
ـ عميد كلية اللغة العربية بمراكش الدكتور أحمد قادم يحطم نظرية “الدارجة هي لغة مستقبلنا” لنور الدين عيوش ـ
تصدير:
سؤال يتكرر كلما تأزمت وضعية اللغة في المجتمع جراء التطورات التكنولوجية المتلاحقة وتلاقح الثقافات وهيمنة المصالح الاقتصادية على الثقافة والتعامل الإنساني وأصبحنا نرى كثرة المنخرطين في التخريب بالموازاة مع كثرة الداعين إلى إعادة النظر في التوجهات الثقافية واللغوية والحضارية للأمة.
وعادة ما نسمع عن اللغة والهوية واللغة الأم واللغات المحلية واللهجات والانفتاح على الآخر وإتقان اللغات الأجنبية حتى اختلط الحابل بالنابل وكثر التنظير والاستدلال لكل توجه. فسرى هذا التخبط في المدرسة والجامعة وتناقلته الأجيال.
ولقد آن الأوان أن نعترف أننا نعيش أزمة خانقة تعاني فيها اللغة العربية بين أبنائها وفي مواطنها.
وانتقلت اللغة العربية من عنوان للحضارة والتميز، إلى وصمة للتخلف تلاحق من يتكلمها في المنتديات والمحافل ووجدنا من يتجرأ على العربية ويصفها بالنعوت القدحية ويلصق بها سيمات التخلف والتقهقر ويبحث لها عن بدائل تخلصنا من الأزمة التي يعيشها المتكلمون بالعربية والمتواصلون بها.
وانبری – في المقابل – أناس يدافعون عن العربية ويبحثون لها عن مكان آمن تحت الشمس.
إلا أن الإشكال الكبير الذي لا يتكلم عنه هؤلاء، هو عن أي عربية نتكلم؟ فقد أصبحت العربية عربيات متباينة ومتفاوتة، وتكاد تكون مختلفة عن اللغة التي تعرض في الكتب القديمة والدواوين الشعرية. تلك اللغة التي كانت مصدرا لتقعيد القواعد النحوية والبلاغية وخلفت إرثا حضاريا ساهم في مدِّ جسور التواصل بين العرب والأمم الأخرى.
إن الحديث عن العربية اليوم يطرح إشكالا عن الموضوع المقصود بالضبط. هل نتكلم العربية الفصحى فعلا؟ وهل تشبه عربيتنا المتداولة اليوم لغة العرب القديمة؟ وهل نحن أمام تطور لغوي حقيقي أم أمام تدهور لغوي غير مسبوق؟ ومن يحق له أن يتكلم عن العربية؟ وهل يحق للمجتمع المدني – موضوع الندوة – أن يتكلم في لغة لها مواصفاتها وشروطها ومعجمها؟
كلها أسئلة تطوقنا ونحن نستسهل الموضوع حيث تتاح الفرصة لكل من هبَّ ودبَّ أن يحشر أنفه في العربية بدوافع مختلفة: فتارة نسمع عن التواصل وأخرى عن تبسيط اللغة وتارة أخرى نسمع عن الانفتاح ومسايرة التقدم الغربي وانتهينا إلى تقطيع أوصال العربية وتوزيع أطرافها بين من يُسَمَّوْن فرقاء المجتمع المدني كلٌّ بخلفيته وتوجهه واعتقاده. فتولد عن هذا التجاذب جرأة على العربية من أبنائها بشكل لا يطَبَّق على اللغات الأخرى، وفرضت عليها في بلدنا لغات أخرى للتواصل الإداري والعلمي بدعوى الانفتاح والاستفادة من التقدم الذي حققه الغير واتُّخِذَ ذلك سببا لنبذ العربية والتقليل من شأن من يستخدمها في المحافل والمنتديات.
ثم إننا نجد صنفا آخر من المستعملين لها يخلطون بينها وبين اللغات الأخرى بطريقة لا نجدها إلا عند العرب فلا تسمع جملة واحدة إلا وَدَاخَلتْها كلمات أخرى تضمر أكثر مما تظهر، ويُحِبُّ أصحابها أن يظهروا بمظهر المتفتحين والقادرين على التواصل بلغات أجنبية يبررون بها الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها.
لكننا مع ذلك لا نريد أن نجعل المشكل منحصرا في طرائق التواصل والاسترفاد من اللغات الأخرى بل نحن على يقين أن المشكل أكبر من هذا. ومن السذاجة أن تقول إن العربية في بلدانها الأصلية تعاني من قلة الاستخدام ومزاحمة اللغات الأخرى في التواصل اليومي والإداري والتعليمي.
بل إننا مؤمنون أن المشكل اللغوي اليوم يرتبط بجملة من التحديات المتصلة بالصناعة والعلوم والتجارة والتعليم والإنتاج والتسويق والجودة وغيرها من القطاعات الحيوية المرتبطة بالغرب والمنافسة العالمية، حيث تكتسب اللغة قوتها من قوة الأمم التي تتكلَّمُها. وهذه المعادلة تقتضي أن نضع العربية في ميزان القوة.
وإذا عرفنا أن الأمة العربية تعيش أزمة معرفية وعسكرية وصناعية وتجارية، فهل يسوِّغ لنا هذا أن نتخلى عن المقومات الحضارية التي تميزنا؟ وهل يسوِّغ لنا أيضا أن نبحث عن بديل للعربية التي تشكل العنصر الذي يجمعنا أكثر من غيره؟
ولستم في حاجة إلى تشخيص أزمة العربية، وقد تكلم الكثير من الباحثين عن التحديات التي تواجهها في زماننا هذا كما أنكم لستم هنا للتباكي عن اللغة والهوية، بقدر ما يجمعنا إشكال واحد هو العربية والمجتمع المدني.
وقد ارتأيت أن أعرض عليكم وثيقة تدعو إلى نبذ العربية والتدريس بالدارجة، وهي دليل واضح على أن العربية لا تواجه التهديدات الخارجية فقط، بل تعاني من مشاكل داخلية لا تقل ضراوة وخطورة عن غيرها.
- العربية في المنظومة التعليمية بالمغرب.
عندما نتكلم عن العربية في المنظومة التعليمية بالمغرب يتبادر إلى أذهاننا ما نقدمه للتلاميذ والطلاب في المدارسوالجامعات. وهي في عمومها مواد ترتبط بالنصوص والقواعد. وتتنوع هذه النصوص بين المنظوم والمنثور وهي في عمومها نصوص مختارة يشترط فيها أصحاب المختارات ما يصلح للمقررات الدراسية ويحقق مطالب الجودة والتنوع والإبداع، ثم تُبنى القواعد النحوية والبلاغية على ذلك، فتقترن تنمية الملكات الإدراكية بالوسائل المُحَصِّنَة للأداء اللغوي، ثم يرتقي المتعلم في مراحل الاكتساب اللغوي معجما وأسلوبا وتركيبا حتى يصل إلى مراحل الامتلاك اللغوي السليم حيث تكون له القدرة على القراءة والفهم والإنتاج.
