‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د عبد الحكيم الزاوي: عبد الكبير الخطيبي.. منسي المثقفين

عبد الكبير الخطيبي كاتب متعدد. يحضر في الشعر والفن والنقد الأدبي والتاريخ كما يتردد اسمه كثيرا عند مختصي علم الاجتماع…يُظهر التنوع أن الخطيبي تملَّك تكوينا فكريا قاعديا، جعله من المؤسسين الأوائل لدرس “سوسيولوجيا الثقافة الشعبية”…وقد نتفق، بلا شك، أن مقالة “سوسيولوجيا العالم العربي” الفتح الأكبر ضمن ريبرتوار الخطيبي. ضمن هذه المقالة صرف الخطيبي جُهده الفكري لتأسيس أرضية منهجية جديدة لما سماه ب”النقد المزدوج”. النقد الذي يعمل على تفكيك البناء المفهومي للمعرفة، فضلا عن إعادة النظر في الرؤية المتمركزة حول الذات والآخر في الوقت نفسه.
يؤمن الخطيبي بأن السوسيولوجيا صناعة ثقيلة موكول إليها ممارسة فعل الهدم وإعادة البناء حتى تتأهل لممارسة فعل التجاوز؛ تجاوز السيطرة الثقافية. وعن طريق فعل الهدم وإعادة البناء تنتقل السوسيولوجيا إلى أن تصبح كتابة جديدة للتاريخ والعلم والإيديولوجيا…لقد منح الخطيبي للسوسيولوجيا التاريخية فائض القيمة والاعتبار الذي يعطيها فعل تهشيم مختلف أشكال التمذهب الوظيفي والايديولوجي الذي يسيطر بقوة على مباحث العلوم الاجتماعية.

يلتصق اسم الخطيبي عند جمهور الباحثين بمفاهيم مركزية: النقد المزدوج، المغرب الكبير المتعدد، الاسم العربي الجريح…يُصنف المؤلف الأخير ضمن المراجع الأكثر حضورا ضمن منجز السوسيولوجيا المغربية. من خلاله، يقف الخطيبي عند الأمثال، الوشم، بلاغة الجماع، الحكاية الشعبية، الرسم الخطي…وهي مواضيع سوسيولوجية تعرضت لتحريم مزدوج، من العلماء أولا، ومن اللغويين ثانيا. ويكفي أن نقرأ التقديم الذي صاغه رولان بارت عن الكتاب: “وهنا يمكن لفرنسي مثلي أن يتعلم شيئا من الخطيبي. إننا لا نستطيع أن نفعل ما يفعله “يتأسس درس الخطيبي على تعددية في الأنظمة الدلائلية الشعبية، وتتجمع هذه التعددية في مشروع الخطيبي في ثلاثة محاور كبرى: محور دلائلية خطية ينفتح على الوشم والخط، ودلائلية شفوية من خلال تحليل الحكايات والأمثال، ودلائلية ترتبط بعلاقة الجماع وأحاديث غرف النوم…ظل الخطيبي يتوسل بأسلوب المقابلة الخاصة من أجل إسماع صوت الهامش والمهمش داخل العلوم الاجتماعية.

ففي كتابه “تفكير المغرب” يشتبك الخطيبي مع سلوك المغاربة اليومي، ويقف عند علاقة المغاربة الهادئة مع الزمن والوقت. يجري المغربي لكي يصل متأخرا، وحينما يصل متأخرا يكون تعليله لذلك إلقاء المسؤولية على الآخر. وعلى نحو مماثل، لا ينظر المغربي إلى القانون وجها لوجه، يحترمه وينتهكه في آن دون أن يخلق له ذلك أي توجس، كما يحترم السلطة والتراتب بشكل مبالغ فيه، لكنه حينما ينتفض فإنه يأتي على كل شيء. ينتصر الخطيبي إلى القول الذي يعتبر المغربي كائنا اشكاليا وتجزيئيا. يعاني من ازدواج في الشخصية ويمتلك صورة هشة عن ذاته، حينما يكون وسط الجماعة يُظهر المناورة والذكاء والدهاء، وحينما يخلو إلى نفسه يصير خنوعا ومتواكلا…يطلق عموم المغاربة عبارة “مكاين مشكل” وهي عبارة سحرية تعالج كل شيء، لكنها لا تعالج أي شيء.

‏مقالات ذات صلة

Back to top button