Reshma Ramesh ـ
جاءت الشاعرة الهندية ريشما راميش من مدينة أودوبي ، الهند لتُقدِّم لنا الصورة الحديثة للمرأة الهندية ، والصورة الشعرية الحديثة الموجودة في بلد ذات تاريخ ثقافي وحضاري عريق كالهند، فهي شاعرة هندية تتحدث وتكتب بلغتين، الكانادية والإنجليزية، لكنها تكتب قصائدها الشعرية باللغة الإنجليزية فقط ؛ ليصل صوتها الشعري إلى أبعد نقطة في العالم ، ولتُثبت أن المرأة الهندية لا تكتب أو تتحدث باللهجات الهندية المتعددة فقط، بل باللغة الإنجليزية أيضًا، فالشاعرة ريشما راميش تُؤمن بأن رسالة الشاعر ليست قصائده الشعرية والإمتاع والإثراء الأدبي، بل رسالته أعمق من ذلك بكثير ، وهي نقل صورة صحيحة لبلده إلى مناطق مختلفة من العالم، أي أنه بمثابة سفير لبلده فيأنحاء العالم كافة.
ريشما راميش ليست فقط شاعرة بل هي في الأساس طبيبة أسنان ،كما أنها تحب التصوير الفوتوغرافي حيث إنها تصطحبُ كاميرتها الخاصة في أسفارها لتصوِّر ما هو طبيعي وخاص، فهي تحب تصوير المناظر الطبيعية المليئة باللون الأخضر والجبال والأنهار ، وربما يرجع ذلك إلى طبيعة مدينتها أودوبي والهند عُمومًا ، كما أنها تحب الظلال والمشاهد الحياتية التلقائية المُعبِّرة ؛ كلعب الأطفال تحت المطر أو على رمال الشاطىء أو في البحر وهم يلامسون أمواجه بعفوية وعذوبة، ومن خلال قراءتي شعر ريشما وجدت حبها لكل تلك الأشياء مُنعكسًا في قصائدها.
تتنوَّع تيمات قصائد الشاعرة ريشما راميش، بين الطبيعة بشتى صورها المتمثلة في البحر والنهر والرمال والجبال والقمر وبين الحُب والوحدة والذكريات والحزن أيضا، كما أن تأثرها بجدها وجدتها قد ظهر جليًّا في بعض قصائدها مثل قصيدة ”يداها” Her Hands التي تحدثت فيها عن جدتها وتأثيرها الكبير عليها وعلى تشكيلها وتكوينها النفسي منذ الطفولة، وتحدثت عن جدها أيضا في قصيدة ‘’الأشياءالتي تركها وراءه” Things that He Left Behind، وذكرت فيها ذكرياتها الخاصة معه وآثاره الباقية فيها بعد وفاته.
أما عن لغتها، فهي تمتاز بالبساطة والسُّهولة والعُمق معًا، لا تحار في فهمها برغم عمقها، وفي الوقت نفسه نصوصها الشعرية ملأى بالصور الجمالية والتشبيهات المألوفة تارةً وغير المألوفة تارة أخرى، لا تتبنَّى شكلًا شِعريًّا مُحدَّدا ، ففي بعض الأحيان تكتبُ جُملًا شعرية طويلة وقصيرة في أحيانٍ أخرى، ولا تتبنَّى شكلًا شعريًا محدَّدًا، فهي من مدرسة الحداثة سواء في الشكل أو المضمون، تكتب شعرا حرامعبِّرا، فهي ابنة الفطرة والعفوية والصدق، تكتبُ جُملًا شعريةً تمتع روحها غير آبهة بوزن أو قافية فهي لا تقيد فيض مشاعرها من أجل شكل قصيدة محكم ومقفَّى، إذْ تؤثِر المعنى عن الشكل، والصدق عن البناء ، ومع ذلك، فقد نجحت في بناء قصيدة حديثة الفكرة والشكل والبناء.
