(فيليس ماجينلي Phyllis McGinley بين الخيال الجامح وأحلام اليقظة) ــــــــــــــ
اشتهرت الشاعرة الأمريكية فيليس ماكجينلي بالشعر الخفيف الغريب الأطوار ، وامتازت بتصويرها الدافىء والمُدهش للضواحي التيانتقلت إليها بعد زواجها عام ١٩٣٧.
كانت ماكجينلي تدافع عن ربات البيوت ودورهن في إقامة أسر سعيدة وذلك بتفرغهن الكامل لتربية الأطفال ورعايتهم والتفرغ أيضالإدارة شئون منازلهن في الوقت نفسه الذي توجه فيه النساء إلى القوة العاملة وكانت أيضًا بداية الحركة النسوية الثانية؛ لذا ،كتبتماكجينلي في ذلك الحين الكثير من القصائد والمقالات التي عبَّرت من خلالها عن رؤيتها للمرأة ودورها الأهم في الحياة في أن تكون ”ربة منزل”.
ففي سنة ١٩٦٤ نُشر كتابها ”Sixpence in her Shoe’’ الذي أكدت فيه أن المرأة المتعلمة قد تجد سعادتها المُطلقة في منزلها و رعايةأطفالها و كان هذا الكتاب بمثابة رد مباشر على بيتي فريدن (١٩٢١-٢٠٠٦)و هي كاتبة و ناشطة و نسوية أمريكية و تعتبر شخصية بارزةفي الحركة النسوية في الولايات المتحدة الأمريكية و يُنسب الفضل في إشعال الموجة النسوية الثانية بالولايات المتحدة الأمريكية لكتابها ” اللغز الأنثويّ” The Feminine Mystique الذي أشارت فيه إلى أنه من المستحيل أن تجد المرأة المتعلمة الذكية
سعادتها الحقيقية في بقائها بالمنزل، بينما باعت ماكجينلي من كتابها ‘’Sixpence in her Shoe’’أكثر من مائة ألف نسخة وظل في قائمة الكتب الأكثر مبيعًا , Best seller, لعدة شهور.
ولدت فيليس ماكجينلي في أونتاريو بالولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٠٥ وتوفيت في نيويورك عام ١٩٧٨.التحقت بأكاديمية ” القلبالمُقدس ” Sacred Heart وتخرجت في مدرسة أوجدن Ogden الإعدادية وأخيرا من جامعة يوتا Utah. بدأت الكتابة بجدية أثناءدراستها في الجامعة واشتركت في مسابقة جامعية تقدم جوائز نقدية لأفضل القصائد الشعرية والقصص القصيرة والمقالات ، وقدمت أعمالها في جميع الفئات الأدبية بأسماء مستعارة وفازت مرتين في جميع الجوائز .
وفي هذه الأثناء بدأت إرسال شعرها إلى مجلات بنيويورك وبعد أن باعت بعضًا من قصائدها قررت الانتقال إلى نيويورك عام ١٩٢٩. حيث عملت مؤلفة إعلانات بإحدى وكالات الإعلانات وأيضًا مُحررة شعر لمجلة تاون آند كانتري Town and Country.
بعد زواج ماكجينلي من تشارلز هايدن عام ١٩٣٧ انتقل الزوجان إلى مدينة لارشمونت بنيويورك حيث أثَّرت السكنى في الضواحي و ثقافةالمدينه التي عاشت فيها ، على الكثير من كتابات ماكجينلي.نُشر ديوانها الشعريّ الأول عام ١٩٣٤ وتبعه بعد ذلك سبعة عشر كتابًا. وانتخبت ماكجينلي للأكاديمية الوطنية للفنون و الآداب عام ١٩٥٥ وكانت أول كاتبة تفوز بجائزة البوليتزر بوصفها أول كاتبة للشعر الخفيف” Light Verse’’عن مجموعتها ” Times Three:Selected Verse from Three Decades with Seventy New Poems” عام ١٩٦١ و لديها العديد من الكتب الشعرية : ” اعترافاتٌ لمتفائلٍ متردِّد” Confessions of a Reluctant Optimist عام١٩٧٣ و ” رسائل حب ” Love Letters عام ١٩٥٤و ” حجارة من منزل زُجاجيٍّ” Stones from a Glass House عام ١٩٤٦ وكتبت ماكجينلي أيضًا العديد من المقالات وكتب للأطفال بالإضافة إلى مُنجزها الشعري.
