إن قراءة أولية للصيغة الجديدة من مشروع النظام الاساسي المزمع إحالته على مجلس الحكومة قريبا للمصادقة والنشر في الجريدة الرسمية ودخوله حيز التنفيذ تحت الضغط والسرعة، تقود إلى خلاصتين ونتيجتين مع اقتراح.
أما الخلاصة الأولى فهي الحسم على ما يبدو من في مأسسة التوظيف الجهوي. وأما الثانية فهي الاصرار بوضوح على خرق تراتبية القوانين في منهجية إعداد هذا المشروع، وهو ما نبه إليه المجلس الأعلى في مشاريع أحالتها عليه الحكومة لإبداء الرأي، ونبهنا إليه غير ما مرة.
ذلك أن منهجية إعداد هذا المشروع خالفت مخالفة صريحة مقتضيات المواد 28-29-37 من القانون الإطار التي تنص على مسار واضح لمراجعة الأنظمة الأساسية لأطر المنظومة، يبدأ بإخراج اللجنة الدائمة لملاءمة وتجديد البرامج والمناهج، باعتبارها هيئة خبرة مستقلة، والتي لم تخرج لحد الساعة إلى حيز الوجود، رغم مرور ما يقرب من ثلاث سنوات على صدور مرسوم إحداثه
وإعداد الدلائل المرجعية لمراجعة البرامج والمناهج، وكذا الدلائل المرجعية للوظائف والكفايات التي ينص القانون على أن يتم إعدادها بتشاور مع المعنيين والفاعلين، وعرض كل هذه الدلائل على المجلس الأعلى للتربية والتكوين لإبداء الرأي فيها قبل المصادقة عليها ونشرها في الجريدة الرسمية، ومن ثم الاستناد إليها بعد ذلك في إعداد الانظمة الأساسية لكل فئات موظفي القطاع.
إلا أن ما يجري على الواقع مخالف تماما لهذه المسطرة، حيث تم القفز على كل هذه الخطوات القانونية الضرورية الملزمة، والذهاب مباشرة إلى إخراج مشروع النظام الاساسي لموظفي الوزارة، مما نتج عنه ارتباك في مسيرة تدبير هذا التغيير منذ انطلاقها قبل أكثر من سنتين، مما أفرز نتيجتين:
أما الأولى فهي ضيق الافق في تحديد فئات الموظفين بالقطاع، حيث انحصر المشروع في التنصيص على الوظائف التقليدية الموجودة حاليا، دون أن الأخذ بعين الاعتبار ما يوجد في التجارب الدولية من مستجدات في مهام التربية والتكوين، وكذا ما يمكن أن يستجد في المنظور القريب من مهن جديدة في ضوء الرقمنة والتحولات التي تعرفها بنية المدرسة على الصعيد الدولي.
أما النتيجة الثانية فتتجلى في تحديد المهام في كل وظيفة من هذه الوظائف في غياب الدلائل المرجعية للوظائف والكفايات التي ينص عليها القانون الإطار، وفي ظل غياب مراجعة للبرامج والمناهج التي ستكشف بالتأكيد عن مهام جديدة وأغلفة زمنية مختلفة عن ما يجري به العمل حاليا، وهو ما أفرز ارتباكا وتداخلا في المهام بين عدد من الوظائف (الأساتذة الباحثون والمفتشون) وفي الزمن المدرسي (زمن مختلف لنفس الفئة من اتحاد في المهام: الأساتذة الباحثون العاملون بمؤسسات تكوين الأطر والعاملين خارجها أنموذجا) وغير ذلك.
ولما تم الانتباه إلى هذا الخرق القانوني والفراغ الذي نجم عنه في الرؤية والمقترحات، مما يتوقع أن يضع الوزارة أمام احتجاجات فئوية وتشرذم في جسم موظفي القطاع في الوقت الذي تبدو الحاجة ماسة إلى تعاونها وتكاملها، أحالت الوزارة في المادة 68 من المشروع إلى “استطلاع رأي اللجنة الدائمة مستقبلا (علما بأن اللجنة ليست استشارية) في المقتضيات ذات الصلة بحصص التدريس مع استمرار العمل بالمقتضيات المعمول بها حاليا، وهذا يعني أن المنظومة ستدبر الى ذلكم حين بنظامين: جديد في مقتضيات، وقديم في مقتضيات أخرى ينتظر أن تعدل مستقبلا في ضوء خلاصات عمل اللجنة الدائمة ، التي ستنعقد- إن تم تنصيبها- بعد صدور النظام الأساسي ودخوله حيز التنفيذ، ليخضع هذا النظام الاساسي للتعديل مرة أخرى، (ليكون أكثر القوانين خضوعا للتعديل في أقصر مدة، في تاريخ التشريع المغربي).
كل هذه الاختلالات هي نتيجة طبيعية للقفز على مقتضيات القانون سالفة الذكر، والتي لا علاج لها الا بالرجوع اليه فذاك هو المسار الطبيعي لكل عمل مؤسساتي.
وإذا كان هذا المسار لا يتوافق مع رؤية الحكومة وأجندتها على ما يبدو، فما عليها إلا أن تسلك المسار الثاني وهو تعديل هذه المقتضيات في القانون، حتى لا يقع مشروعها تحت دائرة البطلان.
خاصة وقد أثبتت تجربة مراجعة القانون 07-00 التي مرت بكل المحطات التشريعية بسرعة البراق، أن الحكومة قادرة على تعديل ما تشاء من النصوص التشريعية بالطريقة التي تريد بكل يسر وسهولة.
وما سوى هذين الخيارين المتمثلين في الرجوع إلى جادة القانون الإطار ومنهجيته، أو مراجعته وتعديله، سيستمر مسلسل الارتباك القانوني في تدبير هذا التغيير الجوهري الذي يعتبره الجميع بوابة الإصلاح وركيزته.