‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د جمال ايت لعضام: الشراكة الاستراتيجية المتعددة للمغرب.. ديناميات العلاقات الدولية في ظل رؤية ملكية استشرافية

في عالم يزداد فيه الوضع الدولي تعقيدًا وتشابكًا، استطاع المغرب، بقيادة رؤية ملكية حكيمة، أن يبرز كفاعل مؤثر في النظام الأفريقي والدولي، مستفيدًا من موقعه الجغرافي و الاستراتيجي المستقر بين إفريقيا وأوروبا، ومن دوره التاريخي كجسر ثقافي واقتصادي بين الشرق والغرب. ومن خلال بناء شراكات استراتيجية متعددة الأبعاد مع الصين، الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، يعزز المغرب مكانته كمحور استراتيجي في العلاقات الدولية ومُساهم فعّال في صياغة نظام عالمي أكثر توازنًا.
أولا : المغرب والصين: شراكة في إطار نظام دولي متعدد الأقطاب
تأتي العلاقات المغربية الصينية ضمن سياق أوسع لتحولات النظام الدولي نحو التعددية القطبية، حيث تسعى الصين إلى تعزيز نفوذها الدولي عبر مبادرة “الحزام والطريق”. وبفضل توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة في عام 2016، أصبح المغرب لاعبًا محورياً في تنفيذ أبجديات هذه المبادرة الاقتصادية على الصعيد الإفريقي
•التحليل الجيوسياسي: ترى الصين في المغرب بوابة استراتيجية للوصول إلى الأسواق الإفريقية، نظرًا لموقعه كحلقة وصل بين أوروبا وإفريقيا. في المقابل، يستفيد المغرب من الاستثمارات الصينية لتعزيز بنيته التحتية ودعم مشروعاته التنموية الكبرى خصوصاً على مستوى مناطقه الجنوبية الصحراوية.
•التوازن الاستراتيجي: يحرص المغرب على الاستفادة من الشراكة مع الصين مع الحفاظ على علاقاته المتوازنة مع الغرب، ما يُبرز مهارة دبلوماسية تعكس الرؤية الملكية في فتح آفاق جديدة تتجلى في المبادرة الأطلسية مع دول الساحل الأفريقي.
ثانياً: الولايات المتحدة والمغرب: شراكة متجذرة وأجندة متجددة تعكس مفهوم التعاون المشترك.
تعد الولايات المتحدة أحد الشركاء الاستراتيجيين الرئيسيين للمغرب، حيث ترتكز العلاقات الثنائية على أسس متينة ذات صلة بالعلاقات الاستراتيجية بين البلدين والتي تشمل عدة مجالات حيوية أهمها الأمن، الدفاع العسكري ، التجارة، والتنمية ناهيك عن الطاقة المتجددة والنظيفة بالمغرب.
•الدبلوماسية الأمنية: يتمتع المغرب بمكانة خاصة في السياسة الخارجية الأمريكية كحليف رئيسي خارج الناتو، مما يعزز دوره كشريك أساسي في محاربة الإرهاب وضمان الأمن الإقليمي.
•الأبعاد الاقتصادية والاستثمارية : يعكس اتفاق التجارة الحرة الموقع عام 2006 نموذجًا ناجحًا للتكامل الاقتصادي والتجاري بين البلدين، حيث أصبح المغرب منصة لتوسع الشركات الأمريكية في شمال إفريقيا و على صعيد القارة الأفريقية ككل.
•الرهانات الدولية: في سياق التوترات السياسة العالمية، تسعى المملكة المغربية إلى استثمار علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة لتحقيق التوازن في سياساته الخارجية والدبلوماسية لضمان دعمها للقضايا الوطنية الوحدوية ، مثل قضية الصحراء المغربية.
ثالثا : الاتحاد الأوروبي والمغرب: شراكة تاريخية باستبصارات مستقبلية
بصفته الشريك التجاري الأول للمغرب، يمثل الاتحاد الأوروبي دعامة أساسية في السياسة الخارجية المغربية. وتُعد هذه العلاقة نموذجًا رئيسياً في بارادايم العلاقات الشراكة التعاونية والتجارية بين الشمال والجنوب، حيث تجمعها المصالح الاقتصادية والجيوسياسية المشتركة .
•أبعاد جيوسياسية: يُعتبر المغرب شريكًا لا غنى عنه للاتحاد الأوروبي في إدارة قضايا الهجرة والأمن الإقليمي، وهو ما يُترجم في برامج الدعم الأوروبي للمملكة المغربية و خصوصاً بعد نجاح العلاقات الدبلوماسية الإسبانية.
•السياسة الخارجية المتعددة الأطراف: يسعى المغرب لتعزيز مكانته كشريك “متقدم” مع الاتحاد الأوروبي، مع توسيع نطاق التعاون ليشمل مجالات التكنولوجيا والتحول الرقمي.
•التوازن الإقليمي: أصبح المغرب عنصرًا فاعلاً و قوة إقليمية صاعدة في تحقيق الاستقرار والتنمية بمنطقة المتوسط، وهو ما يعزز مكانته كوسيط في قضايا إقليمية ودولية.
رابعاً: الرؤية الملكية: نموذج للاستشراف دبلوماسي في العلاقات الدولية
ترتكز السياسة الخارجية المغربية على رؤية استشرافية تتمحور حول:
•التعددية القطبية: السعي نحو تحقيق التوازن في العلاقات مع القوى الكبرى دون الانحياز لأي طرف تحت مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول .
•الريادة الإقليمية: تعزيز مكانة المغرب كقوة إقليمية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، مع التركيز على دوره في تحقيق التنمية والاستقرار بإفريقيا.
•الدبلوماسية المغربية الذكية: استثمار موقعه الجغرافي والإستراتيجي لتعزيز الحوار بين الشمال والجنوب، وتقديم نفسه كنموذج للسلام والتعاون.
خاتمة: المغرب كنموذج ومقاربة للبراعة الدبلوماسية
من خلال شراكاته الاستراتيجية المتعددة الأبعاد مع كل من الصين، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، يقدم المغرب نموذجًا مبتكرًا في مجال السياسة الخارجية من جهة و في العلاقات الدولية من جهة أخرى ، يُبرز فيه أهمية التوازن بين المصالح الوطنية والانخراط في النظام العالمي . هذه الشراكات ليست مجرد علاقات اقتصادية، بل هي تجسيد لرؤية شمولية تجعل من المملكة المغربية محورًا استراتيجيًا في عالم دولي معقد وسريع التغير.
*أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي
بجامعة جيلين الصينية تشاتشونغ .

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button