شكل حدث المسيرة الخضراء المظفرة نموذجا جديدا في تاريخ المغرب الحديث، وهو تجربة فريدة من نوعها سجلت فيها الدبلوماسية المغربية نجاحا باهرا في إدارة شؤونها الخارجية ومواكبتها للتطورات والأزمات الدولية المرتبطة بمتغيرات الوضع الاقتصادي والجيوسياسي الحالي للدول على الصعيد العالمي؛ بدءا بالانقلابات العسكرية والانفلاتات الأمنية الداخلية التي حصلت في بعض الدول الإفريقية، وانتهاء بمجريات الحرب الفلسطينية الإسرائيلية.
إن الاحتفال السنوي بذكرى المسيرة الخضراء، كنموذج حضاري وسلمي، ساهم في تثبيت معايير ومقومات نجاح الدبلوماسية المغربية بالدفاع عن قضية الصحراء المغربية داخل المنتديات الدولية، وعلى تأكيد مرتكزات وحدة الأقاليم الجنوبية للمملكة، التي تشهد تعبئة كاملة وشاملة للمغاربة من أجل استكمال المصلحة الوحدوية الترابية للمغرب، وبناء صرح مغربي متكامل منسجم مع المبادئ والقيم والهوية المغربية، مستندا على أسس التنمية المستدامة للنهوض بمقومات الحكومة الوطنية من أجل تحقيق تطلعات الشعب المغربي داخل محيطه الإقليمي والإفريقي.
وفي السياق نوه الخطاب الملكي الأخير، في الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء، للدور الفعال الذي تلعبه الدبلوماسية الوطنية المغربية في الدفاع عن المصالح السيادية والخارجية للمملكة، وربطها بعلاقات دبلوماسية وسياسية مع دول تتمتع باحترام تام للأعراف الدبلوماسية وأدبيات العلاقات الدولية التي يحكمها قانون البراغماتية، والذي يقاس حجم الدول فيه اليوم بمدى تعاملها وتعاونها الدولي في مواجهة التحديات والتطورات على الساحة العالمية وكذلك قدرتها على إدارة الأزمات الدولية التي تهم مختلف الدول.
ومما لاشك فيه، التوافق الكبير بين التفكير الاستراتيجي للدبلوماسية الملكية مع توجهات حسن التدبير الاستراتيجي للخارجية المغربية، والذي يظهر بوضوح بطريقة تعاملها مع التحديات والمتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمملكة، من خلال وضع استراتيجية حسن تثمين الموارد الطبيعية للأقاليم الصحراوية المغربية، وتسهيل البرامج والمشاريع التنموية المستقبلية للمنطقة عن طريق فتح الواجهة البحرية الأطلسية المشتركة بين الدول الإفريقية-الأطلسية بغية توطيد العلاقات الإفريقية، وكذلك تحقيق الاستقرار والازدهار للمنطقة الأطلسية.
وعليه، بينت الدبلوماسية المغربية مدى قدرتها على إدارة شؤون المملكة على المستويين الخارجي والإقليمي على حد سواء، من خلال تقديم وسائل دبلوماسية ناجعة وفعالة قادرة على تدارك الأخطاء والتجاوزات قبل أو بعد وقوعها، على سبيل المثال؛ ما قامت به الدبلوماسية المغربية إبان الأزمة الليبية، من خلال قيامها بدور الوسيط في نطاق تدعيم العلاقات، ومعالجة كل العقبات والخلافات السياسية والتوفيق بين المصالح المتعارضة وتقريب وجهات النظر المتباينة بين مختلف الأطراف، وتسيير الحوار السياسي الليبي وتسوية الخلافات بين الأطراف الفاعلة وإشاعة جو من التفاهم العقلاني البناء بينها، وبالتالي استطاعت الدبلوماسية المغربية تحقيق نجاحات دبلوماسية من خلال وساطتها، وتوطيد مركزها الإقليمي وتعزيز نفوذها ودورها الإفريقي في مواجهة الأزمات الإقليمية.
ومن الجلي، أن الدبلوماسية الوطنية وسياستها الخارجية، تواجه في الآونة الأخيرة، تحديات كبرى تتمحور حول المشهد الدولي الحالي الذي أصبح يتسم بما يُعرف بسياسة “المحاور السياسية الدولية the axes of International politics” وفق منطق تعدد الأيديولوجيات السياسية والنزاعات الإقليمية، ذات طابع تنافسي دولي محض، بين القوى الكبرى ممثلة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، روسيا، وفرنسا (الاتحاد الأوروبي)، أو بالصراع الإقليمي الدائر بين دول الجوار كالصراع المشتعل حاليا بين فلسطين وإسرائيل، أوبين مصر والسودان، كذلك بين المغرب والجزائر لا سيما بعد عودة المملكة المغربية إلى حضنها الإفريقي سنة 2017، حيث ختم هذا الحدث التاريخي الدبلوماسية المغربية بطابع الانتصارات الإيجابية للخارجية المغربية الملكية، معززا مكانتها واختياراتها السياسية التنموية مع مختلف شركائها الدوليين، ومواكبة مسيرة نجاحها الدبلوماسي داخل محيطها المغربي والإفريقي والدولي.
وختاما، تبقى الدبلوماسية المغربية متوجة بالتوجيهات الملكية الفعالة والمنهجية، التي تتسم بطابع فكري استراتيجي مدروس، يتماشى مع المكتسبات الجيوسياسية للمملكة في ظل تراكم الأزمات السياسية والأمنية التي تشهدها الساحة الدولية، والتحولات السياسية والاقتصادية داخل النظام العالمي.