‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د. خالد الشطـيـبـي: مغاربة العالم بين انتكاسات التهميش وانتظارات الإنصاف ومحاسبة المجلس الفاشل

واقع الغربة سيل كاسح يتدفق كالشلال الجارف بدون هوادة ولا توقف. يلتفُّ حول خطوب الحياة ويفتح المسالك في شقوق الأحداث لينفذ بدون استئذان. ومثل النهر الهادر الذي يعرف مجراه، يزحف الخط الزمني للغربة نحو القادم من الوقائع والإكراهات.

ذلك شأن المهاجر في كل زمان ومكان ..

ورغم الميل الإنساني الطبيعي للاستقرار وصعوبة تحديات الغربة واستحقاقاتها، فقد تزايدت معدلات الهجرة والانتقال في السنوات الأخيرة، واضطرت عدة عائلات وأفراد لاتخاذ قرار الرحيل عن الوطن سواء بشكل مؤقت أو دائم.

وبالرغم من الفرص التي قد تتيحها الهجرة، فعادة ما تحمل معها سلسلة من التحديات المعقدة، خاصة في حالة وجود أبناء صغار أو مراهقين، يعانون في سبيل التأقلم في البلد الجديد، وهي معاناة تتضاعف في حالة اتساع الهوة الثقافية أو اللغوية بينهم وبين البلد الأم.

ارتباط مغاربة العالم بوطنهم الأم

ثمة حقيقة ساطعة تؤكد أن الجالية المغربية في الخارج هي أكثر جالية ارتباطا بوطنها الأم، ليس فقط من طرف الجيلين الأول والثاني، بل حتى من طرف الأجيال الجديدة التي ولدت وترعرعت خارج المغرب. وهذا موضوع مثير يستحق البحث والتعمق فيه أكثر من طرف الباحثين والأكاديميين وصناع القرار.

وارتباط مغاربة العالم بالوطن الأم لا يتجلى خلال فصل الصيف فحسب، بل إنّ أحد أبرز تجلياته كذلك هي التحويلات المالية التي يتم إرسالها على مدار السنة، سواء إلى الحسابات الخاصة في الأبناك المغربية أو كمساعدات إلى الأقارب والمحتاجين في المغرب، فضلا عن الدفاع عن قضايا الوطن العادلة في المحافل الدولية وبلدان الإقامة، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية.

إقصاء من المشاركة في تقرير حاضر ومستقبل بلدهم

نص الدستور المغربي لعام 2011 في الفصل الـ16 على أن المملكة المغربية تعمل على “حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنين والمواطنات المغاربة المقيمين في الخارج، في إطار احترام القانون الدولي، والقوانين الجاري بها العمل في بلدان الاستقبال”.

وجاء في الفصل الـ17 أنه: “يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات. ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية، المحلية والجهوية والوطنية”.

ومع ذلك، ظلت مشاركة مغاربة العالم في الاستحقاقات الانتخابية في بلادهم معلقة إلى اليوم، رغم دسترة هذا الحق، حيث لا يتعلق الأمر بإحداث دوائر انتخابية خارج المغرب، مما يعرقل مشاركة هذه الفئة في الانتخابات البرلمانية والجهوية والمحلية المنظمة ببلادهم.

تفاؤل حذر

مؤخرا أعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس عن إعادة هيكلة الإطار الخاص بالمؤسسات التي تُعنى بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، وسط ترقب حول مدى قدرة هذه الخطوة على حماية مصالح هذه الفئة التي باتت تحويلاتها تفوق سنويا 10 ملايير دولار.

سنسمح لأنفسنا بالتفاؤل هذه المرة، بعد تاريخ طويل من التهميش والإهمال، وتجاهل حقوق وتطلعات مغاربة العالم، لكي نجزم بأن الظرف قد حان أكثر من أي وقت مضى لتتحلى الحكومة والبرلمان الحاليين بالشجاعة الكافية من أجل تنزيل مضامين دستور 2011 المتعلقة بمغاربة العالم، والخطابات الملكية ذات الصلة، وآخرها خطاب المسيرة الخضراء (6 نوفمبر 2024)، وإشراكهم داخل الهيئات الاستشارية ومجالس الحكامة، ومطالبة الحكومة بالعمل على هيكلة هذا الإطار المؤسساتي، بناء على هيأتين رئيسيتين.

الأولى: هي مجلس الجالية المغربية بالخارج، باعتباره مؤسسة دستورية مستقلة، يجب أن تقوم بدورها كاملا، كإطار للتفكير وتقديم الاقتراحات، وأن تعكس تمثيلية مختلف مكونات الجالية. والمطالبة كانت واضحة وملحة بضرورة تسريع إخراج القانون الجديد للمجلس، في أفق تنصيبه في أقرب الآجال.

الثانية، إحداث هيئة خاصة تسمى “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج“، والتي ستشكل الذراع التنفيذي، للسياسة العمومية في هذا المجال.

محاسبة مجلس الجالية الفاشل والتماطل الحكومي منذ 2007

15 سنة مرت على تأسيس ما يسمى بـ “مجلس الجالية المغربية بالخارج”، وهي مدة طويلة تكفي كل ذي عقل رشيد لكي يحكم بفشل هذا المجلس في الاضطلاع بمهامه المحددة ضمن القانون المؤسس، بينما هي غير كافية بالنسبة لمسؤولي المجلس الذين يتشبثون بمناصبهم وكراسيهم الوثيرة وامتيازاتهم المقتطعة من دافعي الضرائب، ويطمحون لقيادة المشاورات المقبلة المرتقبة حول قضايا المهاجرين، الأمر الذي يرفضه معظم مغاربة العالم.

لقد راكم مجلس الجالية العديد من الإخفاقات طيلة عقد ونصف من الزمن، حيث فشل في تقديم الآراء الاستشارية والتقارير الإستراتيجية التي تشكل جوهر عمله، إضافة إلى فشله على مستوى الحكامة والتسيير، بدليل عقده لجمع عام واحد منذ تأسيسه، فضلا عن اشتغاله خارج منطق المحاسبة والمساءلة، والأكثر من ذلك وقوفه في وجه المشاركة السياسية لمغاربة الخارج انطلاقا من بلدان الإقامة، بل والمساهمة في بلقنة وتشتيت الجالية عبر إذكاء الصراعات وإفشال المبادرات وإحباط الجهود.

كل مسوغات وحقائق هذا الفشل الذريع، جعلت مجلس الجالية المغربية بالخارج من بين أكثر المؤسسات التي يُدينها الخطاب الملكي، إلى جانب أجهزة أخرى، الأمر الذي يدعو الدولة إلى إعادة النظر في تركيبته وتكوينه وطريقة اشتغاله، حتى لا تتكرر نفس كوارث الماضي.

إنّ التزام الحكومة الصادق هذه المرة وتعجيلها بتنفيذ مضامين الخطاب الملكي الأخير، لا يُنصف مغاربة العالم فقط، ولا يردّ الاعتبار لجالية لم تتخلّ يوما واحدا عن الارتباط بهويتها ووطنها الأم والمساهمة في تنميته والدفاع عن قضاياه ووحدته الوطنية فحسب، بل سيفسح المجال واسعا لاستفادة هذا الوطن من كفاءات وخبرات ما يزيد عن خمسة ملايين من أبنائه الموزعين في كل أنحاء العالم.

وإن غدا لناظره لقريب.

*باحث ومحاضر جامعي بـماليزيا

‏مقالات ذات صلة

Back to top button