وأود أن أعرض تجربة “كلية اللغة العربية” في تدريس اللغة باعتبارها الكلية الوحيدة التي تحمل هذا الاسم بالمغرب. وحيث يلقن الطالب علوماً مختلفة منها اللغويات كالنحو والبلاغة واللسانيات وفقه اللغة والأدب شعرا ونثرا قدیمه وحدیثه وعلوم القرآن والحديث النبوي الشريف لكن ما يميز هذه الكلية عن شُعَبِ اللغة العربية بكليات الآداب والعلوم الإنسانية هو تدريس النحو والبلاغة خلال سنوات الإجازة كلها وقراءة اللغة العربية في تجلياتها العليا في القرآن والحديث والشعر والنثر. أي إننا ندرس العربية في القرآن والعربية في الحديث النبوي والعربية في الشعر وغيره. فنزاوج بين التنظير والممارسة. وقد ساهمت هذه الطريقة وتساهم إلى اليوم في الحفاظ على العربية بشكل من الأشكال رغم العوائق التي لا تنقضي والتي أذكر منها:
* ضعف المستوى اللغوي لأغلب الوافدين على الكلية: وهو ضعف مُستشرٍ بين الطلاب يحملونه معهم من المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية.
* هيمنة العامية الدارجة على العربية الفصحى في الفصول الدراسية. وهذا المرض منتشر بنسب مخیفة ومن شأنه أن يخلق مفارقة نفسية في أذهان التلاميذ والطلاب .
* ضعف التعبير الكتابي والذي ينعكس على أسلوب الكتابة وطرائق التفكير.
* غياب عنصر التطوير اللغوي لمواكبة العصر حتى أصبحت العربية في المخيال الجمعي لغة منحطة ومتخلفة لا تساير التطور وتهتم بالماضي وتغيب الحاضر والمستقبل.
* التدريس بالطرق التقليدية وعدم الانفتاح على التقنيات الحديثة.
وكل هذه النقاط تُضعف ثقة المتعلم في نفسه وقد تجعله محبطا عندما يرى متطلبات سوق الشغل، فلا يجد للغة العربية مكانا إلا في بعض المهن الهامشية التي لا تلبي طموح الشباب ولا تجلب أنظارهم، ويستعصى الأمر عندما يُشترط على طالب الشغل في مختلف المجالات الإلمام بلغة أجنبية أو أكثر. ويزداد الأمر صعوبة عندما نصادف بعض القوانين التى بدأ تطبيقها في الجامعات المغربية والتي تطالب الطلاب باستيفاء معدل اللغات الأجنبية للحصول على الإجازة في مقابل إمكانية التكامل بين المواد الأخرى والتى تعد أساسية بقوة القانون ومعنى هذا أن من لم يحصل على المعدل في لغة أجنبية مفروضة عليه بدعوى الانفتاح ستحتجز شهادته في الإجازة إلى حين تحقيق ذلك مهما كانت العلامات المحصل عليها في مواد التخصص، وهو البند الذي يعمل عمداء كليات الآداب على تغييره لأن عواقبه ستكون وخیمة على الجميع.
ويكفي أن أقول لكم إن موارد كلية اللغة العرابية عادة ما تكون من التعليم العتيق والأصيل، وإن طلاب التعليم العتيق لا يقرؤون حسب علمي أي لغة أجنبية في مسارهم الدراسي، حتى إذا حلوا بالكلية وجدوا شرطا لا قبل لهم به.
- تهافت التدريج: الدارجة هي لغة مستقبلنا …[1]
صدرت هذه الوثيقة سنة 2012 من قبل نور الدين عيوش ضمن ندوة “سياسة التنوع: كيف نجسدها في ظل الدستور الجديد” المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية 27 يوليوز 2012.
وقد اخترت إعادة طرحها في هذا الملتقى لعدة أسباب أهمها:
- علاقتها باللغة العربية التي نحن بصددها
- ارتباطها بالمجتمع المدني موضوع ندوتنا .
- عدم الاعتراض عليها من الجهات الرسمية
- تهافت حجتها.
- خطورتها على اللغة العربية.
وسيكون الرد على ما تضمنته هذه الوثيقة ردًا حجاجيا يناقش مضامينها من الداخل ويعرضها على المنطق حتى يكون حكمنا عليها مؤسسا تأسيسا مسنوداً بالحجج والبراهين.
2-1- المقام الخطابي للوثيقة:
لا يمكن فصل هذه الوثيقة عن ثلاثة سياقات:
- الربيع العربي ودستور2011.
- ازمة التعليم بالمغرب
- المدّ الفرنكفوني بالمغرب.
أما الربيع العربي فيمكن اعتباره حدثا تاريخيا تحركت على إثره العديد من الشعوب العربية وسقطت بعض الأنظمة الاستبدادية بفعل ما سمي “بالحراك” الشعبي. وكانت الشرارة الأولى من تونس ولم تقف عند ليبيا ومصر وسوريا حيث انهارت أنظمة وقامت بدلها أخرى.
وبلغ تأثير هذا الحدث التاريخي إلى كل الأقطار التي عرفت تغييرات عديدة بأشكال مختلفة حسب حاجة الشعوب ومطالبها وفهمها لما يجب تغييره.
ولم يكن المغاربة بمعزل عن هذه الحركة التي طالبت من ضمن
ما طلبت به بتغيير الدستور وتحقیق التناوب الفعلي وتجويد الحياة وغيرها من المطالب وأبرزها الطفرة الدستورية التي تحققت سنة 2011 حيث منح دستور المملكة المغربية هامشا كبيرًا من الحرية وتفویض المسؤوليات لحكومة صاحب الجلالة مما حقق تفاعلا مع مطالب الشعب المغربي وضمانا للمسيرة التنموية التي رسمها صاحب الجلالة نصره الله.
وكان من نتائج هذا التطور الدستوري والقانوني بروز حركات أخرى تريد أن تستثمر في القطاعات الحيوية وبخاصة “التعليم”، فبرزت إلى الوجود أسئلة أخرى لم تكن مطروحة وإن كانت مضمرة، رام من خلالها أصحابها مناقشة أزمة التعليم والهوية بوسائط لغوية قادرة على تحقيق التعلم والتواصل والتقدم. فوجدنا من يناصر الفرنسية، من يدعو إلى التخلي عن لغة المستعمر ويدعم العربية، كما وجدنا من يدعو إلى التدريس بالانجليزية بالموازاة مع من يدافع عن التدريج ويدعو إليه باللغة الفرنسية كما تدل على ذلك هذه الوثيقة التي تنظر في مستقبل العربية عند المغاربة بلغة أجنبية.
ب – أزمة التعليم بالغرب:
لا يمكن عزل هذه الوثيقة عن أزمة التعليم بالمغرب ولولا هذه الأزمة ما كنا لنسمع عن التدريج والبحث عن مستقبل للمغاربة فيه.
والواضح أن أزمة التعليم لا يمكن ربطها باللغة العربية. فاللغة أداة للتواصل وهي عنوان الحضارة وقد مكنت من نقل العلوم عبر التاريخ، وكانت مرجعا للحضارات واللغات الأخرى. بل إن أكثر كتب العربية وعلومها كانت من تأليف الأعاجم الذين دخلوا الإسلام وقعَّدوا القواعد ويسَّروا السبل إلى فهم هذه اللغة ونشرها فكانت بذلك لغة دین وحضارة وعلوم تخرج بها المؤرخون والأطباء واللغويون والجغرافيون عبر التاريخ.
لكن المغالطة الكبرى في زماننا هذا هي ربط الأزمة باللغة العربية، حتى إن الآباء لا يهتمون بشيء أكثر من اهتمامهم باكتساب أبنائهم لغة أجنبية أخرى. وقد سرى فينا هذا الوهم وقدمنا رقاب أبنائنا لتجار التعليم والمسترزقين من الأزمات، فشاع بين الناس أن الأزمة في التعليم الحكومي حيث البطالة والعقم والكساد، في طمس تام لمنجزات هذا الوطن لفائدة أبنائه. ولعل نظرة واحدة في سجل العلماء والحكام والأطباء والمهندسين لدليل قاطع على تهافت هذه الدعوى.