تلقَّت ماكجينلي بعض النصائح من كاثرين وايت، وهي محررة للروايات بنيويورك ؛ حيث قالت لها ، إنها ستشتري قصائدها وسألتها عما إذا كانت ستستمر في كتابة الأغاني نفسها الحزينة، ومن هنا بدأت ماكجينلي الاتجاه إلى كتابة الشعر الخفيف.
امتاز شعر فيليس ماكجينلي بروح الدُّعابة و الخيال الجامح ، فتشعر أحيانًا أثناء قراءتك لبعض قصائدها بأن عقلها الباطن هو من يكتب قصائدها الشعرية من فرط جنون وجموح أفكارها وخيالها ومشاعرها مُعبِّرا عن أحلامه ورغباته المدفونة من دون قيد أو تحكُّم منها، وهذا يدلُّ بأنَّ شِعْرَها الخفيف كان نتاجًا أيضا لشخصيتها العفوية الصادقة الخالية من التعقيد ، فكتبت قصائدها بصورة تلقائية وفيها بعضمن العشوائية التي يتسم بها الإنسان العادي في حياته اليومية وأعطى ذلك كثيرا من المصداقية لكتاباتها الشعرية وجعلتها قريبةً من قلوبقرائها، وبرغم بساطة وعفوية لغة ماكجينلي فإنها تندرج تحت نوع ” السهل الممتنع” وذلك لكثرة استخدامها للرموز Symbols ، فيُخيل للقاريء في بعض الأحيان أنه سيقرأ قصيدة خفيفة سهلة و عندما يغوص في بحر القصيدة ، يجد رموزا شتَّى تترك القاريء في حيرةٍ من أمره تجعله يطلق العِنان لخياله و يسرح بعيدا و يرسم صورةً في مخيلته طبقا لما قرأه واستشفهه من قراءته القصيدة، ومن الصعوبات التيقد يجدها القارىء العربي في قراءته لبعض قصائد ماكجينلي أنها استخدمت العديد من المصطلحات الدارجة في لغتها و بيئتها الأمريكية والتي تتطلب من القارىء العربي أن يكون على وعي كامل باختلاف الثقافات (الثقافتين العربية و الأمريكية ). ففي قصيدة ”تأمُّلات فجرية” Reflections at Dawn ، ذكرت ” Quilting Bee’’ وهو مصطلح دارج يستخدمه المجتمع الأمريكي للتعبير عن التجمُّعات الاجتماعية لتنفيذ مَهمَّة ما ولا يقابله في اللغة العربية مصطلح مساو له ومن هنا إذا كان القاريء العربي لا يعرف معنى هذا المصطلح في المجتمع الأمريكي سيشعر بالتيه وسيترجمه على سبيل المثال ” النحلة المطرزة” وسيبتعد تماما عن المقصود بهذا المصطلح.
في فترةٍ ما ، قورنت ماكجينلي بالكاتب و الشاعر الأمريكي أوجدن ناش (١٩٠٢-١٩٧١) و أيضا بالشاعرة و الكاتبة و الناقدة الأدبية دوروثي باركر (١٨٩٣-١٩٦٧) و لكن هذه المقارنة رُفضت من قبل الكثير من النقاد مؤكدين بأن ماكجينلي لها شخصية خاصة متفردة تصلإلى القارىء و في حوار ٍ خاص لها وصفت نفسها بأنَّ لديها ” وجه واحد للعبقرية ، وجه واحد فقط ، لديَّ قدرة لا نهائية على تحمُّل الألم وشغفي الوحيد هو الشفافية و الوضوح .أعتقد أنني كنت شخصًا مفيدًا في وقتٍ ما عندما أصبح الشعر ملكًا للجامعات و ليس لعامة الناس، و أصبح لديَّ عدد كبير من القراء ”.سطور قليلة لكنها مُعبرة ، فهي تعبر عن شخصية ماكجينلي المُعتدة بنفسها التلقائية الواعيه بقيمة ماتقدم من فنٍّ شعريٍّ هادفٍ يصل إلى أكبر عدد من القراء و لجميع الفئات
وأنا أبحث في سيرة الشاعرة لم أجد أحدا قد ترجم لها نصوصا إلى العربية على الرغم من مكانتها وشهرتها في تاريخ الشعر الأمريكي ، وبهذا البورتريه قد ألقيت الضوء على شاعرة أمريكية لها ثِقَلها في المجتمع الأمريكي و أدخلتها في ساحة الأدب و اللغة في المجتمع العربيللتعرف إلى شعرها و لغتها و أسلوبها .قد يجد بعض القراء في المجتمع العربي صعوبة في نطق اسم (McGinley) لوجود حرفي ال C وال G معًا في الاسم و لكن في الواقع حرف ال “C” لا يُنطق في اللغة الإنجليزية و بالتالي يُنطق الاسم في اللغة العربية ب ماجينلي و لكنهيُكتب ماكجينلي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تَأَمُلاتٌ فَجريَّةٌ (Reflections at Dawn) :
أتَمَنَّى لو كَانَ لَديَّ فُستَانٌ من الساتَان
يُصَنَّعُ بُنَاءً على طَلَبِي في دُيُور.
