![](https://www.kechpresse.com/wp-content/uploads/2024/03/الودغيري.jpg)
هل كان من الضروري أن يأتي الإحصاء العام للسكان (لسنة 2024) لإثبات أن الأغلبية الساحقة جدا تتكلم العربية وتفهمها في مستواها الدارج على الأقل (92%)، رغم ما لنا من ملاحظات جزئية لا تؤثر على النتيجة العامة؟ فهذا شيء معلوم لكل عارف بالواقع المغربي لا يحتاج إلى دليل من هذا النوع، من جهة، وبحكم عدد من الإحصاءات السابقة التي أُجرِيت في المغرب بعد الاستقلال، من جهة أخرى. ولكنه، على كل حال، دليل آخر قوي يُضاف لإثبات هذا الواقع وتقريره وتثبيت هذه الحقيقة في وثيقة رسمية جديدة.
تبقى الأسئلة التي ينبغي طرحها ولا تُطرح عادةً، أو لا يراد لها أن تكون موضوع نظر وبحث وتأمل. وهي: لماذا لا يستخلص المسؤولون عندنا العبرة من هذه المعلومة التي تتأكد وتتكرَّر مرة تلو الأخرى، فيسيرون بالبلاد إلى الوجهة التي ينبغي أن تسير إليها في خط مستقيم دون تحايُل والتواء؟ لماذا لا يريدون الاعتراف بأن لغة الأغلبية الساحقة من السكان هي العربية لا غيرها، رغم أنواع الحصار الذي يُضرب عليها من قبل خصومها يأشكال متعددة، ورغم كل المحاولات التي تتم لتغيير الواقع اللغوي للبلاد بواقع آخر مخطَّط له ولو ضِمنيًّا؟ وما الفائدة التي تجنيها البلاد من معاكسة هذا المعطى الواقعي في مخططاتنا التنموية وسياساتنا التعليمية التي يضعها لنا الآخرون، ومحاولة طَمْسه وتغييبه والهروب منه؟ إن الواقع الذي لا يرتفع ولا جدوى من إنكاره والتنكُّر له، هو أن العربية تمثّل لغة الأغلبية الساحقة من المغاربة في تعاملها اليومي والحياتي والتلقائي على امتداد الخريطة الوطنية، فما جدوى أن تستمر الدولة في التعامل معه بغير لغته، وفي إهدار قدر كبير من الثروة الوطنية وإنفاق الأموال الطائلة على فَرْنَسة التعليم والإدارة والأقتصاد والإعلام والحياة العامة؟ نحن نعلم أن أكثر من نصف ميزانية التعليم يُصرَف على مُدرِّسي الفرنسية بعد أن تُصرف مبالغ طائلة في إعدادهم وتكوينهم. ونصف ميزانية الأسر المغربية التي تخصَّص لشراء الكتب المدرسية والجامعية وما يرافقها ويتبعها، تُنفق على الكتب الفرنسية المصنَّعة محليًّا والمستوردة من فرنسا بأثمان باهضة تتجاوز ثمن الكتاب العربي بأضعاف، ونصف الأموال التي تُصرفها الإدارات المغربية في طبع الأوراق الرسمية وما يصدر عنها من وثائق بلغتين: الفرنسية والعربية، تُهدَر هدرًا لعدم الحاجة لاستعمال هذه الإدارات ومصالحها المختلفة إلى لغة أجنبية إلا في حالات قليلة جا. هذا دون الحديث عما يُنفق في القطاع الخاص من أموال على كتابة أغلب ما يصدر عن البنوك والشركات والمتاجر وغيرها من وثائق ومطبوعات ومراسلات وملصقات وإعلانات…الخ، مكتوبة بلغة أجنبية لا يحتاجها المغاربة. وقِس على ذلك قطاع الإعلام بأنواعه، وقطاعات أخرى لا حصر لها. أموال طائلة نحتاج إليها لسد ضروريات كثيرة تضيع من غير أن نشعر، لأنها تُنفق دون ترشيد على ثُنائية لغوية مفروضة على الشعب المغربي وّإدارته وإعلامه وحياته الاقتصادية والتجارية والاجتماعية. الثنائية المكوَّنة من لغة وطنية يتكلمها الشعب برمّته تقريبًا، ولغة أجنبية موروثة من مرحلة الاحتلال الاستيطاني، مكلِّفة للغاية. وهناك دراسات علمية أنجِزت في هذا المضمار، لكن لا أحد من المسؤولين التنفيذيّين يُعيرها اهتمامًا، ولا يريد أن يسأل عنها فأحرى أن يطّلع عليها أو يبحث عنها.
أما الذين يُصرّون إصرار المُعانِد المُكابِر الذي يرى الطائر يُرفرف بجناحية في السماء، ويأبى إلا أن يقول إنه مَعْزاء (أوهو، ولو طارت معزة)، فلا يزيدهم العناد إلا تصميمًا على عرقلة كل محاولة أو عمل يهدف لتنمية اللغة المشترَكة للوطن والأمة، وإعادة التفكير الجِدّي في هذا النوع من الثنائية المفروضة بلا جدوى، بدعوى أن الدارجة المغربية ليست عربية، فهؤلاء لن يُعجبهم العَجب ولا الصيامُ في رجَب، لأن نفوسَهم مُلِئَت حقدًا أسود على لغة الأمة، وزادهم حقدًا وبُغضًا تحالفُهم القوي مع التيار الفرنكفوني للحيولة دون أي إصلاح صحيح يحقق الوحدة والانسجام والتلاحم بين أبناء الشعب الواحد والأمة الواحدة، ثم زادهم عَماءً وجهلاً ما حُشِيت به أدمغتُهم من المغالطات الشنيعة والأوهام الكاذبة التي بثَّها أولَ ما بثَّها دعاةُ الكولنيالية الأوروبية الذين نعرفهم بأسمائهم وأقوالهم ومخططاتهم وحججهم التافهة، فوجدت آذانًا صاغيىة من مَرضَى النزعة العِرقية الطائفية المُهلِكة للأمم والشعوب، لغايات في نفوسهم نعرف شِنشِنَتَها ودوافعَها وما وراءها، ومع الوقت صار يصدقها الغَوغائيون الذين لا علم لهم باللغة ولا بحقيقة اللهجات العربية ولا طبيعتها ولا علاقتها بالعربية ولغات أخرى، وإنما يعجبهم أن يخوضوا في كل شيء وإن لم يُحسنو أيَّ شيء. ولسنا مضطرين لمجاراتهم في جهلهم وسخافاتهم والانزلاق وراءهم، ولا الاشتغال بتُرَّهاتهم والرد على سفاسف أقوالهم.