إن الأزمة التي يعانيها العالم العربي متعددة الجوانب والأسباب وهي بنيوية قد تكون اللغة جزءاً منها لكن بالقطع ليست السبب الوحيد. وإن كانت جزءاً منها فإن المسؤولية لاتقع عليها بل على عاتق من يتكلمونها وينتجون بها المعارف والعلوم ويستخدمونها في الترجمة والانفتاح.
ج- المد الفرنكفوني:
لا ننكر أن اللغة الفرنسية كانت سنداً لكثير من المغاربة في تكوينهم. سواء في الثانويات أو الجامعات داخل وخارج الوطن. لكننا لا ننكر أيضا أنا فئة من هؤلاء أرادوا فرض اللغة الفرنسية في الإدارة والاقتصاد والتواصل. حتى غدت العربية وهي الأصل هامشية أمام الفرنسية وهي الفرع.
وعند ما تقلب الموازين فيصبح الأصل فرعا والفرع أصلا ويستشرى ذلك في كل دواليب الدولة، فإننا سنجد حتما من يدعو إلى نبذ الأصل وترسيخ الفرع. ويقدم لنا لغة أخرى لا يشير إليها الدستور المغربي بديلا عن اللغة أو اللغات الدستورية الرسمية.
وهذا ما يبرر هجوم الفرنكفونيين على العربية وبسط سيطرتهم في المعاهد والكليات والجامعات والوزارات والإدارات. فلا نكاد نجد للمراسلات والمحاضرات باللغة العربية مكانا في البرامج وأشكال التواصل الإداري وإن حدث ذلك فبخجل. مع أن الفصل الخامس من الباب الأول الموسوم:بــ أحكام عامة من الدستور المغربي يقول: تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها.
تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة باعتبارها رصيداً مشتركا لجمع المغاربة بدون استثناء”[2].
وهذا الفصل يضع حدًّا لكل تأويل خاطئ للانفتاح. كما أن العربية هنا هي اللغة العربية الفصحى وليست اللهجات القبلية المسماة دارجة والتي يتواصل بها الناس في مختلف المناطق بطرق مختلفة.
2-2- أشكال المغالطة في الدعوة إلى التدريج:
كُتبت وثيقة نور الدين عيوش بلسان فرنسي مبين. ومارس فيها أشكالا ظاهرة وأخرى باطنة من المغالطة. نحاول تقريبها من منظور حجاجي يرسم الحدود بين المنطق والتهافت ويَقرأ الوثيقة من داخلها بدون تحيز.
- المصادرة على المطلوب: والمقصود بهذه المغالطة التسليم بالمسألة المطلوب البرهنة عليها من أجل البرهنة عليها، وذلك بأن تفترض صحة القضية التي تريد البرهنة عليها وتضعها بشكل صريح أو ضمني فى إحدى مقدمات الاستدلال[3]. ولنأخذ هذه العبارات من الوثيقة[4]
– الدارجة لغة مستقبلنا
– الدارجة يتحدث بها 95 ./. من المغاربة.
– الدارجة لغة المستقبل.
وأول ملاحظة حول هذه العبارات أن صاحبها اعتمد الحجاج الدائري (ق إذن ق). وهذه الدعوى تفترض ما يجب إثباته، وهو نوع من أنواع المغالطــة إذ لا يمكن فصل الحجـاج الدائري عن السيــاق الذي يرد فيـه. ولا تكون “المصادرة على المطلوب مغالطة إلا إذا فشلت في تحقيق وظيفة مهمة من وظائف الحجة وهي الوظيفة البرهانية”[5].
والقصد من الوظيفة البرهانية هنا إزالة اللبس والشك من القول، وللوصول إلى هذه النتيجة لا ينبغي ألا يعيد العارض جزءاً من الدعوى لإثباتها. بحيث يجب أن تستقل الدعوى عن الدليل. “فمن شأن الحجة السديدة لإثبات دعوى معينة أن تقدم دلیلا مستقلا لتبرير الاعتقاد بهذه الدعوى”[6]
وبرجوعنا إلى العبارات السالفة نجد حديثا عن الدارجة في سياق إثبات دعوى كونها لغة مستقبلنا، وأن الأغلبية الساحقة من المغاربة 95°/° يتكلمون بها وأنها لغة المستقبل. وكل هذه المعطيات تحتاج إلى دليل يثبتها ولیست في حاجة إلى جعلها مقدمة ونتيجة في الآن نفسه. لأن صاحب هذا القول يصادر على المطلوب ويغالط بأمور لا يملك عليها دليلا. وإلا فما هي مستندات وبراهين المحاجج التي يمكنها أن تقوم دلیلا على أن الدارجة هي لغة مستقبلنا. ومن سمح له أن يتكلم باسم المغاربة كلهم؟ ولماذا كتب بالفرنسية لإقناعنا أن الدارجة هي لغة المستقبل؟
كل هذه الأسئلة مشروعة لأننا نمتلك الحق في الاعتراض على ما يدعو إليه، خاصة وأن الحديث عن الدارجة باعتبارها لغة المستقبل يضم شيئا آخر هو أن الفصحى عفا عنها الزمن ولا تصلح لبناء المستقبل. والدليل على هذا ما وجدناه في نهاية الوثيقة من كلام عن الفصحى جاء فيه: ” لیست الفصحى لغة جامدة كما يشاع، إذ تظهر الدراسات العلمية لتاريخها أنها مرت بتحولات وتغيرات مبكرة”[7]. وهذا الكلام مضلل من وجهين.
– أولهما: القول بجمود الفصحى: وإن غلفه بعبارة “كما يشاع” كي يبعد التهمة من نفسه ولا نرى هذه الكلمة الاعتراضية إلا تهربا ضریبيا يتفادى به صاحبه تحمل مسؤولیة ما يقول أمام المجتمع الذي يتكلم العربية ويعتز بها.
– وثانيهما: القول بالتغيرات التي لحقت بالفصحى وهو يتحاشى هنا أن يقول التطور، كي يجد في مقابل ذلك مكانا لقوله بالتدريج بدعوى سريان التغير في اللغة وبالتالي لا يجب أن نعترض على كلامه لانه نوع من أنواع الدفاع عن التغير وهو شيء مألوف.
وفي السياق نفسه نجد كلاما عن “اللغة الأم والتنوع اللغوي”[8] جاء فيه: “استناداً إلى أبحاث علمية وتجارب متعددة نفسية، تربوية، تاريخية، اجتماعية وجيوسیاسیه توصل المشاركون في الندوة إلى مجموعة من الاستنتاجات المهمة منها:
– أهمية اللغات الأم.
– ضرورة إدماج اللغات الأم في المناهج الدراسية منذ مرحلة ما قبل المدرسة.
– اللغات الأم ليست عاجزة عن التعبير عن الفكر والمعرفة”[9]
ولا يخفى عمن له درایة بسیطة بأساليب المغالطة ما يحمله هذا النص من أشكال تتجاوز المصادرة على المطلوب وقد جعل الدعوى هي النتيجة. وقد قلنا قبل قليل أن ما نحتاجه هو إثبات هذه الدعوى وليس تكرار التصريح بها في النتائج بعد أن كانت هي نفسها مقدمات وبتعبير آخر: ما الذي يجعل اللغات الأم (والحديث هنا عن الدارجة) أكثر أهمية في التعليم من اللغات الرسمية (أي الفصحى في هذا السياق)؟ وهل القول بأهمية اللغات الأم، ونحن لا نختلف معك في هذه الفكرة يستوجب بالضرورة إدماجها في المناهج الدراسية؟ ثم من قال إن اللغات الأم عاجزة عن الفكر والمعرفة؟
إن هذا الأسلوب من الاستدلال المغالط يقوم على دعوى ليس فيها تنازع فكري بين الأطراف ويدرجها في السياق الجدلي فيبعد بها الأذهان الغافلة عن جوهر الموضوع ويستدل على شيء غير مطلوب الاستدلال عليه.
