‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د جمال ايت لعضام*: سوريا ونظرية التحالف.. ما هي الأبعاد المستقبلية؟

تُعتبر الأزمة السورية التي بدأت في عام 2011 واحدة من أصعب وأعقد الأزمات التي مرت بها المنطقة العربية، وذلك بسبب التدخلات الإقليمية والدولية التي شهدتها، فقد تحولت هذه الأزمة من ثورة تطالب بالديمقراطية إلى حرب أهلية وصراع دولي بالوكالة، وقد لعبت التحالفات دورًا محوريًا في تحديد مسار النزاع وتأثيره الكبير على السياسة الخارجية في المنطقة، حيث تدخلت مصالح العديد من الدول الكبرى والإقليمية، مما أدى إلى ظهور توازنات جديدة في الشرق الأوسط، وامتدت تداعياتها إلى منطقة المغرب العربي.
يرى بعض المهتمين والخبراء أن نظرية التحالف في العلاقات الدولية، وخاصة تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية للدول، تشهد تغييرات كبيرة نتيجة لتتابع الأحداث والأزمات الدولية وتغير المواقف السياسية والجيو اقتصادية بين الدول. فقد أصبح الوضع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع تزايد تداعيات النزاعات الداخلية والإقليمية في بعض الدول العربية، يثير قلق هذه الدول حيال الأوضاع السياسية والأمنية المحيطة بها، وقد بدأ هذا القلق يتصاعد بشكل خاص بعد التغير المفاجئ في النظام السياسي في سوريا، حيث تمكنت المعارضة السورية من السيطرة على الوضع الداخلي، مما أدى إلى هروب الرئيس بشار الأسد إلى روسيا طالبًا الحماية الفردية واللجوء السياسي، هذا الهروب جاء بعد تخلي روسيا عن دعمه العسكري والاستخباراتي في سوريا لسنوات طويلة، مما يشير إلى أن هذا التخلي قد يُفند فرضية “نظرية التحالف” في العلاقات الدولية، خاصة مع وصول المعارضة السورية إلى سدة الرئاسة.
لا شك أن ما حدث في سوريا لم يكن مجرد صدفة، بل كان متوقعًا حدوثه بشكل حتمي. فقد كان مخططًا له من قبل أعداء روسيا وحلفائهم الصينيين، حيث كانت هناك توقعات وسيناريوهات سياسية واضحة في الغرب حول كيفية إعادة صياغة السياسة الخارجية للشرق الأوسط والخليج العربي، وقد كانت تلك التوقعات تنتظر، منذ البداية، تفعيل آليات تغيير الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط من خلال زعزعة الاستقرار الإقليمي في سوريا وفلسطين.
تُعاني سوريا، منذ عام 2011، من تداعيات الربيع العربي وما نتج عنه من عقوبات اقتصادية ومالية على الصعيد العالمي. كما شهدت البلاد تزايدًا في أعداد الجماعات المسلحة الإرهابية المدعومة خارجيًا، مما أدى إلى تصنيفها كدولة تعاني من التطرف تحت نظام ديكتاتوري قمعي دمر جميع مقومات الدولة المدنية والسياسية والاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، تم تهجير آلاف المدنيين وقتل العديد من السوريين الأحرار الذين ضحوا بكل غالٍ ونفيس من أجل بناء وطن ديمقراطي حر يضم جميع السوريين. وقد تلقت المعارضة السورية دعمًا كبيرًا من دول غربية، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، بالإضافة إلى بعض الدول العربية الإقليمية مثل قطر والسعودية، وذلك لمواجهة تنظيم داعش والنظام الأسدي الديكتاتوري.
كما هو معروف للجميع، فإن رحيل الأسد من سوريا لا يعني أن البلاد ستتحول إلى دولة ديمقراطية خالية من المشكلات الحكومية والنزاعات السياسية والأمنية الداخلية. بل إن سوريا اليوم تواجه العديد من التحديات التي تتطلب تضحيات وتوافقات سياسية بين الأطراف المعنية، مع التركيز على مصالح سوريا أولاً. يجب أيضاً تجاوز الحسابات السياسية الضيقة بين المعارضة وبقية الأطراف الطائفية، التي تسعى دائماً إلى تحقيق الأمن القومي ودعم الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.
من المحتمل أن تكون المرحلة المقبلة للحكم في سوريا صعبة للغاية على المدى القريب، خاصة في ظل الضغوط الأيديولوجية والسياسية والتباينات الجيوستراتيجية بين الدول الداعمة للمعارضة السورية، هذه العوامل ستؤثر على تجديد التحالفات وضبط التوازنات الإقليمية، خصوصًا في سياق العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وتركيا. ستستمر الولايات المتحدة في دعم بعض الفصائل المعتدلة من المعارضة السورية لمواجهة تنظيم داعش وما تبقى من مؤيدي نظام الأسد، بالإضافة إلى ذلك، ستظل تركيا ملتزمة بدعم المعارضة السورية ماليًا وسياسيًا، في محاولة لمنع إقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية مع سوريا، خاصة بعد صعود قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبرها تركيا جزءًا من حزب العمال الكردستاني، لذلك، ستبقى أنقرة تحت ضغط ما يُعرف بالتوتر التركي – الكردي.
بناءً على ذلك، أصبحت سوريا اليوم مركزًا لاختبار المعادلات السياسية والتوازنات الجيوستراتيجية بين القوى الكبرى والدول الصاعدة، مثل روسيا وأمريكا وإيران وتركيا ودول الخليج. فقد كشفت الأزمة السورية الحالية عن دور التحالفات في تحديد مصير السياسة الخارجية، وأثرت على مسار الصراعات السياسية الداخلية والدولية في سياق العلاقات الدولية. كما أدى التدخل الخارجي في الشأن السوري إلى تغيير مجريات الصراع الإقليمي، ورسم معالم خريطة جيوسياسية جديدة تعكس نموذجا لتداخل المصالح الخارجية والتوازنات السياسية الدولية في المنطقة العربية بشكل عام.

*أستاذ و باحث أكاديمي في العلاقات الدولية و القانون الدولي بجامعة جلين تشانتشونغ الصينية.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button