عرفت القارة السمراء عودة موجة من الانقلابات العسكرية والانفلاتات الأمنية في عدة بلدان إفريقية طالبت دائما بديمقراطية نزيهة وسياسة داخلية خالية من التدخل الأجنبي؛ والتي بدأت بمالي وانتقلت نحو السودان لتصل إلى بلاد النيجر، التي شهدت سابقا فترات طويلة من التدهور متأرجحة ما بين أزمات إنسانية وهشاشة اقتصادية، ناهيك عن التبعية الخارجية، لا سيما السياسية منها، ليقف العالم اليوم مصدوما أمام انقلاب عسكري في البلاد للإطاحة بنظام الرئيس الشرعي “محمد بازوم ” الذي طالما عرف “بحامي مصالح فرنسا الخارجية بالنيجر”.
يمكن القول، إن انقلاب النيجر كشف عن خلل كبير في تدبير آليات العمل السياسي والمؤسساتي والعسكري للشؤون الداخلية للبلاد، التي ظلت مرتبطة لعقود طويلة بتسيير سلطوي خارجي لشؤون الشعب النيجري، ناهيك عن تنصيب نخب سياسية حزبية وعسكرية تابعة للنفوذ الفرنسي، أدى في النهاية إلى إشعال فتيل التوتر داخل كواليس الحرس الرئاسي النيجري، وبالتالي حدوث الانقلاب العسكري من قبل قائد الحرس الرئاسي، وإزاحة بازوم عن السلطة، والذي سيجر البلاد لامحالة في حال استمراره، إلى تدفق موجة جديدة من الهجرة، نحو عدد من دول المغرب العربي والدول الأوروبية.
يعد انقلاب النيجر ذا أثر كبير دوليا ، لما له من تداعيات مهمة على الساحة الإفريقية، وخصوصًا منطقة الساحل والصحراء، حيث مثل نقطة تحوّل في الخريطة الجيوسياسية، وكذلك أدى إلى انطلاق مجريات ما يُسمى بصراع المصالح للقوى الخارجية، التي أصبحت ترى من النيجر ساحة المنافسة الغربية بين دول الحلفاء الكلاسيكيين من جهة، والدول الصاعدة متمثلة في كل من الصين، روسيا، تركيا، والهند من جهة أخرى.
ومن الجلي أن معظم التوقعات والتكهنات حول مستقبل البلاد بعد الأحداث المتسارعة التي شهدتها النيجر في بحر الأسبوعين الماضيين، اتجهت نحو اتساع رقعة الصراع بين الانقلابين والقوى الخارجية الداعية إلى إعادة النظام السياسي والأمني داخل البلاد، هذا الصراع الذي خَلُص إلى فكرة مفادها أن فرنسا لم تقدم شيئًا لشعب النيجر، ولم تسع لمساعدته في حل أزمته الاقتصادية والاجتماعية، بل انصب اهتمام حكومة ماكرون بالمقام الأول على حث بلدان غرب إفريقيا على خدمة مصالح فرنسا على حساب الخيرات والثروات الطبيعية للنيجر.
وعلاوة على ما سبق، أبدت الدول المغربية مخاوفها من استمرار حدة الأزمة في النيجر ، نتيجة الضعف الدبلوماسي والتفاوضي لحل النزاع الحالي بين الأطراف المتصارعة، وتحويل هذا الصراع إلى مواجهة داخلية وأخرى إقليمية تهدد أمن واستقرار دول الجوار، ناهيك عن انتظار قرار مجموعة الإيكواس ومنظمة الاتحاد الأفريقي للتدخل العسكري، الذي قد يبدد الرغبة في تسريع عملية السلام في البلاد، وكذلك تحفيز موجة نزوح اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين إلى المناطق الحدودية مع النيجر ، خصوصًا إلى مالي، تشاد والجزائر.
وعليه، جاء موقف المملكة المغربية محايدًا ومعارضًا لما وصلت إليه الأوضاع في النيجر ، جراء الانقلاب العسكري، وذلك يعود إلى عدة اعتبارات، تتعلق بمصالح المغرب الاستراتيجية والأمنية، في الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي للنيجر، باعتبار دولة النيجر شريك اقتصادي وأمني مهم في مواجهة الجماعات الإرهابية وشبكات تهريب الأسلحة والبشر داخل منطقة الساحل والصحراء، ولهذا السبب، حذرت المخابرات المغربية في مناسبات عدة خطر احتمال وقوع تعاون مباشر بين الجماعات المتطرفة والإرهابية، وكذلك ميلشيات البوليساريو بمنطقة الساحل والصحراء، وتحويل المحيط الإقليمي إلى بؤرة دولية للجماعات المسلحة .
وعليه، تبقى المواقف الحذرة للدول المغربية في خانة الانقسامات الإستراتيجية والاقتصادية والأمنية ، حيث إن بعض العواصم المغاربية قد تخسر مصالحها الحيوية ، بما فيها مصادر الطاقة، في المنطقة جراء تصاعد مخاوف تسرب الجماعات المسلحة إلى حدودها ، مما يشكل خطر حقيقي على أمنها القومي، وعلى علاقاتها الجيوسياسية مع باقي دول الجوار.
وختاما، مهمًا تعددت الآراء واختلفت التكهنات حول مستقبل العلاقات الأمنية والاستراتيجية بين النيجر ودول المنطقة، فالسؤال المطروح هو: هل مستقبل الدول الإفريقية وأمنها واستقرارها القومي سيبقى مفتوحًا أمام تدخل عسكري دولي، أم سينتهي إلى حل سلمي توافقي إفريقي؟
تحليل منطقي دكتور جمال ايت العظام يعني القارة الأفريقية ستشهد تغيرا كبيرا في هده الانظمة العسكرية
شكرا جزيلا السي عبد الصمد على سؤالكم صحيح ومؤكدًا ان القارة الافريقية أصبحت تتغير بشكل كبير سواءً على مستوى سياستها الخارجية وتعاملاتها الإستراتيجية مع الدول الغير الأفريقية .اليوم أصبحت إفريقيا تخرج عن التبعية الخارجية اي “الأوروبية ” و الفرنسية على وجه الخصوص في بناء مستقبلها السياسي والاقتصادي و الجيواستراتيجي …