إن جوهر الموضوع هو القضاء على الفصحى وإحلال الدارجة مكانها. وإن الحكم على الفصحى بالجمود لا يقرره غير المتخصصين، ثم إن ما سماه الباحث بالسَّبق الذي تحقق عند أمم أخرى اعتمدت لغتها الأم لا يقوم دلیلا على ضرورة وأد العربية لعدة أسباب منها:
- أن الدول الاوربية المذكورة كانت تتكلم اليونانية القديمة، فقامت بإحياء لغاتها، ولستم في حاجة إلى تذكيركم بما قام به ريشيلو بفرنسا عندما أسس للغة الفرنسية وأنشأ أكاديمية خاصة بذلك.
أن العربية الفصحى لا تشكو من هيمنة لغة أخرى بل تستمد قوتها من داخلها وهي قادرة على التطور.
– أن الحديث عن التعدد اللغوي باعتباره خيارًا لا مفر منه، لايقوم دليلا على وجوب اجتثاث العربية من جذورها بالمغرب، لأن التعدد بكل بساطة هو تعلم لغة أخرى وإضافتها إلى رصيدك اللغوي وليس إحلال لغة مكان أخرى.
ب – مغالطة المنشأ:
إن ما يراه الفرد صوابا مباين لما يجعل هذه الرؤية حقا، لأن مبررات الاعتقاد مغايرة لمصادر الاستدلال. وكل اعتقاد لا يدعمه دليل برهاني فهو لا يعدو أن يكون رأيا يحتمل الصواب كما يحتمل الخطأ. لكن الدفع بالرأي الشخصي إلى رتبة الاستدلال البرهاني هو جزء من مغالطة المنشأ. وصاحب هذه المغالطة يختار خيارا أقل كلفة من البحث عن الدليل ويهمل مصدر الاحتجاج، “وتجد هذه الآلية الفكرية مرتعا خصيبا في عالم الأفكار الرائجة والصيحات الفكرية السائدة”[10].
وقد استغل نور الدين عيوش هذه الخاصية المغالطية فصاح فينا “هكذا قال الخبراء” فقال: “دعونا إلى الندوة لغويين وعلماء اجتماع ومؤرخين ومتخصصين في اللغات الإفريقية والأسيوية والإغريقية والعبرية والتركية، وأطباء نفسانيين، إلى جانب رجال أعمال ومتخصصين في الإعلام”[11].
إن صيحة الإصلاح اللغوي التي اجتاحت العالم وأصبحت موضة يتكلم عنها الكل لا تمتلك في دواخلها ما يسندها ويجعلها متماسكة وصامدة أمام الدحض، واهتمام كل هؤلاء الخبراء “المجهولين” لقراء الوثيقة، بحيث لم يذكر منهم أي واحد بالاسم -لا يقوم دليلا على ضرورة إحلال الدارجة مكان الفصحى.
ونجد أنفسنا أمام فقاعة من الأسامي التي تحمل حسب سياق ورودها همّ الإصلاح اللغوي، و منهم من لا يرتبط مع اللغة بأي سبب سوى التضليل والدفع بالمخاطبين إلى الانخراط في هذه الجهود الوهمية والسير مع القطيع. وعموما إن منشأ الدعوى في هذا السياق وهو: الاهتمام باللغات الأم، مباين للدعوى التي يدافع عنها صاحب الوثيقة وهي التدريس بالعامية الدارجة بدل الفصحى. وكل من ذكروا بالصفة في النص السابق يلفهم الغموض والتعميم فهم لغویون ومؤرخون ومتخصصون في اللغات الإفريقية والآسيوية وهلم إفكا. لكن هذا السيل لا علاقة له باللغة العربية الفصحى ولا الدارجة. ولنفترض أنهم يدرسون اللغات الأخرى وخلفياتهم المعرفية ومنشأهم الفكري هو اللغة في عمومها، فلماذا يجب أن نتبنى رأيهم في اقتلاع الفصحى وهي لغة يجب الحفاظ عليها؟ ولماذا لا ننظر إلى الفصحى والدارجة باعتبارها ثراء لغويا لكل واحد منهما مجاله الخاص حيث تنهض الفصحى بأدوار التواصل والمعرفة والكتابة الرسمية، وتقوم الدارجة بأدوار التواصل بين أفراد المجتمع في جو من التكامل والتآزر؟
ج- مغالطة التعميم المتسرع:
وتقوم على استخلاص نتيجة كلية من عيّنة جزئية. ويظهر لنا هذا في هذه الوثيقة التي يلجأ صاحبها إلى التحيز في أخذ العينات الموافقة لهواه “وكذلك يُبَطِّن التعميم المتسرع كثيرا من الأوصاف النمطية عن الشعوب المختلفة”[12].
ونأخذ بعض الأمثلة من هذه الوثيقة:
- يرتكز المقال على آراء العديد من الخبراء في مجالات اكتساب المعرفة وعلم النفس.
- يتفق اللغويون والباحثون والتربويون والأطباء على أن الطفل الذي يتعلم بلغته الأم يحقق نتائج أفضل.
- يتشابه وضع اليونانية مع حالة العربية.
يكمن التعميم المتسرع هنا في إسقاط آراء معزولة في المكان والزمان ومعممة في الاستدلال على اللغة العربية ويمكننا استخراج المضمر من هذه الأقوال كالآتي:
- إذا كانت أقوال الخبراء تقول بضرورة الإصلاح وهم على صواب.
- وعيوش يقول بنفس الرأي.
- فإن عيوش على صواب.
والثاني:
- كل الخبراء يقولون باهمية تعليم الأطفال بلغاتهم الأم.
- عيوش يقول بأهمية تعليم الأطفال بلغاتهم الأم
- كلام عيوش صائب ومسنود برأي الخبراء.
والثالث:
- الكل يقر بنجاح الإصلاح اللغوي في اليونان
- تتشابه التجربة اليونانية مع العربية.
- يجب مباشرة الإصلاح اللغوي في العربية
وليس يخفى ما تحمله هذه الأفكار من تهافت مبني على المغالطة من منظور من يرى أن يُعمِّم ما صلح لأقوام ولغات أخرى على العربية، ويرى الإصلاح في مسألة واحدة هي “التدريج” لكنه لا يقدم لنا كيف أصلحت هذه الأمم لغاتها؟ وهل تخلصت من اللغات الرسمية؟ وكيف تم هذا الإصلاح؟ ومن قام به؟ أسئلة يغض عنها البصر وهي أولى بالإجابة من الدعوة إلى التدريج.
د- مغالطة الرنجة الحمرء:
هي سمكة شديدة الرائحة يجلبها معهم المجرمون لتضليل كلاب الحراسة أثناء الفرار، فيتبع الكلاب رائحة السمكة ويتخذ المجرمون مسار مغايرا[13]، ومن “دأب محترفي هذه المغالطة استهلاك الخصم في ترهات خارجة عن الجادة”[14] بالاستناد إلى أمور براقة بعيدة عن الموضوع أو الدعوى.
ومما ينطبق عليه هذا الوصف ما وسمه المدعي بالوضع القانوني للغات الأم عبر العالم[15].
- دول تعتمد اللغات الأم كلغة رسمية:
* ونحن لا نختلف معها إلا أننا نعتمد الفصحى لغة رسمية.
