‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د اياد البرغوثي: في التأصيل للفلسطينية Palestinism

أياً كان الرأي في المردود السياسي ل”طوفان الأقصى” فإن الأمور تبدو اكثر وضوحا اذا ما انتقلنا الى المردود الفكري لهذا الحدث “العظيم”. انه ككل الأحداث الكبيرة والمفصلية في التاريخ -والحديث عن تأثيره الفكري على فلسطين- وَسع زاوية النظر، وعمق المعرفة والمدارك، وارتقى بالوعي، وجعل الأفق اكثر رحابة. لقد وضع فلسطين في فضاء معرفي مختلف، وذهب بها الى مساحات أخرى من الوعي، وحملها الى كل ساعٍ للحرية في العالم، وجعلها رقما أساسيا -إن لم يكن الأساس- في حركة عالمية لم تَعُد “مقتنعة” بالنظام العالمي السائد.

خرجت الصهيونية كفكر مهيمن على النظام العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية. واستطاعت التغلغل، بل فرضت نفسها في واقع الأمر على كل المدارس الفكرية العالمية التي تشكلت في التاريخ الحديث والمعاصر؛ الليبرالية منها والمحافظة، المؤمنة والملحدة، الاشتراكية والرأسمالية. حتى تلك الفلسفات الانسانية التي يُفترض أنها تتناقض جوهريا مع الصهيونية “كنظرية” عنصرية، حَنَت رأسها أمام نفوذها في الواقع العملي، و”جاملتها” اكثر مما تصدت لها.

سنجد ما هو نقيض للصهيونية في مدارس فكرية هنا وهناك، لكن اكثر ما يمكن أن يعتبر أساسا لفكر نقيض لها  يجب أن يستند الى فلسطين القضية، التي تملك شرعية ومعقولية وقابلية للتطوير لتكون أساسا لبناء فكري كوني يشكل رمزا لبناء عالمي مختلف قد يأتي، بل يجب ان يأتي، ذلك “البناء” الفكري الذي تعبر عنه الفلسطينية Palestinism افضل تعبير.

ولمزيد من التوضيح للفلسطينية والتأصيل لها، من المهم الحديث عن الجوانب الفكرية للصهيونية، وعلاقتها بالغرب والامبريالية الغربية، والاستعمار الاستيطاني الإحلالي والشعوب “الاصلانية”، حيث من خلال ذلك يمكن رؤية المكان الذي يليق بالفلسطينية في حركة الفكر العالمي الآتي.

 الصهيونية “المهيمنة”

عادة ما تكون حركة الدول، والتغيرات التي تجري عليها، المؤشر الأبرز للحكم على نتائج الحروب. بالنسبة للحرب العالمية الثانية التي أنتجت النظام العالمي الحالي (رغم ما جرى عليه مؤخرا من تغييرات)،فإن اكثر ما يجري الحديث عنه هو انتصار دول الحلفاء وهزيمة دول المحور، والاصطفافات الدولية التي استجدت، وصعود قوة الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وتراجع الدور الأوروبي، لكن حركة الدول هذه ليست في واقع الأمر اكثر من صورة “الغلاف” التي بدل أن توضح متن الكتاب، تلقي عليه مزيدا من الضبابية.

لمعرفة توازن القوى الحقيقي في النظام العالمي، أو حتى تكتمل تلك المعرفة، لا بد من رصد متغيرين آخرين الى جانب حركة الدول، وهما حركة رأس المال وحركة الفكر. فالذي جرى بعد تلك الحرب ماليا هو انتصار من تمت تسميتهم “اسياد المال” الذين يتشكلون أساسا من من الرأسماليين الصهاينة وحلفائهم. هؤلاء هم الذين امتلكوا الدولار الذي كرست الحرب هيمنته على السوق العالمي، وهم الذين امتلكوا مفاصل الاقتصاد العالمي خاصة في امريكا واوروبا (البنك الفدرالي الأمريكي، وول ستريت، الصناعات العسكرية، تجارة المخدرات والجنس والاسلحة، وكذلك تجارة النفط ).