أتَمَنَّى لو كَانَ وَزْنِي أَقَلَّ قَلِيلًا؛
و يُمكِنُنِي قِرَاءةُ اللُّغَةِ اللَّاتِينِيةِ.
أَنْ يَكُونَ لَدَيَّ طَبَقةُ صَوْتٍ مِثَالِيةٌ ؛ أو أسنَانٌ كلآلىءَ مُتساويةٍ ؛
أَنْ أَتَتَبَّعَ اتِجَاهَاتِ الشَّوَارعِ
و مَعِي سَبعُ بَنَاتٍ شقراوت
شَعُورُهُنَّ
مُجَعَّدةٌ .
كُنتُ أتَمَنَّى لو أسْمَرُّ بَدَلًا من أَنْ أَحتَرِقَ.
لَكن مَعَ سُطُوعِ كُلِّ تِلك النُّجُومِ؛
أَتَمَنَّى لو كَانَ بِإمكَانِي أَنْ أتَعَلَّمَ ،
أَنْ أَجلِسَ و أنْصِتَ في الحَفَلاتِ.
أتَمَنَّى لو أنَّني لم أَتَحَدَّثْ كَثِيرًا في الحَفَلاتِ.
الأَمرُ لَيسَ مُتَعَلِّقًا بِرَغْبتِي في الإِنصَاتِ؛
فَصَوْتِي يَقْتَحِمُ كُلَّ أُذْنٍ ،
يَعْلُو مُرتَفِعًا بحَزمٍ ووضُوحٍ
على هذا التَجَمَُعِ الفَوْضَوِيِّ.
بِبسَاطَةٍ بمُجَرَّدِ قَرعِ البَابِ؛
(كُنتُ هَكَذا مُنذُ أَنْ كُنتُ صَغِيرةً)
يُصِيبُ لِسَانِي بَعضُ الجُنُونِ ؛
و أبدَأُ في الثَّرثَرةِ.
البُوفيهُ و الحَفْلُ الرَّاقِصُ و الَمَأدُبةُ والتَجَمُعَاتُ
الاِجتَمَاعِيَةُ ،
واستِمرَارُ المُحَادَثَةِ أينَمَا كانت ،
لماذا أشعُرُ بأَنَّ
كُلَّ هذا يَقَعُ على عَاتِقِي
لأُحَافِظَ على استِمرَارِ الأشيَاءِ؟
على الرَّغمِ من
أنَّ النِسَاءَ أذْكَى مِنِّي ؛
ويُمكِنُهُن أَنْ يَتَبَخْتَرنَّ بِصَمتٍ
ونُعُوَمَةٍ و بَلاَدَةٍ.
فأيًّا كان المَوضُوعُ المُتَنَاوَلُ ؛
فَأنَا أكبَحُ جِمَاحَهُ
أتَمَسَّكُ بِالفَنِّ و نَقْدِ المَسرَحِ ،
أو أُثَرثِرُ عن السِّيَاسةِ ؛
كطِفلٍ في رِيَاضِ الأَطفَالِ ؛
حتى أُثيرَ غَضَبَ ؛
شَرِيكِي في العَشَاءِ.
أتَمَنَّى لو أنَّني لم أَتَحَدَّثْ كَثِيرًا في الحَفَلاتِ.
عِندَمَا تَحْتَدُّ النِقَاشَاتُ ،
آه؛ هَلْ كَانَت لدَيَّ الفِطْنَةُ،
لأَجْلِسَ مُحتَجَّةً على السُّورِ،
وأَتْركَ الفُرصةَ لِمَنْ يُرِيدُ
أَنْ يُعَبِّرَ عَن رَأيهِ ;
بَدلًا مِن الانغِمَاسِ في المُشَاجَراتِ،
و عَرْضُ آرَائِي،
حَتَّى يَفِرَّ جَمِيعُ السَّادةِ بَعِيِدًا ,
لِيَلحَقوا بالبَلَدِ مُبَكِّرًا.