– دول تتبنى لغة رسمية للدولة مع الاعتراف بلغات وطنية أخرى:
* ونحن كذلك لنا لغة رسمية ولغات محلية معترف بها.
– التعدد اللغوي لا مفر منه:
وكل هذه المغالطات أفكار صحيحة لا نختلف معها، ويُميزها أنها براقة وجديرة بالاهتمام لكن المشكل هو توظيفها توظيفا مغالطيا بحيث إننا نتفق مع مضمونها ونختلف مع صاحبها في اتخاذها حجة للتدريج والقضاء على الفصحى. فهي إذن لا تجيب عن الإشكال، بل مناورة للتضليل.
والإشكال هو: لماذا تسعى إلى إحلال الدارجة محل الفصحى؟ واين يتجلى تقصير الفصحى في التعليم؟ وما هي الإضافات الجوهرية التي يحملها التدريج وتعجزعنه الفصحى؟
ونجد جوابا لذلك في الوثيقة إذ يقول: “ومع ذلك رغم تطورات العربية المكتوبة. لا بد من تبسيطها لتتماشى مع متطلبات العصر الحدیث من خلال:
. تخفيف تعقيد البنى النحوية (النحو والصرف).
. توحيد المفردات بين الفصحى والعامية.
. إدخال مصطلحات أجنبية عند الحاجة.
. تطوير مصطلحات تستجيب للمعارف الجديدة.
. وضع معاجم حديثة”[16].
إن هذا الجواب يفصح عن أمور ويضمر أخرى:
يفصح عن كون الهدف من الدعوة إلى التدريج وتضخيم أزمة العربية الفصحى هو تشويه اللغة وإعادة تركيبها من مكونات لا تمت إليها بصلة وبخاصة إدماج الكلمات العامية وإدخال المصطلحات الأجنبية. ثم إن الحديث عن المصطلحات الأجنبية في لغة نقية ومتجددة ومتطورة وتتجاوز كل اللغات في عدد الكلمات والمصطلحات هو عنوان الاستيلاب الحقيقي الكامن خلف هذه الدعوة التخريبية، خاصة وأن الدعوة لم تشر إلى كيفية استخدام المصطلحات الأجنبية هل بالتعريب أم بالتغريب؟
ثم إننا نجد تناقضا صارخا بين الدعوة إلى وأد الفصحى والدعوة إلى تطوير مصطلحاتها ووضع معاجم لذلك. ولسنا نتفق مع هذه الصيغة التي يغلفها صاحبها بالتطوير في الوقت نفسه الذي يدعو إلى التبسيط والتمييع ويلجأ إلى التهديد والتنقيص ممن يدافع عن لغته الأصلية وقد جمع بين مغالطة التعميم المتسرع ومغالطة التهديد في قوله: “في جميع أنحاء العالم، تواجه اللغات ردود فعل متحفظة عند محاولات تطويرها بحجة الحفاظ على النقاء اللغوي” والعربية ليست استثناء غالبا ما يتم استغلالها من قبل الخطاب المحافظ الذي يزعم الدفاع عنها باسم الدين والتقاليد والهوية لكنه في الواقع يعوق قدرتها على مواكبة الحداثة”[17].
إن قوله “في جميع أنحاء العالم” مغالطة تعميمية يراد بها التضليل والدفع بالناس إلى اتباعه في هواه بدعوى أن العالم بأسره يغير اللغات وعلينا أن نساير العالم.
وإن وصف المدافعين عن العربية الفصحى بالمحافظين الذين تحركهم النوازع الدينية والتقاليد ولا يستطیعون مواكبة الحداثة، فيه تنقیص من هذا الفريق ورمي له بالرجعية والارتكاس. ومعلوم أن هذه الصفات عندما تطلق يراد منها قمع الآخر وحشره في الزاوية، لكن الأمر الواضح عند أهل النظر أن صاحبنا ترك موضوع الدعوى جانبا وتوجه إلى الهوامش، إذ لم يقدم لنا أسبابًا علمية تدعم توجهه في القضاء على الفصحى وإحلال العامية مكانها في التدريس، فراح يتهجم عن المتمسكين بلغتهم، وهذا الهجوم لا يقوم دليلا على صحة الاعتقاد.
هـ – مغالطة الاحتكام إلى النتائج: ومنهم یدرج معها مغالطة تسميم البئر[18].
ونستعرض في هذا السياق تجربة مؤسسة زاكورة للتعليم والتي قدمها باعتبارها دليلا على صحة دعواه في التدريس بالعامية.
جاء في الوثيقة: “وفي هذا السياق تستحق التجربة التربوية التي قادتها مؤسسة زاكورة للتعليم أن تذكر. إذ تعتمد طريقتها على استخدام الدارجة المغربية كنقطة انطلاق لتوجيه المتعلمين تدريجيا نحو العربية الفصحى. سواء في تعليم الأطفال في المدارس غير النظامية أو في محو الأمية للكبار (…)قامت مدارس مؤسسة زاكورة بتسجيل 36000 تلمیذا، وبلغت نسبة النجاح في امتحان الالتحاق بالإعدادية 90./. بل وصلت 100./. في بعض السنوات كما حدث في عام 2012 “[19] .
واكتفى بهذا القدر من المنجزات التي تثير عدة أسئلة أهمها من خول لهذه الجمعية أن تدرس بمناهج تربوية غير مرخصة من وزارة التربية الوطنية؟
إن هذه الأرقام مخيفه وتشكل خطرا على تكوين التلاميذ، وعندما نعلم أن 36000 تلميذا درسوا بالعامية في السنوات الأولى قبل الإعدادي وأن نسبة النجاح بلغت 100./. فإنه يجب علينا دق ناقوس الخطر كي لا يُخرب مزيدا من العقول البريئة لأن البئر قد تم تسميمه فعلا ومن يشرب ماءه سليقى حتفه.
خاتمــة:
هذه محاولة لإبراز خطورة بعض الاعتقادات التي لا تكتفي بالتخريب الذي نعيشه، وكشف للأساليب المغالطية التي يقوم عليها التنظير لأمور لا تستقيم في العقل والوجدان.
وعندما تحارب اللغة العربية من الأغيار يمكن تقبل هذه الحرب والتعامل معها بالجدية اللازمة، لكن الخطورة أن ينبثق من بيننا من ينتمي لهذه الأمة ويريد هدم لغتها وإلصاق تهم التخلف والرجعية بلغة لا ذنب لها سوى أنها لغة دين وحضارة تتقوى بقوة أهلها ويضعف استعمالها بضعفهم، فوجب النبيه.
المصادر والمراجع:
- المغالطات المنطقية، طبيعتنا الثانية وخبزنا اليومي، عادل مصطفى، طI، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2007، ص 58.
- La DARIJA, LANGUE D’Avenir ?
Par NOUREDDINE AYYOUCH
Séminaire “Politique de la diversité : quelle, opérationnalisation sous la nouvelle constitution? ” IRES,27Juillet 2012.
- دستور المملكة المغربية، 2011.
الملحق
الدارجة هي لغة مستقبلنا…
أصدقائي وصديقاتي،
يُعد هذا المقال بالغ الأهمية، حيث يؤكد بوضوح أن السبيل لوضع المغرب على طريق التقدم يكمن في اكتساب المعرفة من خلال التعليم، على أن يكون الناقل الأساسي لهذه المعرفة هو اللغة الأم، والتي تتمثل في العربية المغربية، المعروفة بالدارجة.
