دوى خبر اغتيال “اسماعيل هنية” رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران كالصاعقة في أوساط المهتمين والمحللين وخبراء العلاقات الدولية، الأمر الذي دفع البعض إلى وصف هذا الحدث بأنه رسالة استباقية لكل من حزب الله وفصائل المقاومة الإيرانية للتراجع عن دعم حماس وقياداتها في مواجهة سياسات إسرائيل التوسعية في قطاع غزة وخارجه، فيما رأى آخرون أنه محاولة إسرائيلية لتغيير وقلب دواليب عمل حركة حماس من الداخل والخارج على وجه الخصوص، حيث سعت إسرائيل بشكل دائم إلى تعطيل النظام السياسي الفلسطيني في تعاملها مع الحكومة الإسرائيلية، التي فشلت في تحقيق أهدافها من خلال شن الحرب على فلسطين وأراضيها، وكذاك تضييق الخناق على الفلسطينيين بشتى الطرق الممكنة من خلال عزل شعبها سياسيا وإقليمياً وتقسيمها جغرافيا ودولياً وذلك لكبح التعاطف الدولي مع الشعب الفلسطيني وإبقاء القضية الفلسطينية في حالة جمود سياسي.
ومن هنا يمكن القول بأن إسرائيل قد نفذت حرفيا أجندة الخارجية الأمريكية الرامية إلى تغيير الطابع الجيوإستراتيجي والسياسي لمنطقة الشرق الأوسط وإعادة تشكيل المنطقة وتوازناتها الإقليمية بشكل استراتيجي، وهي تسعى من خلال انتهاج سياسة جس النبض لإيران واستدراجها إلى دخول في حرب مع إسرائيل لتحقيق أهدافها الخارجية المعلنة من هذا التصعيد العسكري التي تقوم به إسرائيل حليفة الغرب.
صحيح أن الكثير من الخبراء والمهتمين بالشأن السياسي في الشرق الأوسط والمنطقة العربية ككل، يعتقدون أنه هناك توقعا واضحا بنشوب حرب بالوكالة بين إسرائيل وإيران، بدأت شرارتها بمقتل القائد الثوري أبو قاسم السليمانى، وصولا إلى السيناريو الأخير الذي تمثل في تحطم مروحية عسكرية تابعة للجيش الإيراني والتي كانت تقل على متنها وزير الخارجية الإيراني ورئيسها إبراهيم رئيسى، معلنة بذلك توجيه ضربة عسكرية على إسرائيل، لكن توقعات المجتمع الدولي كانت تشير إلى أن الرد الإيراني على إسرائيل لن يؤدي إلى نتائج إيجابية في وقف التصعيد العسكري الذي عمدت إليه إسرائيل منذ احتدام الحرب على غزة.
وكما هو معروف، لدى إسرائيل هدفان استراتيجيان في هذه الحرب؛ إطلاق سراح المختطفين بالدرجة الأولى تحت ضغط الرأي العام الإسرائيلي، وتحييد القوة العسكرية لحركة حماس، ناهيك عن رفض إسرائيل مطالب حماس بوقف إطلاق النار بشكل كامل وإطلاق سراح السجناء الأمنيين، لكن الواقع الذي غاب عن حكومة نتنياهو أن حماس ليست مجرد أشخاصا بل هي إيديولوجية فلسطينية تأسست من مفهوم التضحية من أجل استعادة حرية أرض فلسطين المحتلة إلى أصولها التاريخية والدينية، وأن الفلسطينيين مدركين بشكل كبير بأن مستقبل نتنياهو السياسي مرتبط بشكل مباشر بالحرب ومجرياتها.
وأخيراً، يمكن الافتراض أن جوهر الحرب على فلسطين من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية ليس القضاء على حماس وجبهة المقاومة الفلسطينية، بل إن مصلحة دولة إسرائيل هي في إسقاط حكومة نتنياهو، والدليل على ذلك أن حكومة نتنياهو هي التي قادت إسرائيل والإسرائيليين إلى هذا الوضع، في حين أن النخبة الإسرائيلية سعت باستمرار إلى تغيير علاقتها مع الشعب الفلسطيني بشكل كامل، إلا أن رئيس الوزراء نتنياهو وإدارته المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية يقفان عائق أمام تحقيق ذلك.