آهٍ، هُناك العَدِيِدُ من النِّعَمِ المُرتَقَبةِ ،
هذا المَصِيرُ قد يَجعَلُنِي أَدُورُ في فَلَكِهِ.
أتَمَنَّى لو كَانَ بِإِمكَانِي النَّومَ حَتَّى الظَّهِيرةِ،
و أعزِفَ على الكَمَانِ ،
أو أرقُصَ على مَتْنِ سَفِينةٍ سِيَاحِيةٍ خَفِيفَةٍ للغَايَةِ,
لم يَهُز مِثقَالَ ذَرَّةٍ واحِدَةٍ .
و لكن عِندَما أَتَأمَّلُ ؛
كيف وَضَعتُ القَانُونَ
اللّيلَةَ المَاضِية،
كان أكثرَ مِنْ مُجَرَّدِ لَمْسِةِ مِيدَاس،
أو ثَنَاءِ نُقَّادٍ ، مهمَا يكُنْ حَارًّا.
أتَمَنَّى لو أنَّني لم أَتَحَدَّث كَثِيرًا.
أتَمَنَّى لو أنَّني لم أَتَحَدَّثْ كَثِيرًا،
أتَمَنَّى لو أنَّني لم أَتَحَدَّثْ كَثِيرًا،
عِندَمَا أَكُونُ في حَفْلَةٍ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرجلُ الغاضبُ (The Angry Man)
بِالأَمْسِ صادَفْتُ
رَجُلًا غَاضِبًا في الشَّارِع.
رَجُلُ الغَضَبِ ، رَجُلُ الحَرْبِ
رَجُلٌ يَحْمِلُ بِقُوَّةٍ لاَفِتَةً على كَتِفَيه كأنَّها رُمْحٌ
عُنوَانُها ”التسَامُحُ” .
عِندَمَا سألتُهُ عَنْ سَبَبِ مَشْيِهِ
عَابِسًا هَكَذَا على طَرِيِقِ الإنسَانِ،
أجَابَ عَابِسًا،” أنَا مَنْ يِدَافِعُ عَنْ
الحُرَّيَةِ الكَامِلةِ
فالتَعَصُّب ،سَيدَتي ، وَضْعٌ
لا يَتَحَمَّلهُ رَجُلٌ مُتَسَامِحٌ
مِثلِي .
صَرَخَ قَائِلًا ، ” مَنْ سَيُقَدِّر الآَراءَ المُعَارِضَةَ
عِندَمَا أُقَابِلُ المُحْتَالِيِنَ.
سَيدَتِي ، هكذا،
وبِهَذا الوَضْعِ،
سأُقَاتِلُ بِضَراوَةٍ
مَعِي لاَفِتَتِي ؛
حَتَّى يَطلُبُوا الرَّحمَةَ سَيدَتِي.
فانْهَمَرَتْ ضَرَبَاتُهُ بِغَزَارَةٍ و فَخْرٍ
على الأَعدَاءِ المُتَوَقَّعِينِ.
التَفَتُّ خَائِفَةً تَركْتُهُ هُنَاكَ،
ما زَالَ يُتَمتِمُ و هو يُقَاتِلُ الهواءَ ،
”فَليَحذرُ المُتَعَصِّبُ”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التَوقيتُ الصَّيفيُّ (Daylight Savings Time) :
عِندَمَا تُصبِحُ بَرَاعِمُ القَيْقَبِ حَمرَاءَ في الرَّبِيعِ،
نُقَدِّم السَّاعةَ سَاعةً واحِدَةً ،
و هَذَا يَعنِي أنَّهُ كُلَّمَا أتى شَهرُ أبْرِيل ،
نَخْسَرُ سَاعَةً مِنْ حَيَاتِنَا.
مَنْ يَهتَمُّ؟عِندَما تُطِيِرُ طُيُورُ الخَريِفِ
جَنُوبًا في مَجمُوعَاتٍ ،
نُعِيدُ السَّاعَاتِ إلى الوَراءِ ثَانِيَةً،
وهَكَذَا نَستَعِيدُ شَيْئًا مُدهِشًا،
تِلك السَّاعَةَ المَفقُودةَ التي
فَقَدنَاهَا في الرَّبِيعِ.