كما لاحظت أن معظم عناوين قصائدها تتكون من كلمةٍ واحدة، ومن يقرأ شعر ريشما راميش، سيلاحظ أنها تنتقي مفرداتها بدقة متناهية، فهي مفردات حديثة، إذْ تميلُ إلى الحداثة ليست فقط في الشكل والبناء بل وأيضا في المفردات، وربما يرجع ذلك أيضا إلى كثرة أسفارها إلى العديد من البلدان وحضورها الكثير من المهرجانات الدولية التي تلتقي فيها شعراء من مختلف أنحاء العالم ومعرفتها بالمدارس الشعرية الحديثة المتنوعة.
وفي حوارٍ لريشما مع الصحفية الهندية سوميا رچارام Sowmya Rajaram في الصحيفة الهندية ” بنجالور ميرور” وهي صحيفة يومية هندية تصدر باللغة الإنجليزية, اعترفت أنها كانت لا تميل إلى الشعر منذ الطفولة حيث كانت تخسر درجات كثيرة لأنها لم تستطع حفظ القصائد الشعرية لتكتبها في الامتحان، وأنها اكتشفت حبها للشعر بمحض المصادفة عندما أصرت صديقتها رؤية ما تكتبه، فأبدت إعجابها الشديد بشعرها ونشرته في موقع أدبي شهير ونال إعجاب الجميع ومن هنا بدأت انطلاقات ريشما في كتابة الشعر ، وقالت إن كثيرًا من الناس كانت تتعجب من كونها طبيبة وشاعرة هندية تتحدث وتكتب باللغة الإنجليزية أيضًا ، وكانوا يتعجبون أيضا من كثرة أسفارها إلى الخارج وحدها ، حيث كان معروفًا عن المرأة الهندية أنها امرأة مقهورة لا تمارس حقوقها في الحياة الاجتماعية والعملية، ومن هنا آمنتريشما أن هدفها ليس فقط نقل صوتها الشعري إلى العالم بل وتصحيح الأفكار السائدة الخاطئة عن المرأة الهندية.
الشاعرة الهندية ريشما راميش قدَّمت بكل سلاسة وعذوبة نموذجًا حديثا للشعر الهندي الذي لم نعرفه إلا قديما عن طريق الشاعر الهندي طاغور الحائز على جائزة نوبل في الآداب عام١٩١٣، ومنذ ذلك الحين لم نتطرق أبدا إلى الشعر الهندي أو الآسيوي بصفة عامة، حيث اهتمام العالم أصبح مرتكزًا فقط على الشعر الإنجليري والأمريكي والفرنسي والإسباني، على الرغم من أن آسيا تشكل جزءا مهما وحيويًّا في العالم في كل المجالات العلمية والأدبية والاقتصادية والسياسية.
ذِكريَاتٌ(Memories)
عِندَمَا تَترُكُ مَكَانًا
فإنكَ تَتَرُكُ وراءَكَ دِفئِهُ.
تَتَرُكَ خَلفَكَ أورَاقًا مُتَساقِطَةً
رَائِحَةَ ضَفائِر اليَاسَمِينِ
وابتِسَامَاتِ البطِّيخِ.
وأطفَالًا غُطِّيتْ أيادِيهُم بالسُّخَامِ،
كِلابًا في المَطَرِ،
أناسًا يرتَدُونَ مَلابِسَ أنيقَةً
لم يعُودوا يَكتِبُونَ رَسائِلَ.
ومَنزِلًا بِستِ نَوافِذَ
درَّاجةً مُستَنِدةً على حَائِطٍ
مقَاهيَ مَليئةً بخُبزٍ دافِىءٍ
وبِضعَ ذِكريَاتٍ تَنساها
بعد نُزهَةٍ صَغِيرَةٍ مع زِحامٍ.
لتَلمَسَ فقط تِلكَ الأمَاكِنَ التي لامَسَتْهَا الشَّمسُ(مَائِلةٌ قليلًا).