[كما أن المال الذي جمعه “اسياده” بكل الطرق بما فيها غير المشروعة وغير الإنسانية والفاقدة لأي كوابح وحدود، هو الذي يفسر تنكر هذه الدول التي تعتبر قمة الرأسمالية لأهم قانون لاقتصادها وهو ليبرالية السوق، ويجعلها تذهب من أجل تأكيد هيمنتها، أو بشكل أدق هيمنة ذلك الرأسمال، الى فرض العقوبات على الدول، وإلى التلاعب في الجمارك والضرائب، وإلى مصادرة أموال حكومات وزعماء ليست “راضية” عنها وعنهم. على سبيل المثال هنا فقد اخذت الولايات المتحدة من اموال صدام حسين المصادرة تكاليف قصفها للعراق.

 “اسياد المال” هم من شكلوا ما سمي ب”الدولة العميقة” في الولايات المتحدة وكثير من الدول المؤثرة الأخرى، تلك “الدولة” التي يشكل النظام السياسي واجهتها والناطق بإسمها ليس اكثر. هذا الرأسمال الصهيوني المسيطر في هذه الدول، هو الذي يحدد أساسا موقفها “الخاص” من اسرائيل، وهو المحرك لسياساتها وتوجهاتها الأساسية، ويفسر تسابق زعمائها في المجاهرة بصهيونيتهم والاعتزاز بها.

“اسياد المال”، أو امريكا الصهيونية، هم وراء غزو العراق، وهم من يحددون الموقف من إيران، ومن يقرر شكل دعم اسرائيل، وهم من شطب ديون مصر إثر مشاركتها في حرب الخليج، وهم الذين يلحون على التطبيع الخليجي والسعودي مع إسرائيل. وهم وراء الابادة في غزة ولبنان. انهم مستعدون لفعل أي شيء مقابل الابقاء على هيمنتهم على العالم.

فرضت الصهيونية تأثيرها الفعلي على صانعي القرار في معظم الدول المؤثرة بعد الحرب، إن لم يكن في جميعها، وعلى النظام الدولي ومؤسساته. كان هذا جانب من الصورة، لكن الجانب الآخر الذي لا يقل أهمية، هو “فرض” مفاهيمها وروايتها وقيمها وأحكامها على العالم، فثبّتت اختلاف “اليهودي” عن غيره من البشر، واختلاف “اليهود” عن غيرهم من شعوب الأرض، واستحضرت “حساسية” خاصة لكل ما يتعلق بهم، وجعلت أي موقف لا ينسجم مع روايتها معاداة للسامية، ومعاداة السامية قمة “الكفر” الذي لا يساويه أي “كفر” آخر، كما أنه ينطبق على الأفراد والمؤسسات والدول.

 هذه “الايديولوجيا” الصهيونية، التي تشكلت باعتبارها ايديولوجيا “استعمار استيطاني احلالي” يهدف لإقامة دولة لليهود في فلسطين بعد التخلص من أهلها، وأيديولوجيا هيمنة “أسياد المال” الصهاينة على النظام العالمي، والقائمة أساسا على العنصرية التي تقسم العالم الى “يهود” ثم انجلو ساكسون متفوقين وأغيار متخلفين، افتقرت منذ البداية الى أي منطق، وخلت من أي عامل للاقناع، فلجأت الى “الرشوة” و”الإرهاب”، وهما الأمران اللذان اتقنهما “أسياد المال” بجدارة مشهودة.

 كما أن الصهيونية، ورغم اصرارها “المصطنع” على الاستناد الى “مقولات” دينية إلا أنها في سلوكها مثلت البراغماتية بشكلها المطلق، فتحللت من أي “انضباط” فكري لتحقيق أهدافها، فكان منها الصهيونية الليبرالية، والصهيونية الدينية المحافظة، وكانت الصهيونية الرأسمالية والصهيونية العمالية (الاشتراكية).

 ذلك التعدد “المنهجي” والهدف الواحد، جعل من “الأجدى” لقادتها عدم مواجهة أي فكر، بل ضرورة التغلغل فيه وإدارة دفته لصالحها، وهذا ما كان، حيث استطاعت الصهيونية التواجد والتأثير في كل الايديولوجيات والمدارس الفكرية بما فيها المتناقضة منها.

