فرنسا هي الدولة الوحيدة في العالم التي دأَبت منذ مدة على تخصيص حقيبة وزارية في حكوماتها للفرنكفوية، أي لنشر لغتها بالخارج، لكن عادة ما كانت تُضاف هذه الحقيبة إلى التعليم أو الثقافة أو التعاون وما ناسبَ ذلك. اليوم هناك وزير في الحكومة الجديدة يجمع في حقيبة واحدة بين (التجارة الخارجية والفرنكفونية والفرنسيّين بالخارج). المسألة لم تعد بحاجة إلى أدوات تحليل وفكّ التشفير، فالصورة تُقدَّم نفسها بنفسها بشكل أوضح ليفهم الجميع أن الغاية الأساسية من هذا الفرنكفونية هي تنمية التجارة الخارجية وتوسيع سوق الصادرات (وأغلبها صادرات ثقافية ولغوية) بين الدول التابعة لمنظوماتها ورفع مستوى الاستثمار الاقتصادي، وليست مجرد أداة لتوصيل العلوم والآداب لمن يحتاجها ووسيلة للانفتاح على العالم كما يُروّج لذلك بعضُ المشعوِذين والمغالِطين. دائمًا كانت فرنسا تستنجد بلغتها باعتبارها الحبل السرّي الذي يجمعها بالمغرب والمغاربة وبقية شعوب شمال إفريقيا وغربها، لإنعاش تجارتها الخارجية وإنقاذ اقتصادها الذي لا يمكن أن يعيش بدون الاعتماد على تلك اللغة.
طبعًا نحن في العالم العربي والإسلامي، لا يخطر ببال أحدنا ولو في الأحلام، أن يسمع يومًا عن وزير للثقافة وإنعاش اللغة العربية، أو وزير للتعليم وتنمية اللغة العربية، أو وزير للتعاون ونشر العربية (باعتبار العربية لغة الأمة الإسلامية جمعاء)، فأحرى أن يصل إلى درجة التفكير في وزير للتجارة الخارجية واللغة، فتلك درجة متقدمة من الوعي لن نصل إليه في يوم من الأيام ما لم نخرج بعدُ من قُمقُم الفرنكفونية الذي أُحكِم إغلاقُه علينا وألقِيت مفاتيحُه في البحر. نحن شعوب تحتقر أمجاد أمتها وتتنكَّر لتاريخها وماضيها ومقوّماتِ هويتها وكأنها عبءٌ ثقيل على كاهلها ووصمةُ عارٍ على جبينها، وتصبو للانسلاخ من دينها وشريعتها، وتفتقر للشجاعة الكافية التي تجعلها تثق في نفسها وتعتمد على ذاتها وطاقاتها وتعيد الاعتبار للغتها. شعوبُنا، والحمد لله، مشغولة بفِتَنِها وتمزّقاتها وتقرُّحاتها وتعميق الشروخ بين مكوّناتها، فلا وقت عندها لمثل هذه الأحلام التافهة والأفكار البائسة.