لا يُنكرُ أحدٌ ما للعامّيةِ من أثر حَسَن في مرافقَة العربية الفَصيحَة وحمايتِها في حالِك العهود الاستعمارية القَديمة والجديدَة. ولا تُنكرُ قيمتها في كونِها مَلجأ ومُستَقراً للناطقين بالعربيّة وبغيْرِها من أبناء الوَطَن ممن أعْيَته سبُلُ تعلُّمها أو فاتَه ذلِك.
ولا يُنكرُ أحد أنّها لغة التواصُل الاجتماعيّ اليَوميّ ولغة حَديثِ النّفسِ والبَوحِ العاطفيّ وكلِّ ما هو متصلٌ بخاصَّةِ الناطقِ بها.
ولكنّ الذي نُنكِرُه أشدَّ الإنكارِ أن تُتَّخَذَ العامّيّاتُ أبدالاً، فتُجعَلَ لغاتِ الثقافَة والتطوّرِ العلمِيّ، وهي في ذلِك عاجزة ولا تزيدُ عن الاقتباسِ من الفَصيحَة.
وننكرُ أيضا أن تُتَّخذَ العامّيّاتُ لغةَ المحاضَراتِ الجامعيّة ومناقشةِ الأطاريحِ وشرحِ الدّروس التَّعليميّة وكأنّها معجم يضمُّ شرحَ غريبِ العربيّة…
ولا حاجةِ إلى التّذكيرِ بأنّ أكثرَ مَخارِجِ أصواتِها مُحرَّفٌ عن مواضعِه، وأنّها عرضةٌ للتغيُر والابتذالِ داخلَ مجموعاتِ التَّداوُل والاستعمالِ الاجتماعيّة، ولا تكاد تستقرُّ على حالٍ، والأدهى من ذلِك أن تُصيبَ خصائصُها المُغرِقَةُ في الخُصوصيّة قراءَةَ القُرآن والحديثِ، والنصوص العربية الفصيحَة، فلا يفهم الناطقُ بالعربيّة في بلَد عربيّ ما ناطقاً بالعربيّة في بَلَد آخَر، لغَلَبَة الدّارِجَة على لسانِه، فإذا غلبَت خصائصُها في المحاوَراتِ تَعذّر التّواصُل، ولجأ المتحاورون إلى اللغات الأجنبيّة المُشتركة بينهم، وكأنها لغة النَّجدَة التي يُهرَعون إليها. ظانّين أنّ العائقَ في العربيّة الفصيحةِ نفسِها، ناسياً أو جاهلاً أنّه هو العائقُ نفسُه .
رأس البَلايا في التعليمِ الأوّليّ الذي لم يَحرصْ على تعليمِ الناشئةِ اللغةَ العربيّة مُقترنةً بصفاتِ أصواتِها ومَخارِجها الصحيحَة، في أولِ عهدهم بها. وتلقينهم المعجَمَ العربيَّ المُشترَكَ أو القريبَ من الاشتراكِ، مما يَجمع الناطقين بالعربيّة في البيئاتِ العربيّة المختلفَة