أما حركة الفكر بعد الحرب العالمية الثانية فهي مثيرة للاهتمام أيضا، فالصهيونية كما سبق واوردنا في مقال سابق خرجت “منتصرة” سواء في الدول الراسمالية أو الاشتراكية، فرسخت وجودها الفعلي في كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وضمنت دعم إنشاء اسرائيل من قبل المعسكرين المتصارعين الرأسمالي والاشتراكي اللذين نشآ في أعقاب الحرب.

 لقد نجحت الصهيونية في الحيلولة دون وجود أية مدرسة فكرية مناهضة لها بشكل فعلي. كان انصارها في كل المدارس، بل “قادة” في تلك المدارس. حتى تلك التي تبنت العدل والحرية وناهضت العنصرية، ويفترض فيها أن تكون ضد الصهيونية من حيث المبدأ أخذت مواقف ملتبسة منها، ربما نموذج جان بول سارتر خير مثال على ذلك، وهو الذي أعتبر “نبي” الحرية في فترة من الفترات، ووقف مع حركات التحرر في الجزائر وغيرها أخذ موقفا ملتبسا من الصهيونية ومن الاحتلال الاسرائيلي، كذلك كان موقف الفيلسوف الألماني هابرماس تجاه ما يجري في غزة. في هذا السياق ينبغي أن نذكر أن بعض المفكرين الذين اتخذوا موقفا مناهضا صريحا من الصهيونية مثل غارودي وادغار موران وعانوا جراء ذلك، كانت مواقفهم شخصية وخارج مدارسهم الفكرية المعروفة.

 الغرب “يعتز” بهيمنة أسياد المال الصهاينة، ويعتبرها هيمنة “حميدة” وليست غريبة كي لا تبدو يجب التحرر منه. إنها في واقع الأمر هيمنة نتجت عن “إسقاط” للغرب الذي وُجد “متلبسا” بلا ساميته في فترة تاريخية، فوجد نفسه مضطرا لتبني الصهيونية، أو الخضوع لهيمنتها ولابتزازها، وارتكاب كل الجرائم في فلسطين وفي العالم، كي يبقى “ممتثلا” لإرادتها.

 هذه الهيمنة الصهيونية على الغرب شكلت ما سمي بوَعيه “الشقي” كما يصفه البعض تجاهها. وعي يربط مصالح الامبريالية الغربية بأسياد المال الصهاينة. وعي “مرَضي” بشكل او بآخر، يُسقط ما جرى ليهود في فترة تاريخية معينة على شكل “لا سامية” تصلح لاستخدامها في أي مكان وأي زمان وعلى أي انسان أو مؤسسة أو دولة. ومع أنه وعي كذلك، فإن أصحابه -الحكومات الغربية- فرحون به ويفتخرون بتبنيه.

الصهيونية ايديولوجيا الاستعمار الاحلالي

ثمة شبه إجماع في الأوساط غير الصهيونية أنها -أي الصهيونية- ايديولوجيا عنصرية، لكن الأمر الذي يحتاج لمزيد من البحث فيه، هو طبيعة تلك العنصرية التي تتسم بها الصهيونية، كونها صاحبة مشروع استعماري استيطاني احلالي، يختلف عن الاستعمار التقليدي الذي يهدف الى السيطرة على موارد الشعوب، والاستفادة من قواها العاملة لتحقيق مزيد من “فائض” الربح.

عادة ما يتم الحديث عن المشروع الصهيوني المتعلق بقيام اسرائيل كاستعمار استيطاني احلالي، ذلك الذي يعني بالضرورة تبني موضوع التطهير العرقي (الجينوسايد)، كمتطلب اساسي لقيام ذلك المشروع، والتخلص النهائي من الشعب “الأصلاني” بالقتل والتهجير. لذلك فإن المحتل في هذا النوع من الاستعمار، يبقى مرتعبا ما دام الشعب الاصلاني، أو حتى جزءا منه، أو أي شيء يدل عليه موجودا، ويعتبر ذلك “الوجود” شكلا من اشكال الاعتداء عليه.

 كما يُسَوق الاستيطان الاحلالي نفسه كطرف متميز عن الشعب الاصلاني، ومتفوق عليه، ويعتبر نفسه ضحيةَ “همجية” الاصلاني، بل احيانا هو الضحية الوحيدة كما يفعل الصهاينة، فهم ككل اسياد المال لا يحبون أن يشاركهم أحد في “الارباح”، ولا يحبون أن يشاركهم أحد في كونهم الضحايا المميزين إن لم يكونوا الوحيدين.

