تداولت قصاصات الأخبار تفشّي ظاهرة إلزام المدارس الخصوصية تلاميذَها بشراء بعض الكتب المقرَّرة منها عوض شرائها من المكتبات. والذي لم يُشَر إليه في الموضوع، وهو الأهم، أن الموضوع غالبًا ما تكون له علاقة بالكتب المدرسية المنشورة في فرنسا من تأليف فرنسيّين ويعتمدها عدد من تلك المؤسسات في تدريس اللغة الفرنسية والمواد العلمية المفَرنَسة، وهي كتب باهظة الثمن مقارنة مع الكتب المطبوعة بالمغرب من تـأليف مغاربة. فإذا كان ثمن الكتاب المغربي 20 درهما فالكتاب المستورد من فرنسا، قد يصل ثمنه أحياناً إلى ما يقرب من عشرة أضعافه. وهذه نتيجة واحدة من النتائج السلبية التي لا حصر لها لفَرْنسة التعليم، دون أن نتحدث عن المضامين الفكرية والثقافية والاجتماعية التي تتضمنها هذه الكتب المدرسية المستوردة من بيئة وثقافة وقيَم كلها مغايرة للبيئة المغربية ومجتمعها المسلم، والأضرار التي تلحق باللغة الوطنية وأمور أخرى يضيق المجال عن حصرها.
وكثيرًا ما نبَّهنا إلى أن الفرنكفونية ليست مجرد سياسة ثقافية ولغوية فحسب، وإنما هي بالدرجة الأولى سياسة قائمة على أساس اقتصادي تجاري تُستثمَر فيه اللغةُ بطريقة ذكية جدا ليتحول المتعلِّم الفرنكفوني فيما بعد إلى تابعٍ ثقافيًّا وفكريّا وسلوكيّا، وإلى زبونٍ مُدمِنٍ لكل البضائع والمُنتجات الرائجة في السوق الكبرى التي تؤطرها المنظمة الفرنكفونية العالمية، بما فيها الكتب وكل ما يدخل في الصناعة الثقافية والعملية التعليمية من أدوات وتقنيات ومنتوجات لا حصر لها. لذلك كنا نقول دائمًا إن التعليم باللغة الأجنبية له تكلفة اقتصادية عالية من جوانب شتى تُضخمّ مراتٍ ومراتٍ ميزانية الدول التي تنهج هذا النهج في مجال التعليم، كما تُفاقِم من ميزانيات الأُسَر. فضلاً عن الثمن الباهظ جدا الذي يكّلفه إجماليّا ثمنُ التعليم في المدارس الخصوصية، ويرتبط بهذا أيضًا العجزُ عن تعميم التعليم والحدّ من انتشاره والعجز عن توحيده، في مقابل تفاحُش ظاهرة التعليم الطبقي وتفاوت الفرص في محتوى التحصيل وجودته.
موضوع التعليم باللغات الأجنبية له كثير من الأبعاد الخطيرة، كلما حاولتَ تناوله من زاوية إلا تجلَّت لك زوايا وأبعاد أخرى أخطر وأخطر، كل منها يحتاج إلى تسويد مئات الصفحات. فلنكتفِ بهذه الإشارة هنا.