عِندما تَترُكُ مكَانًا تُصبِحُ عاريًا بملابِسَ دافِئةٍ،
وتَتحوَّلُ المَسَافةُ إلى ذِكرَى صبيٍّ في مَكتَبةٍ
وعدم مُلاحظَتِكَ أبدًا لفَتَاتَيْنِ تُلَوِّحَانِ لكَ وداعًا
ومعالِمَ بيضاءَ صفْراءَ تَمحُو اسمَكَ.
ظِلٌ(Shadow)
حَلَّ المَسَاءُ
تَرَكتُ الظِّلَّ يأخذُ مَكاني الآنَ.
المَطَرُ لا يَغرِقُ الظِّلَّ
ولا يُسَمِّرُ الغَسَقَ أبدًا.
والَّليلُ يَبتَلعُهُ كأنَّهُ لم يكُن هُناكَ
كأنَّني لم أكُنْ هُناكَ.
إذا أردتَ أن تتعلَّمَ فنَّ الاختِفاءِ
فتَبنَّ الظِّلَّ.
فالظِّلُ لن يَحسِدَ شَجرًا
ولا بِذرَةً مُتوَاضِعةً مُجَنَّحةً مِثلي.
لن يَجلِبَ البِرَكَ إلى المَنزِلِ
كَتِذكَاراتٍ ويَخنِقَها بالكَلِمَاتِ.
ولن يتَخيَّلَ أن هُناك منزِلًا
ليَعُودَ إليهِ كُل يَومٍ
حيثُ يُمكِنُهُ كِتابةَ رَسائِلَ الحُبِّ
واحتِساءِ الشَايِّ.
سَيجلِسُ فقط بِجوارِ نَافِذةٍ
يُحاولُ أن يَكُونَ شَخصًا آخرَ.
الحُبُّ(Love)
عرِفتُ الآنَ أنَّ الحُبَّ لِسانٌ
لا يُمكِنُهُ أن يَتَكلَّمَ.
الحُبُّ كِتَابةُ شِعْرٍ لِشَجَرةٍ
الحُبُّ مِلْحُ جَدَّتِي في مُخلَّلكَ
الحُبُّ رُمَّانةٌ تَنزِفُ لأَجلِكَ.
الحُبُّ صَبرُ مِنشَفَةٍ تَنتَظِرُ لأجلِكَ.
الحُبُّ أيَادي مَطَرٍ
تَملأُ فَلَّاحًا بأملٍ.
الحُبُّ ضوءُ شَمْسٍ
في عُشِّ عُصفُورٍ.
الحُبُّ نَبضٌ
يَخفقُ في عُروقِكَ.
الحُبُّ أن تتعلَّمَ كِتابةَ اسمِكَ
في سنِّ الخامسةِ والستِّينِ.
الحُبُّ نَبتَةٌ تَخرُجُ من بِذرَةٍ.
الحُبُّ جَرحٌ مُندَمِلٌ
تُقدِّمُهُ له طَوعًا
ليفتَحَهُ مرَّةً أُخرى.
الَّليلُ (The Night)
الَّليلُ نَهْرٌ يَلتقِي فيه الجَسدُ
بالرَّغبةِ المُحطَّمةِ
لينقَسِمَا إلى أودِيةِ مَعَابِدَ نَاعِسَةٍ.
الَّليلُ تَيَّارٌ من الكُرُومِ
يَملأُ الثِّمارَ النَّاضِجةَ
بالنَّبيذِ المُعَتَّقِ
بعد يَومِ عَمَلٍ طَويلٍ.
الَّليلُ حُزنُ قَشٍّ نَاعِمٍ
يَدفِنُ الضَّوءَ من مِصباحِ زَيتٍ
في شَفَتَيكَ المُتَحرِّكتَيْنِ.
الَّليلُ عَودةٌ غَرِيبةٌ
إلى الفَراغِ،والبَحرِ النَّاعسِ
كعينيْنِ لا تَملُّ من النَّظرِ إليهما
كوَقتِ الرَّحيلِ
كعاشِقيْنِ يلدان قُبلةً بِهدوءٍ
ليدفنا مُحَادَثةً.