 العنصرية في الصهيونية كمشروع استيطاني احلالي مسألة بنيوية ومعطاة سلفا، هي جوهر المشروع الذي لا يكتمل إلا بها، وهي تعتبر نفسها في كل مواقفها مسلحة بإله قدم لها كل شيء، ومن يقف في طريقها إنما يتحدى ارادته.

 ينحاز النظام الدولي الحالي الى المستوطن الاحلالي في كل مواقفه وقراراته ومؤسساته، وهو عندما وصل الى قمة “تسامحه” مع الشعوب الأصلية التي بقيت (ربما الفلسطينيون وحدهم هم الذين بقوا كشعب اصلاني)، تحدث عن حق تقرير المصير الذي يحمل معنى فضفاضا أو لا معنى له في واقع الأمر، ما دام الحديث عن الاستعمار الاحلالي كحالة طبيعية، وعن حق ذلك المستوطن في الدفاع عن النفس. ان أقصى ما خرجت به الأمم المتحدة في هذا المجال، أي ما يتعلق بالشعوب الاصلانية أو ما تبقى منها، هو إيجاد “يوم” لها يتم الحديث فيه عن ضرورة حفظ تراث هذه الشعوب، ولم يتناول أبدا ما جرى لهم من جرائم ضد الإنسانية، ارتكبها ذلك المستوطن “المتحضر”.

 ان الحكومات الغربية المتشاركة عضويا وبنيويا مع الصهيونية، لا تقف معها وتناصرها أمام “اعدائها” الخارجيين فقط، بل ايضا ضد مواطنيها الذين يتخذون مواقف سلبية منها. الصهيونية عند الغرب أهم من مواطنيه، لسبب بسيط هو هيمنة الصهيونية ايديولوجيا واقتصاديا وبالتالي سياسيا عليه. وهو لا يجد في هذه الهيمنة اي حرج لأنه استطاع “إخراجها” على شكل تحالف وتبنٍ للمشروع الصهيوني.

خلاصة القول في هذا المجال،  أنه في حال بحث الاستعمار الاحلالي عن ايديولوجيا خاصة به فلن يجد افضل من الصهيونية. إنها قمة الامبريالية (أعلى مراحلها)، وقمة العنصرية، وقمة الإرهاب، وفوق كل ذلك “مقدسة”. بل إنها “المقدس” الوحيد الذي لا توجد في تعاليمه أية محرمات، سوى تلك التي تحاول الوقوف أمام مشروعه.

 الفلسطينية Palestinism

كثيرة هي القضايا المحقة في العالم، وكذلك القضايا المهمة، وتلك التي نزفت فيها دماء كثيرة (اوكرانيا والسودان… وغيرها)، لكن ليست هناك من قضية في التاريخ المعاصر، أخذت هذا البعد الدولي والأممي مثل قضية فلسطين. ففلسطين بأبعادها المختلفة، الاستراتيجية والروحية والاخلاقية، وقبل ذلك وبعده “لطبيعة” عدوها، هي قضية قضايا العصر، حتى وإن لم يفهم كثير من الناس، وحتى من الفلسطينيين أنفسهم، ذلك.

 عندما انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة، اعتبر الفلسطينيون قضيتهم قضية تحرر وطني (وهي كذلك). قليلون من مثقفيهم وندرة من سياسييهم أدرك البعد الأممي للقضية، رغم وعيهم بأهمية “التضامن” معها، فسعوا الى توسيع دائرة “حلفائها” و “اصدقائها”، لكنهم على الأغلب استمروا في التعامل معها كمسألة موضعية، لأنهم فهموا الصهيونية كذلك.

 لم يعد مقبولا ولا معقولا لاولئك الذين قبلوا بالوجود “الواقعي” لإسرائيل، أن يعني ذلك قبولا فكريا ووجدانيا بها.  فالحديث عن اسرائيل في كل الظروف السياسية يجب أن يكون عنها كما هي على حقيقتها، استعمار استيطاني احلالي عنصري وربما اكثر، لكن ليس أقل.