يرتكز المقال على آراء العديد من الخبراء في مجالات اكتساب المعرفة وعلم النفس، كما يتطرق إلى التجربة الناجحة لمؤسسة زاكورة في مجال التعليم. مثل هذه المقالات والآراء ينبغي أن تدفع إلى التفكير العميق، خاصة لمن يعارضون إدماج الدارجة دون تقديم حجج علمية مقنعة، مكتفين بادعاءات من قبيل: “الدارجة ليست لغة”.
أضع بين أيديكم هذا المقال، اقرأوه وتأملوا في مضمونه، وكونوا رأيكم الخاص حول المسألة، لا سيما إذا كنتم غير مقتنعين بجدوى هذا الطرح، فقد يساعدكم على إعادة النظر في موقفكم.
الدارجة، لغة المستقبل؟
بقلم: نور الدين عيوش
ندوة “سياسة التنوع: كيف نجسدها في ظل الدستور الجديد؟“ المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية – 27 يوليو 2012
“إذا خاطبت شخصًا بلغة يفهمها، فإنك تخاطب عقله. أما إذا خاطبته بلغته الأم، فإنك تخاطب قلبه.”نيلسون مانديلا
يتفق اللغويون والباحثون والتربويون والأطباء على أن الطفل الذي يتعلم بلغته الأم يحقق نتائج أفضل في دراسته ويطور قدرة أكبر على تعلم لغات أخرى.
ورغم أن الدارجة يتحدث بها أكثر من 95% من المغاربة، إلا أنها ظلت مستبعدة من المنظومة التعليمية والإدارية. فالسياسات الحكومية المتعاقبة حددت لها دورًا هامشيًا، باعتبارها غير قادرة على نقل المعرفة والعلوم.
لفهم هذه المسألة بشكل أعمق، نظمنا في يونيو 2010 ندوة دولية تحت عنوان “اللغة، اللغات“. وقد ضمّت لجنة التنظيم خمسة أعضاء: عبد الرحيم اليوسفي، إدريس موساوي، روث غروسريشار، عمر برادة، وأنا شخصيًا.
دعونا إلى الندوة لغويين، وعلماء اجتماع، ومؤرخين متخصصين في اللغات الإفريقية والآسيوية، والإغريقية، والعبرية، والتركية، بالإضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني المغربي، بمن فيهم أساتذة وصحفيون وكُتّاب وفنانون وأطباء نفسيون، إلى جانب رجال أعمال ومتخصصين في الإعلام.
وقد ارتكز عرضي على أهم خلاصات هذه الندوة، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
اللغة الأم والتنوع اللغوي
استنادًا إلى أبحاث علمية وتجارب متعددة (نفسية، تربوية، تاريخية، اجتماعية، وجيوسياسية)، توصل المشاركون في الندوة إلى مجموعة من الاستنتاجات المهمة:
- أهمية اللغات الأم في بناء شخصية الفرد وتطويره، وبالتالي تحقيق تماسك المجتمع، وتمكينه من توفير تكافؤ الفرص للجميع، وتعزيز الإبداع والتقدم، والانخراط في الحداثة والديمقراطية.
- ضرورة إدماج اللغات الأم في المناهج الدراسية منذ مرحلة ما قبل المدرسة، إذ إنها تمثل الجسر الأول لاكتساب المعارف الأساسية وتطوير القدرات الإبداعية، كما أنها تعزز هوية التلاميذ وتوفر لهم الإحساس بالأمان في مواجهة التعلم الجديد.
- اللغات الأم ليست عاجزة عن التعبير عن الفكر والمعرفة العلمية، حتى وإن كانت ذات تقاليد شفوية في الأصل. فبالنسبة للغويين، لا توجد لغة غير قادرة على التعبير عن جميع المفاهيم، إذ يمكن لأي لغة أن تتطور، وتبتكر المصطلحات، وتنقل الأفكار، وتتكيف مع العالم الحديث.
الوضع القانوني للغات الأم عبر العالم
يختلف الاعتراف القانوني باللغات الأم من بلد لآخر، ويمكن تصنيف السياسات اللغوية ضمن نموذجين رئيسيين:
- دول تعتمد اللغة الأم كلغة رسمية وحيدة أو ضمن لغات أخرى في الدستور
- فرنسا: الفرنسية
- كندا: الإنجليزية والفرنسية
- سويسرا: الألمانية، الفرنسية، الإيطالية، والرومانشية
- إسبانيا: الإسبانية إلى جانب لغات رسمية إقليمية مثل الباسكية، الكاتالونية، والجاليكية
- دول تتبنى لغة رسمية للدولة مع الاعتراف بلغات وطنية أخرى
- السنغال: الفرنسية كلغة رسمية، إلى جانب ست لغات وطنية
- مالي: الفرنسية كلغة رسمية، مع 12 لغة وطنية
- الهند: الهندية والإنجليزية كلغتين رسميتين، مع 22 لغة وطنية أخرى تحظى بوضع رسمي في المناطق التي تُستخدم فيها
في ظل الحركات الديمقراطية المنتشرة عالميًا، برزت مطالب متزايدة بالاعتراف باللغات الأم كلغات وطنية، خاصة في الدول التي لم تدمجها ضمن اللغات الرسمية. ويترافق هذا الاعتراف عادة مع سياسات لتعزيز استخدامها وتطويرها.
التعدد اللغوي: خيار لا مفر منه
في عالمنا اليوم، لم يعد بالإمكان الاكتفاء بحلول مبسطة مثل الأحادية اللغوية أو حتى الثنائية اللغوية. فالتوجهات الحديثة في السياسات التعليمية واللغوية تأخذ بعين الاعتبار التنوع اللغوي على مستويين:
- التنوع الداخلي داخل المجتمع الواحد، حيث تتعايش عدة لغات محلية ووطنية.
- التنوع الذي تفرضه العولمة، مما يستدعي استراتيجيات لغوية مرنة تتماشى مع متطلبات العصر.
من هذا المنطلق، فإن الاعتراف بالدارجة كلغة قائمة بذاتها، وتعزيز استخدامها في التعليم والإدارة، قد يكون خطوة حاسمة نحو مستقبل أكثر انفتاحًا وتقدمًا.
الإصلاح اللغوي والحداثة: تجارب أجنبية
شهدت عملية إصلاح لغات مثل اليونانية، العبرية، الماليزية، والتركية تأثيرًا مزدوجًا بين الإرادة السياسية وعمل النخب المؤيدة للتغيير. وقد تم إضفاء الطابع المؤسسي على نتائج هذا التطور من خلال سياسة وطنية للغة وضعتها الدول نفسها.
لطالما واجهت هذه الإصلاحات معارضة بين حراس النظام اللغوي القائم وأنصار تطور اللغة. ونتيجة لذلك، أثارت مقاومة ونوبات من المحافظة، كما هو الحال في اللغة اليونانية، حيث يشير السجل اللغوي “العالي” (كاثارفوسا) إلى الماضي المجيد للعصور القديمة اليونانية، بينما يمثل السجل “المنخفض” (ديموتيكي) تطورًا للغة اليونانية الكلاسيكية، حيث يعكس اللغة الشعبية الحية.
يتشابه وضع اليونانية مع حالة العربية فيما يتعلق بازدواجية اللغة. ففي اليونان، تم تنفيذ الإصلاح – رغم الصعوبات والمقاومات القوية بسبب الأوضاع السياسية، خصوصًا في الستينيات والسبعينيات – من خلال إنشاء لغة وطنية موحدة، وهي اليونانية الديموتيكية (لغة الشعب)، التي تم تقنينها واعتمادها رسميًا كلغة للإدارة العامة، والتشريع، والتعليم. كما يمكن الإشارة إلى تجربتين تاريخيتين ناجحتين: تجربة دانتي في إيطاليا في القرن الرابع عشر، وتجربة كتاب جماعة “بلياد” في فرنسا خلال القرن السادس عشر، حيث نجح الأول في تشكيل الإيطالية، والأخيرون في تشكيل الفرنسية من اللغات الشعبية المتداولة، متجاوزين هيمنة اللاتينية وسلطة رجال الدين الناطقين بها.
