لطالما تبددت آمال بناء الاتحاد المغاربي بین دول شمال إفریقیا ، في إقامة علاقات تعاون اقتصادي وتجاري واستثماري بین دول الجوار، نظرا للتقلبات السیاسیة والتخبطات الأمنية التي تعصف بالمنطقة، لاسيما الصراعات السیاسیة داخل لیبیا وخارجها وكذلك الأزمات المالية الداخلية والتعثرات الانتخابية في كل من تونس والجزائر، والتي أدت في نهاية المطاف إلى عزلة إقليمية دبلوماسية لهذه الدول.
كل هذه العوامل دفعت برئاسة تبون إلى تشكيل تحالف سياسي ثلاثي جديد بقيادة جزائرية تونسية وليبية مستثنيا المغرب باعتباره قوة إقليمية صاعدة في شمال إفریقیا.
ونتيجة لذلك، أعربت كل من المغرب وموريتانيا عن قلقهما من مشروع التكتل الثلاثي، الذي أعلن تبون عن تشكيله لإحباط آمال الاتحاد المغاربي؛ الذي تم الاتفاق على إنشائه بين خمس دول من شمال إفريقيا وهي المغرب، موريتانيا، تونس، الجزائر وليبيا في عام 1989 في مراكش، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات بين هذه الدول.
إلا أن الجزائر سعت إلى تقليل أهمية الدور المنوط بدول المنطقة في إعادة إحياء دماء المغرب العربي وإعدادها لمرحلة انتقالية جديدة بعيدًا عن التجاذبات والتحديات السياسية الخارجية والإقليمية مع دول الجوار، وبالتالي عرقلت مسيرة التقدم نحو تحقيق علاقات مغاربية مستقرة.
ومن الجدير ذكره، الاستياء الكبير التي أبدته الدبلوماسية الجزائرية تجاه المبادرة المغربية الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس، حيث اعتبرت الجزائر أن هذه الخطوة العدائية التي نهجها المغرب تهدف إلى تعزيز الدور المغربي وعزلها إقليميا وسياسيا من العلاقات مع الدول الأطلسية الإفريقية والدول الساحلية، حيث جاء تشكيل هذا التكتل السياسي كرد مباشر على هذه المبادرة.
في حين تكمن حقيقة المبادرة المغربية، والتي تجاهلتها الخارجية الجزائرية، هو أن النموذج المغربي يهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين دول الساحل الإفريقي، وبناء مناخ أطلسي منفتح يقوم على أساس إنشاء شراكات سياسية واقتصادية قوية طويلة الأمد، يقودها الاستقرار الأمني أولاً والتكامل الاقتصادي ثانياً، المبني على أسس اتخاذ القرار السيادي الإفريقي المشترك ثالثاً، ولا بد من الإشارة إلى أن الدبلوماسية المغربية كانت دائماً تراقب عن كثب التطورات السياسية والاقتصادية التي تشهدها دول الساحل الإفريقي منذ فترات سابقة بسبب الصراعات الإقليمية والتحولات السياسية والأمنية التي يغلب عليها طابع “الانقلابات العسكرية”، بالإضافة إلى التراجع الكبير للنفوذ الفرنسي بالمنطقة وما تعانيه من تدهور الثقة الدبلوماسية الفرنسية داخل القارة الإفريقية ككل.
ومن الجلي، توجه الخارجية الجزائرية للترويج لنفسها بأدوار سياسية مستهدفة المغرب، سواء من داخل أو خارج محيطه الإقليمي والعربي الإسلامي، واضعة أمامها تداعيات سياسية واستخباراتية تحريضية، بالإضافة إلى انتقادات إعلامية تهدف إلى خلق حالة من التوتر والشك بين الدبلوماسيين المغاربة وأشقائهم الأفارقة، وتقوم بنشر تحليلات جيوسياسية مزيفة حول المبادرة الأطلسية، بهدف تقويض أسس هذه المبادرة، مع العلم أن الهدف الأساسي لهذه المبادرة هو تحقيق المنفعة المشتركة من أجل ضمان الأمن الغذائي المستدام وتوحيد الجهود لمنع ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر دول شمال إفريقيا، ضمن إطار برنامج التعاون الأمني الإفريقي المشترك.
وفي هذا السياق، تبقى هناك مؤشرات وعلامات استفهام كبيرة حول هذا التكتل الثلاثي الذي لم يتم تحديد مقاربته بعد، وعن مخرجاته وأهدافه التشاركية في ظل غياب أي اتفاق تكاملي مع باقي دول الجوار، بالإضافة إلى طبيعة مستقبل الاتحاد المغاربي من جهة، وتداعيات الانقطاع السياسي والدبلوماسي بين المغرب والجزائر من جهة أخرى، وذلك في ظل الأزمات والخلافات التي تشهدها المنطقة العربية حالياً، والتي تشير إلى وجود حرب إقليمية جديدة تتداخل فيها مصالح القوى الكبرى مثل روسيا، الصين، أمريكا، إيران وإسرائيل.
وفي الختام، أصبح التكتل الجزائري يُقرأ الآن من قبل الدبلوماسية المغربية، كمقاربة سياسية جديدة لاحتواء التقدم الإقليمي والقاري للمملكة، وذلك من خلال زعزعة العلاقات الجيوسياسية والاقتصادية للمملكة مع دول إفريقيا والساحل، حيث لا بد في النهاية من التأكيد على أن مبادرة تنمية الأطلسي التي أطلقها الملك محمد السادس تعتبر نموذجا يُحتذى به للنهوض بالوضع الأمني والجيواقتصادي لدول الساحل والصحراء.