من المعروف أنّ بعض خبراء العلاقات الدولية والسياسة الخارجية لدول إفريقيا، لم يكن لديهم رؤية واضحة بشأن مستقبل المنطقة الأطلسية، وعلى وجه الخصوص الدول المطلة على طول الساحل الأطلسي، وكذلك منطقة الساحل الإفريقي، حيث تمتلك معظم هذه البلدان معادن استراتيجية وثروات طبيعية مهمة، وأصبحت معادن كاليورانيوم، الذهب والنفط الخام اليوم سببا أساسيا للصراعات التنافسية في إفريقيا بين دول فاعلة في المنطقة وأخرى جديدة وتحديداً كل من الصين، روسيا، الهند وتركيا.
ومن الواضح أن دور هذه الدول قد نما بشكل ملحوظ خلال الأعوام الأخيرة، سواء من حيث كثافة تفاعلاتها البينية مع دول المنطقة، أو من حيث ارتباطاتها الخارجية والإقليمية، وخاصة على المستويات العسكرية والأمنية والاقتصادية، فضلا عن تأثيرها المباشر وانعكاساتها على المنطقة.
وعليه، فإن ثمة قراءات سياسية ومقاربات جيواستراتيجية لمحللين ومهتمين بالشؤون الإفريقية، الذين يعتقدون أن الواجهة الأطلسية عبارة عن منطقة جغرافية تتسم بالصراعات السياسية والإقليمية، التي تتأرجح ما بين أزمات داخلية وانقلابات عسكرية وتقلبات جيواقتصادية، وكان لهذا تداعيات سلبية على الساحة الإفريقية بأكملها وخصوصا الدول الأطلسية، والتي شكلت نقطة تحول في العلاقات الإفريقية المشتركة.
وفي هذا السياق، جاء النموذج المغربي الإفريقي الجديد، متضمنا المبادرة المغربية على الواجهة الأطلسية التي أطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس، وتهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين دول الساحل الإفريقي وبناء مناخ أطلسي منفتح يقوم على أساس إنشاء شراكات سياسية واقتصادية قوية طويلة الأمد، يقودها الاستقرار الأمني والتكامل الاقتصادي المبني على أسس اتخاذ القرار السيادي الإفريقي المشترك.
ولقد حظيت المقاربة الأطلسية المغربية باستجابة قوية من قبل دول الساحل الإفريقي، حيث اعتمدت الدبلوماسية المغربية أدوات وآليات مؤثرة في مجالات الأمن والاقتصاد والدين وغيرها، تمثلت هذه الأدوات في الابتعاد عن المقاربات الدولية والاستراتيجيات السياسية القائمة على التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وكذلك عدم استغلال الأوضاع الأمنية غير المستقرة لبناء تحالفات إقليمية تؤدي إلى تفاقم إشكالية انعدام الثقة الدبلوماسية والشراكة الاستراتيجية بين دول المنطقة.
وبالتالي، يمكن القول إن الدبلوماسية المغربية قد استفادت من استيعاب الغضب الشعبي المتصاعد في دول الساحل الإفريقي ضد الوجود الغربي، مع سعي الخارجية المغربية إلى تعزيز دورها الاستراتيجي والدبلوماسي وسط تراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة، لا سيما في بعض دول الواجهة الأطلسية التي ترى في المغرب بديلا مناسبا لبناء علاقات خارجية وشراكات استراتيجية واقتصادية مع دول الساحل الإفريقي، حيث تحاول الدبلوماسية المغربية الاستفادة من التغيرات في موازين القوى في المنطقة الإفريقية لتعزيز وجودها الجيواستراتيجي والقاري.
وعلى الرغم من تصنيف هذه الدول على أنها الدول الأكثر تضررا من الأزمات الاقتصادية الداخلية والصراعات الإقليمية، إلا أنها تعد بالنسبة للدبلوماسية المغربية استثمارا كبيرا لإعادة بناء استقرار سياسي واقتصادي متوازن من خلال توفير فرص اقتصادية جديدة، مبنية على أساس المنفعة المشتركة لضمان أمن غذائي مستدام، وتوحيد الجهود لمنع ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر دول شمال إفريقيا في إطار برنامج التعاون الأمني الإفريقي المشترك.
لذلك، فإن تكثيف الجهود الدبلوماسية مع الدول الإفريقية هو أحد المشاريع الاستراتيجية للتنمية الإفريقية المستدامة للدبلوماسية المغربية، القائم على احترام السيادة الوطنية للدول واستقلالها، واعتماد نموذج مربح للجانبين للنهج الاقتصادي قائم على معادلة رابح-رابح على مستوى القارة الإفريقية.
وختاماً، يمكن القول إن الدول الإفريقية الأطلسية باتت تشكل إحدى ركائز الدبلوماسية المغربية في المنطقة، حيث أنها تعتمد ضمن الأطر الإقليمية والقارية على بناء علاقات وتحالفات دبلوماسية واستراتيجية مع دول المنطقة بما فيها دول الساحل الإفريقي ذات الميول المناهضة للدول الاستعمارية الغربية خصوصاً فرنسا، وبالتالي فإن المبادرة المغربية للدول الأطلسية الإفريقية ستغير مسار المنطقة بأسرها، على مستويات متعددة بما في ذلك الأمن والاستقرار السياسي.