كانت هذه التجارب في الإصلاح اللغوي، رغم اختلافها حسب البلدان، عاملًا أساسيًا في نشر التعليم ومحو الأمية على نطاق واسع. وقد أدت إلى تقليص الأمية بشكل ملحوظ وساهمت في دمقرطة الوصول إلى المعرفة والمعلومات. كما رافقها تطوير هندسة لغوية وتربوية حقيقية، مثل إنشاء أكاديميات لغوية، ووضع معاجم موضوعية تتماشى مع الحداثة، وصياغة قواعد لغوية ومواد تعليمية ملائمة. ولم تقتصر هذه الجهود على المجال التعليمي، بل امتدت إلى الصحافة، والإذاعة، والتلفزيون، وكذلك التعبيرات الفنية والأدبية مثل المسرح والسينما.
فيما يتعلق باللغة العربية
من الناحية التاريخية
ليست الفصحى لغة جامدة أو ثابتة كما يُشاع، إذ تُظهر الدراسات العلمية لتاريخها أنها مرت بتحولات وتغيرات مبكرة، كحال جميع لغات العالم.
من حيث الكتابة، عرفت الفصحى أربعة أنظمة كتابية متعاقبة (الخط العربي الجنوبي، الآرامي-النبطي، العربي الأولي، ثم العربي بصيغته النهائية)، حيث فرض الخليفة عبد الملك بن مروان الشكل الذي نعرفه اليوم.
أما من حيث نظامها اللغوي الداخلي، فقد شهدت الفصحى تغييرات كبيرة، خاصة عندما انتقلت المجتمعات العربية من التقليد الشفهي الجاهلي إلى الكتابة مع نزول القرآن وظهور الإسلام. فكما هو الحال في جميع اللغات، لا تُكتب اللغة كما تُنطق، وتتطور الكتابة لتشمل بنيات نحوية خاصة بها.
شهدت الفصحى بين القرنين التاسع والثاني عشر تطورات بارزة، حيث كانت آنذاك لغة العلوم العالمية، بفضل حركة الترجمة والتفسير الواسعة للإرث العلمي والفلسفي اليوناني، خصوصًا في عهد العباسيين. وكانت هذه العربية مختلفة تمامًا عن لغة الجاهلية وحتى عن لغة صدر الإسلام.
في العصر الحديث
شهدت اللغة المكتوبة والمنطوقة تغيرات عديدة:
ظهر “العربية الفصحى الحديثة”، التي تمثل تطورًا واضحًا عن “العربية الكلاسيكية”. فلم يعد الكتّاب يكتبون كما كان يفعل أسلافهم القدامى، لأنهم لم يعودوا يفكرون بالطريقة نفسها أو يعيشون في العالم نفسه. كما تأثرت العربية الفصحى الحديثة بلغات أجنبية كالفرنسية والإنجليزية، وأصبحت أكثر انفتاحًا على اللهجات العربية. ويشهد على ذلك إدخال الحوارات باللهجات العامية في الروايات والمسرحيات، فضلًا عن تطورات وسائل الإعلام العربية وانفتاحها على التغيرات الاجتماعية والعالمية.
يُلاحظ هذا المزج بين مختلف مستويات العربية في الكتابة، وكذلك في الكلام. وهناك بالفعل نقاط التقاء بين العربية الفصحى والعربية المحكية، ما دفع اللغويين إلى الحديث عن “استمرارية لغوية”، حيث يتداخل السجلان.
ومع ذلك، رغم تطورات العربية المكتوبة، لا بد من تبسيطها لتتماشى مع متطلبات العصر الحديث، من خلال:
- تخفيف تعقيد البنى النحوية (الصرف والنحو)
- توحيد المفردات بين الفصحى والعامية
- إدخال مصطلحات أجنبية عند الحاجة
- تطوير مصطلحات تستجيب للمعارف الجديدة
- وضع معاجم حديثة مرتبة أبجديًا دون إهمال الترتيب الجذري التقليدي
في جميع أنحاء العالم، تواجه اللغات ردود فعل متحفظة عند محاولات تطويرها بحجة الحفاظ على “النقاء اللغوي”. والعربية ليست استثناءً.
غالبًا ما يتم استغلالها من قبل الخطاب المحافظ، الذي يزعم الدفاع عنها باسم الدين، والتقاليد، والهوية، لكنه في الواقع يعوق قدرتها على مواكبة الحداثة. يعزز هذا الخطاب الفجوة الاجتماعية التقليدية بين “الخاصة“(النخب المثقفة التي تمتلك الفصحى) و**”العامة”** (الشعب الذي يُنظر إليه بازدراء كجاهل).
لذلك، من الضروري التمييز بين اللغة نفسها، الغنية بإمكاناتها الهائلة، وبين الخطابات الأيديولوجية التي تحاول توظيفها لأغراض مختلفة.
اللغة المنطوقة، اللغة المكتوبة: تجارب مغربية
لقد استثمرت اللغة العربية الأم للمغاربة بشكل إبداعي وأصيل في عدة مجالات داخل المجتمع، لا سيما بين الأجيال الشابة. ويجد هذا الإبداع أحد أبرز تعابيره في الثقافة الحضرية الناشئة، مثل الأغنية، المسرح، السينما، التواصل، والإنترنت.
وتساهم هذه الديناميكية بشكل قوي في تأكيد الهوية المغربية المتعددة، كما تشكل إلى حد كبير عنصرًا من عناصر التماسك الوطني. كما أنها تشارك في تحقيق التنمية الديمقراطية والتقدم الاجتماعي الذي يطمح إليه المغرب. إن الحيوية التي تميز اللغة العربية الأم للمغاربة، واستخدامها من قبل غالبية المواطنين، بمختلف فئاتهم الاجتماعية، تفرض نفسها كواقع لا يمكن تجاهله.
التعليم: في الوقت الراهن، لا يدمج التعليم بشكل منهجي اللغة العربية الأم لتمكين المتعلمين من الوصول الفعّال إلى اللغة العربية المكتوبة. وبهذا، يحرم نفسه من مكسب أساسي يمكن أن يوفّر الوقت والجهد في عملية التعلم، كما يكرس انقسامًا غير منتج بدلًا من استغلال نقاط التقاء وتكامل بين هذين المستويين اللغويين.
وفي هذا السياق، تستحق التجربة التربوية التي قادتها مؤسسة زاكورة للتعليم أن تُذكر. إذ تعتمد طريقتها على استخدام الدارجة المغربية كنقطة انطلاق لتوجيه المتعلمين تدريجيًا نحو العربية الفصحى، سواء في تعليم الأطفال في المدارس غير النظامية أو في محو الأمية للكبار. ويمكن قياس فعالية هذه الطريقة، على سبيل المثال، من خلال عدد التلاميذ الذين تمكنوا، بعد ثلاث سنوات فقط من الدراسة في هذه المدارس، من الاندماج في التعليم الثانوي العمومي، مقارنةً بفترة ست سنوات في المدرسة العمومية. حتى عام 2011، قامت مدارس مؤسسة زاكورة بتسجيل 36,000تلميذ، وبلغت نسبة النجاح في امتحان الالتحاق بالإعدادية 90%، بل وصلت إلى 100%في بعض السنوات، كما حدث في عام 2012.
