‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د جمال ايت لعضام: ترامب والرسوم الجمركية على أوروبا: هل هو تصعيد متعمد أم بداية لتفكيك النظام التجاري العالمي؟

 لاشك أن لهجة التصعيد التجاري في خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المشهد السياسي العالمي قد تحولت من مجرد حلم إلى واقع تعيشه دول العالم، بدءًا من الصين، مرورًا بأوروبا، وصولًا إلى إفريقيا، وقد جاء التهديد بفرض رسوم جمركية جديدة على الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أصدقاء أمريكا وحلفائها، كصاعقة في زمن لم تعد فيه التجارة الدولية تتبع القواعد والنظريات التقليدية التي كانت سائدة لعقود. هذا الوضع يثير تساؤلات عميقة تتجاوز مجرد كونها “أدوات ضغط تجارية”، فهل نحن أمام بداية مرحلة جديدة من تفكيك النظام التجاري العالمي؟ أم أن ما يحدث هو مجرد تصعيد تكتيكي وسياسي مدروس ضمن استراتيجية التفاوض التجاري التي يتبناها الغرب، والتي تتجلى في صورة ترامب؟

ولفهم الخلفية التجارية لترامب، لابد من الرجوع إلى الأصول الفكرية والسياسية التي تستند إليها سياساته التجارية:

أولاً: يتبنى ترامب رؤية اقتصادية وسياسية ترفض العولمة بمفهومها الليبرالي المفتوح، ويعتقد أن على الدولة، وخاصة الولايات المتحدة، أن تدافع عن مصالحها التجارية الخارجية من خلال آليات اقتصادية قائمة على “القوة”، بدلاً من الاعتماد على قواعد واستراتيجيات “التبادل الحر”.

ثانياً: يرى ترامب أن العجز الأمريكي في الميزان التجاري والاقتصادي ليس نتيجة طبيعية لتقسيم العمل الدولي، بل هو نتيجة لـ”سرقة تجارية”، ويحمّل الدول الأوروبية وكندا، بالإضافة إلى الصين، مسؤولية هذا الخلل الاقتصادي والمالي الذي أدى إلى نشوب حرب تجارية جديدة.

ثالثاً: بالنسبة لترامب، فإن الرسوم الجمركية ليست مجرد أداة اقتصادية، بل هي أداة سياسية تستخدم في التفاوض، إنها تمثل “العقوبات الجديدة” في عصر الحروب التجارية. 

وعليه، خلافاً لجمهورية الصين الشعبية، لا ينظر لأوروبا كتهديد اقتصادي مباشر، بل كشريك يسئ استخدام امتيازاته التجارية والاقتصادية داخل منطقة الاتحاد الأوروبي، يتجلى ذلك في عدم استخدام آليات التجارة الدولية في مجالات متعددة، مثل قطاع السيارات الذي يُعتبر رمزًا للمظلومية الأمريكية، حيث تركز إدارة ترامب على صادرات السيارات الأوروبية، وخاصة الألمانية، ويعتقد أنها تستفيد من السوق الأمريكية دون أن تفتح أسواقها بالمثل، حيث تُعتبر السيارات الألمانية (مثل BMW وMercedes)، في خطابه، كرمز لانعدام التوازن التجاري والاقتصادي.

علاوة على ذلك، يُعتبر الدعم الأوروبي للزراعة والصناعات الخضراء، من منظور ترامب، جزءًا من السياسات الأوروبية التي تدعم الانتقال الأخضر وتحمي الصناعات المحلية، والتي تُعتبر “حمائية مغطاة بالبيئة”. وأخيرًا، أدى الاختلاف الأيديولوجي والسياسي إلى عدم ثقة ترامب بالنظام الأوروبي الليبرالي بشكل عام، حيث يرى في الاتحاد الأوروبي خصمًا ومنافسًا قويًا وايديولوجيا ناعما يتبنى قيمًا مثل (التعددية، حرية الأسواق، والاتفاقيات المناخية)، والتي  تتعارض مع نهجه القومي في السياسة والاقتصاد، وذلك لمصلحة الولايات المتحدة.

نتيجة للمخرجات السياسية للرئيس ترامب وإدارته، التي تفتقر إلى فهم شامل لطبيعة التجارة الدولية، يمكن القول إننا نواجه تحديات كبيرة تلوح في الأفق لحرب تجارية جديدة، حيث يُفضل الرئيس ترامب خلق بيئة ضغط تفاوضي بدلاً من التصعيد النهائي، خاصة مع حلفائه الأوروبيين والكنديين، ويعود ذلك إلى أن الدول الأوروبية تتبنى استراتيجيات اقتصادية تعتمد على الامتصاص والتدرج في الرد، في ظل تعقيدات الداخل الأوربي التي واكبت فرض الرسوم الجمركية الجديدة.

من جهة أخرى، يشهد العالم تحولات هيكلية، تتمثل في نهاية عصر العولمة المفتوحة وعودة الحمائية وتركيز سلاسل التوريد، هذه التغيرات تجعل احتمال نشوب حروب تجارية أمراً محتملاً، حيث تتسم هذه الحروب بمقاومة “دائمة ومنهجية” بدلاً من كونها استثناء، بالإضافة إلى ذلك، دور المؤسسات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية التي فقدت الكثير من تأثيرها على الساحة العالمية، مما يمنح ترامب مجالاً أوسع للمناورة دون مواجهة مقاومة دولية من الدول الأعضاء في المنظمة. كما هو معروف، فإن التداعيات الاقتصادية المحتملة طويلة الأمد لسياسة ترامب تجاه الرسوم الجمركية الأمريكية على دول العالم تمثل جزءا من تفكك القواعد التقليدية للتجارة العالمية، لاسيما إذا استمرت الولايات المتحدة، وخاصة تحت إدارة ترامب، في تقويض مبدأ التجارة المفتوحة، وبالتالي تعرض المنظومة التجارية العالمية التي أُسست بعد الحرب العالمية الثانية للانهيار، هذا الأمر سيؤدي أيضًا إلى تغيير ميزان القوى الجيو-اقتصادية، مع تدهور العلاقات التجارية بين الدول الغربية، في هذه الحالة، قد تستفيد الصين وروسيا بشكل كبير من خلال إعادة تشكيل التحالفات الاستراتيجية والاقتصادية على الصعيد العالمي. كل ذلك يشير إلى احتمال تشجيع المزيد من السياسات الحمائية بين الدول الأخرى، بما في ذلك أوروبا، التي قد تتجه نحو تعزيز صناعاتها المحلية وفرض قيود على الاستثمار والتصدير.

وختاما، إن فرض الرسوم الجمركية على أوروبا لا يُعتبر مجرد مناورة اقتصادية أو تجارية، بل هو امتداد وتسجيد لرؤية ترامب لعالم تسوده موازين القوة بدلاً من الالتزام بالقواعد، وبالتالي، يمكن القول إن أوروبا اليوم أمام خيارين: إما التكيف مع عقلية “الصفقة الكبرى” التي يسعى ترامب لتحقيقها، أو مواجهة فترة من التوترات التجارية التي قد تعيد تشكيل العلاقات عبر الأطلسي لعقود قادمة.
*جمال ايت لعضام
دكتور العلاقات الدولية و القانون الدولي
بجامعة جلين تشانتشونغ الصين
معهد الدراسات الاستراتيجية و العلاقات الدولية .

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button