تشهد الدول الإفريقية على الساحة الدولية زخماً من التقارب الاستراتيجي والاقتصادي بينها وبين العديد من الدول المتقدمة والناشئة، والتي لها علاقات شراكة قوية مع دول إفريقية ذات طابع سياسي واقتصادي مستقر ومتنوع إقليميا وقارياً، وبالتالي، أصبحت هناك دول متقدمة في حاجة إلى تعزيز شراكتها الاقتصادية والتجارية مع دول نامية أو صاعدة من داخل إفريقيا وخارجها.
وتظهر كل التوقعات والمؤشرات في مجال العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، أن جمهورية الصين الشعبية أضحت المنافس الأول للدول الغربية في مسار التقارب الاقتصادي والدبلوماسي مع دول إفريقيا وتعزيز نفوذها الجيوسياسي والاقتصادي في المنطقة الإفريقية، والتي كانت إلى وقت قريب تشهد هيمنة اقتصادية للدول الاستعمارية الأوروبية التي جعلت من القارة الإفريقية مركزا لاستغلال واستنزاف الثروات الطبيعية والنفطية.
لاشك أن تغيرات كبيرة قد حدثت في القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة، فقد أصبحت الصين اللاعب الأكبر والأقوى في القارة، والتي تعمل بشكل مستمر على تطوير وتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول المنطقة من خلال تبني سياسات تجارية أكثر شفافية وربحية على صعيد الاستثمارات الأجنبية والتبادلات المالية، لاسيما فيما يتعلق بإصلاح قوانين الاستثمار الأجنبي المباشر، وكذلك تسهيل الإعفاءات التجارية والجمركية الأجنبية مع الشركاء الأفارقة في مجالات التجارة الخارجية والصناعة.
وخلص منتدى التعاون الصيني-الإفريقي “فوكاك” في دورته الرابعة والعشرين إلى توسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجاري متعدد الأطراف بين الدول الإفريقية، وتعزيز دورها في الدبلوماسية العالمية بما يحقق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الدائمة القائمة على التحول الرقمي والتكنولوجي، من خلال تحول اقتصادي نحو مستقبل الاقتصادات الرقمية والتقنيات الحديثة المستدامة، وبالتالي يمكن من خلال ذلك أن يلعب منتدى “فوكاك” دوراً محورياً في دفع التعاون الاقتصادي والتجاري المشترك بين الصين والدول الإفريقية.
ومن الواضح أن دور المنتدى الصيني-الإفريقي قد نما بشكل كبير على مدار المنتديات السابقة، من حيث حجم التوقعات الكبيرة لنتائج المنتدى ومساهمته الكبيرة في تحسين وتطوير البنية التحتية والتنمية الصناعية في إفريقيا، مع ذلك، قد تتوقع الدول الإفريقية، ولاسيما المملكة المغربية، فرصا تجارية واستثمارية أكثر تكافؤا مع الصين، وذلك من خلال توسيع نطاق السياسات الاستثمارية والتجارية ذات التوازن التجاري الشفاف والمستدام، بما يسمح للصادرات المغربية بالوصول إلى الأسواق الصينية بشكل أفضل وحرية أوسع.
وفي السياق ذاته، تثمن المملكة المغربية بشكل كبير مستوى تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين من خلال مقاربة دبلوماسية وسياسية شاملة، يمكن تلخيصها بالآتي:
أولاً: تعميق التبادل الثقافي والعلمي والفكري بين الجانبين، ويتمثل ذلك في توطيد العلاقات الثقافية واللغوية بين البلدين من خلال المبادرات التعليمية والفكرية والثقافية، وتشجيع الندوات العلمية القائمة على تبادل الخبرات الصينية والمغربية في مجال العلوم والتكنولوجيا الحديثة، مع التأكيد على دور القيم الكونفوشيوسية والعربية المشتركة، والتي تشكل الجسر المعرفي والدبلوماسي المشترك لهذه الشراكة الاستراتيجية.
ثانيا: بناء القدرات المعرفية ونقل الخبرات والتكنولوجيا المتقدمة بين البلدين؛ بحيث يمكن للصين أن تعزز نفوذها العلمي وخبراتها الأكاديمية من خلال تقديم الدعم التقني والرقمي في مجال البحث العلمي المشترك في الجامعات والمؤسسات الحكومية والخاصة التي تمتلك القدرة على الابتكار والاختراع الرقمي والتكنولوجي.
ثالثا: نماذج التنمية المحلية المستدامة، حيث يتطلع المغرب كسائر دول القارة الإفريقية أن يحظى بالتجربة الصينية في مجال تحديث التنمية المحلية التي عرفتها الصين في السنوات الأخيرة، من خلال تطبيق أنظمة ورقمنة المجالات الحيوية لضمان تلبية الاحتياجات المحلية في القطاعات الهامة مثل الزراعة والمياه والتعليم والتصنيع.
وفي الختام، يبقى منتدى التعاون الصيني-الإفريقي منصة مهمة لتعزيز العلاقات الاستراتيجية للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ودول إفريقيا، ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة على مستوى إفريقيا ككل بنجاح.