كما قامت المؤسسة بنشر أربعة كتب للحكايات الشعبية بالدارجة المغربية عام 2009، وكتاب عن الأمثال المغربية عام 2010، والذي صدر بثلاث لغات: الدارجة المغربية، والعربية الفصحى، والفرنسية. بالإضافة إلى ذلك، نشرت مؤسسة الفنون الحية، التي أترأسها، أربع مسرحيات للكاتب أحمد الطيب العلج عن موليير بالدارجة المغربية عام 2011، وذلك في إطار مهرجان المسرح والثقافة الدولي المخصص لموليير.
وفي ظل التطورات التي تشهدها اللغة العربية المكتوبة والدارجة المغربية، وتزايد التداخل بينهما، أصبح من الحتمي في المستقبل تكوين لغة عربية حديثة في المغرب، حيث تلتقي العربية المكتوبة المُحدّثة مع العربية المستخدمة يوميًا من قِبَل المغاربة، بدلًا من أن تكونا في صراع.
ولتحقيق ذلك، ينبغي التخلي عن التسلسل الهرمي القائم حاليًا بين المستويين اللغويين المنطوق والمكتوب، والخروج من الطرق التقليدية نحو حلول مبتكرة.
في عالم الأعمال المغربي، نجد أن الدارجة المغربية تتعايش مع الفرنسية شفويًا، ولكن الأمر يختلف على المستوى المكتوب، حيث لا تزال الفرنسية هي اللغة الأساسية في الإنتاج الكتابي، مثل المراسلات الإلكترونية والتقارير والتوثيق. ومع ذلك، أصبح الإنجليزية اليوم، بفضل العولمة وتطور تكنولوجيا المعلومات، لغة لا غنى عنها.
وتفرض هذه التعددية اللغوية، التي أصبحت جزءًا من العولمة، الحاجة الملحّة إلى تعزيز تعلم اللغات الأجنبية في المغرب بشكل متنوع وقوي.
توصيات الندوة
أوصى المشاركون في هذه الندوة بضرورة توحيد لغة عربية حديثة تجمع بين العربية المكتوبة المُحدثة والدارجة المغربية المتداولة، مع الحفاظ على القدرة على التفاهم بين الناطقين بالعربية في مختلف أنحاء العالم.
آليات التنفيذ:
- تقنين الدارجة المغربية بهدف بناء جسور تربطها بالعربية الفصحى، لتشكيل لغة عربية موحدة تجمع بين السجلين اللغويين.
- اختيار الحرف العربي لكتابة الدارجة المغربية، عبر اعتماد نظام كتابة موحد.
- استخدام الدارجة المغربية في التعليم الأولي والابتدائي لاكتساب المعارف الأساسية (كالرياضيات، والتوعية بالعلوم، والجغرافيا، والتاريخ، والتراث الثقافي…)، إلى جانب تطوير المهارات اللغوية (الاستماع، الفهم، القراءة، والكتابة).
- التركيز على أوجه التشابه بين العربية الفصحى والدارجة المغربية في المفردات، وتكوين الكلمات، والقواعد النحوية، لخلق تقارب لغوي بين المستويين.
- إدماج التراث الشفهي في التعليم منذ المراحل الأولى للدراسة.
- إطلاق برامج تجريبية في مدارس نموذجية على مستوى المغرب، قبل تعميم التجربة.
- تحقيق استمرارية لغوية في تدريس المواد العلمية، بحيث يتم تدريسه بالعربية أو باللغات العالمية (الفرنسية والإنجليزية)منذ المرحلة الثانوية وحتى التعليم العالي، بدلاً من الفصل بين المرحلتين كما هو الحال حاليًا.
آليات الدعم: ثلاثة محاور رئيسية
1. الهندسة اللغوية والتربوية:
- إنشاء أكاديمية يكون من مهامها الرئيسية العمل على توحيد لغة عربية حديثة تجمع بين العربية المكتوبة المحدّثة واللغة المحكية اليومية.
- تأسيس معهد متعدد التخصصات يعنى بالدراسات والبحث في التراث اللغوي والثقافي المغربي، بحيث يكون شريكًا أساسيًا في هذه العملية التوحيدية.
هذه المبادرات والتوصيات تهدف إلى تحقيق التوازن بين اللغة العربية الفصحى والدارجة المغربية، مع تعزيز التعليم، وتوحيد اللغة، والانفتاح على العالمية، بما يسهم في التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمغرب.
3- إنشاء أقسام تعليمية وبحثية للغة العربية المغربية في الجامعات لتحفيز البحث اللغوي والتعليمي. 4- تصميم المواد اللغوية والتربوية: إعداد قواميس مواضيع، معاجم، قواعد لغوية؛ وتصميم أدوات تعليمية… في إطار استهداف توحيد لغة عربية حديثة تجمع بين اللغة المكتوبة والمستخدمة في الحديث. التكوين 5- تكوين المفتشين وكل من يتولى تقييم وتدريب المدربين في إطار توحيد لغة عربية تجمع بين العربية المكتوبة الحديثة والعربية الشفوية المستخدمة من قبل المغاربة. 6- ضمان تكوين الأساتذة في تعليم يربط بين العربية المنطوقة والمكتوبة، وتحسيسهم بقيمة اللغة الأم وأهمية تقديرها لدى التلاميذ. النشر 7- تشجيع النشر المدرسي والثقافي بالعربية المغربية. 8- إطلاق حملات محو الأمية للبالغين. حيث سيعتمد هذا التعليم على العربية المغربية لتمهيد الطريق نحو التلاقي مع العربية المكتوبة. 9- تصميم برامج تلفزيونية تعليمية لتعزيز محو الأمية للبالغين التي تم الإشارة إليها أعلاه. 10- جعل اللغة القانونية ولغة الخدمات الإدارية المختلفة التي يواجهها المواطنون في متناولهم بلغاتهم الأم. تصميم وثائق تتعلق بالحياة المدنية، الصحة، النظافة، الحقوق والواجبات؛ وكذلك الصحف. 11- ترجمة الكتب والمقالات المرجعية أو التي تبسط المواضيع المنشورة باللغات الأجنبية إلى العربية المغربية (الإنتاج العلمي – العلوم الدقيقة، العلوم الإنسانية والاجتماعية، الإنتاج الأدبي، إلخ).
[1] – وثيقة تقدم بها نور الدين عيوش صاحب جمعية “زاكورة”،
La DARIJA, LANGUE D’Avenir ?
Séminaire “Politique de la diversité : quelle, opérationnalisation sous
la nouvelle?” IRES,27Juillet 2012.
[2] – دستور المملكة المغربية، 2011 – الباب الأول، الفصل5.
[3] – المغالطات المنطقية، طبيعتنا الثانية وخبزنا اليومي، عادل مصطفى، طi، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2007، ص 58.
[4] – نقصد بالوثيقة: الدارجة لغة مستقبلنا ضمن أعمال ندوة “سياسة التنوع، كيف تجسدها في ظل الدستور الجديد” المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، 27 يوليوز 2012. ينظر الملحق.
[5] – المغالطات المنطقية، ص 34.
[6] – المغالطات المنطقية، ص 40.
[7] – تنظر الوثيقة.
[8] – الوثيقة
[9] – الوثيقة.
[10] – المغالطات المنطقية، ص42.
[11] – نفسه
[12] – المغالطات المنطقية، ص 58.
[13] – المغالطات المنطقية، ص 63.
[14] – نفسه
[15] – نظر الوثيقة في الملحق.
[16] – تنظر الوثيقة في الملحق
[17] – تنظر الوثيقة في الملحق.
[18] – المغالطات المنطقية ص 115.
[19] – تنظر الوثيقة في الملحق .