مع “الطوفان” كبرت فلسطين، وكبر الوعي بها، ولم تعد قضية الفلسطيني الذي أحتُلت أرضه ويسعى لاسترجاعها، ولا قضية العربي الذي الذي يرى فيها ما يكرس تمزيق “الأمة”، ولا قضية الشرق لفرض الهيمنة الاستراتيجية والثقافية عليه، (وإن كان ذلك كله صحيحا)، بل ظهرت كقضية كل شعب انتُهكت حقوقه، وكل انسان سُلبت ارادته بشكل او بآخر، من الطالب في كولومبيا الى المتظاهر في برلين الى “المحروم” من روايته في هيروشيما وإلى الشعب الأصلاني في امريكا واوستراليا ونيوزيلندا.

ليس هناك من نجح في كشف الخلل البنيوي في “القيم” الغربية، وفي الفكر الغربي بمدارسه المختلفة وعلاقته “الاستثنائية والاشكالية” بالصهيونية مثلما فعلت وتفعل فلسطين الآن. لقد جسدت فلسطين القيم الإنسانية في مواجهة الشر، واستطاعت تحويل “فائض” الأخلاق الذي تمتلكه الى قوة فعلية تقف بها أمام فائض المال الذي فرضت به الصهيونية “سيطرتها” على العالم. انها بهذا المعنى شكل من اشكال “لاهوت” تحرير الانسان المضطهد أينما كان.

وبدل أن يرفع الفلسطينيون مستوى وعيهم بقضيتهم والارتقاء بها الى العالمية، ذهبوا بها الى عملية سياسية “مسخت” تلك القضية، وانحدرت الى ما يقترب من قضية مطلبية أقل من محلية، وخفت الخطاب الفلسطيني حول الاستعمار والكولونيالية، وانتقلوا من القبول “الواقعي” بالمعتدي المستعمر الى القبول بروايته، وأحيانا (وخاصة عربيا) الإيمان بروايته وتبنيها.

لقد مثلت الصهيونية “ايديولوجيا” المستعمرين خاصة المستوطنين الاحلاليين منهم، وأيديولوجيا اسياد المال الساعين للهيمنة على النظام العالمي، ولم تكن في يوم من الأيام مقتصرة على انشاء دولة لليهود في فلسطين، كذلك هي “الفلسطينية”، من يريد حصرها في سعي الفلسطينيين لتحرير وطنهم يظلمها، فهي في واقع الأمر، وحتى وإن كان ذلك غير مدرك بصورة كافية، ايديولوجيا المضهَدين والثوار و”الأصلانيين” في كل أرجاء المعمورة.

إنها مع الفلسطيني لتحرير وطنه، ومع الطالب الذي قمعته جامعته وهو يتظاهر للتعبير عن رأيه ضد التطهير العرقي، ومع العامل وهو يثور على مستغليه، ومع السياسي وهو يحرص على نقاء ضميره، ومع الإعلامي وهو يقف ضد الرقابة التي تحول دون أن يكون حرا في تفكيره.

لقد بات الصراع الآن اكثر وضوحا في كونه لا ينحصر بين فلسطين وإسرائيل، بل بين الصهيونية بما تمثل والفلسطينية بما تمثل ايضا، يدل على ذلك حجم التدخل الغربي في الوقوف مع إسرائيل وحجم الانتصار لفلسطين وكذلك حجم “القصور” في الوقوف معها من قبل اولئك الذين ينبغي أن يقفوا معها. انه صراع بين اولئك الذين يمثلهم بايدن الذي يفتخر بصهيونيته وبين من يمثلهم مانديلا الذي قال “حريتنا لن تكتمل بدون حرية الشعب الفلسطيني”.

  • بنبغي على الفلسطينيين والساعين للحرية في العالم أن يرتقوا ب”الفلسطينية” الى العالمية لتواجه فكريا الصهيونية ذات الطابع العالمي، اذ لا يجوز مواجهة “فكرة” عالمية بحركة محلية. آن الأوان للمثقف الفلسطيني ومعاهد الدراسات الفلسطينية، والتي عملت مطولا على تسجيل الذاكرة الفلسطينية ودراسة ماذا حل بالفلسطينيين، ومعهم المثقفين الأحرار في العالم لكي يهتموا بمكانة ودور  فلسطين في العالم وفي التاريخ، وبرسالتها كرمز وكعنوان للحق والعدالة والحرية في العالم.

‏مقالات ذات صلة

Back to top button