوطني لحقوق الانسان، المجلس الأعلى للحسابات، الهيئة العليا للسمعي البصري، بالإضافة إلى تعزيز تواجد النساء في المجال القضائي بفتح المجال للنساء لولوج مهنة العدول. فإن المغرب ما زال بعيدا من تحقيق مبدأ المناصفة بين النساء والرجال في مجال الولوج للمناصب العليا. حيث إن نسبة تأنيث مناصب المسؤولية (المناصب العليا، رؤساء المصالح، رؤساء الأقسام…) تبقى ضعيفة بالنظر، لطموح الحركة النسائية، إذ لم تتعدى 11.4 % برسم فترة 2012-2019 وهاته النسبة تزداد ضعفا كلما علت مناصب المسؤولية.
لذلك وجب: ملاءمة القوانين التنظيمية مع اتفاقية “سيداو” والتي تتضمن إجراءات صريحة مثل ما جاء في المادة 7 منها، ومع المقتضيات الدستورية عبر التنصيص الواضح على مبدأ المناصفة وإيجاد الآليات التشريعية اللازمة لضمان الوصول إليها.
ـ إعمال مبدأ المناصفة داخل التنظيمات الحزبية والنقابية والمهنية من خلال اعتماد اللوائج المختلطة في الترشيح للإنتخابات الجماعية والتشريعية والمهنية.
ـ تجريم أفعال العنف السياسي والعنف الإلكتروني الموجه ضد النساء بارتباطه بمظاهر العنف السياسي باعتباره تمييزا وانتهاكا للحقوق الإنسانية للنساء، وتعطيلا للمساواة والمناصفة.
ـ تبني سياسات عمومية تضمن نشرالتوعية والتحسيس داخل المجتمع من أجل النهوض بثقافة المساواة والمناصفة بين الرجال والنساء في جميع المجلات بما فيها الولوج لمناصب ومراكز المسؤولية.
ـ وضع تدابير التمييز الإيجابي لضمان ولوج النساء لمناصب المسؤولية العليا بالوظيفة العمومية وغيرها دون الإخلال بمبدأ الكفاءة.
* سناء زعيمي، باحثة وناشطة حقوقية
حاصلة على دكتوراه في الآداب، تخصص الجغرافيا البشرية والتهيئة المجالية، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر ـ أكادير ـ المغرب.
- التجربة المهنية:
2011-2013: أستاذة التعليم الثانوي التأهيلي- المديرية الإقليمية الحوز/أمزميز
2013- إلى الآن: أستاذة التعليم الثانوي التأهيلي- المديرية الإقليمية المنارة/مراكش
2013- إلى الآن: منسقة الحياة المدرسية بالثانوية التأهيلية الكتبية ـ مراكش
2019 ـ إلى2021: منسقة مشروع APT2C بالثانوية التأهيلية الكتبية ـ مراكش
2015 ـ إلى الآن: عضوة القطب الجهوي للفاعلين من أجل المساواة بمراكش
2019 ـ إلى 2021: عضوة الهيأة الاستشارية للمساواة ومقاربة النوع بمجلس جهة مراكش ـ آسفي
2018 ـ إلى الآن: رئيسة فدرالية رابطة حقوق النساء بجهة مراكش آسفي
2021 ـ إلى الآن: عضوة المكتب الوطني فدرالية رابطة حقوق النساء بالمغرب
- الأبحاث والدراسات المنجزة:
– بحث في الجغرافيا: مظاهر التلوث بتراب مقاطعة المنارة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مراكش، 2005.
– رسالة الماستر في الجغرافيا دينامية المجال الضاحوي الغربي لمراكش. حالة الجماعة القروية سعادة” كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مراكش 2008.
ـ تحقيق من طرف بنية البحث حول الجندر، 2009 ـ 2010. في موضوع: la mobilité de la femme rurale dans les zones précaires de Marrakech، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـــ مراكش.
ـ المساهمة في الاشراف على دراسة في موضوع:
“Diagnostic de terrain : La violence basée sur le genre à Marrakech-Safi”. Financé par le Ministère français de l’Europe et des Affaires étrangères et porté par l’Institut européen de la Méditerranée, dans le cadre du projet « Développer l’autonomie des femmes » labellisé par l’Union pour la Méditerranée. En partenariat avec la FLDF – Marrakech, 2017 – 2019.
ـ رسالة الدكتوراه في الآداب تخصص الجغرافيا البشرية والتهيئة المجالية، جامعة ابن زهر، المغرب. في موضوع: ” التنمية المحلية وإعادة التشكيل المجالي ـ حالة ضاحية مراكش “. تمّت مناقشتها بتاريخ 16 يوليوز 2021، بميزة مشرف جدا.
ـ المشاركة في بلورة مخطط عمل للحد من الهدر المدرسي والوقاية من ظاهرة تزويج الطفلات بالحوض الدراسي بيزضاض بالصويرة، من 24 دجنبر 2021 إلى 31 دجنبر 2022.
ـ المساهمة في الاشراف على دراسة في موضوع:
Réalisation d’une étude sur les violences basées sur le genre et le mariage des mineures dans la région Marrakech Safi, dans le cadre du projet : “Baraka Chabab contre les violences” avec la fédération des ligues des droits des femmes a Marrakech en partenariat avec Oxfam au Maroc et l’Association Gorara pour les arts et cultures, co-financé par l’Union Européenne. De 01 octobre 2021 à 31 mai 2022.