ما يزال بعض المسؤولين في بلانا مصرّين بكل عناد مع الأسف، على إغراق بلادنا في وحل اللغة الأجنبية بمناسبة وغير مناسبة، وعلى المضيّ في تطبيق سياسة تعليمية فاشلة تقوم على تعميم الفَرْنَسة وتعميق جذورها على أوسع نطاق، وكأنها القَدَر الذي يلاحق المغاربة في مرحلة الاستعمار الاستيطاني ومرحلة الاستعمار اللغوي، ولا فكاك لهم منه.
ورغم الانتقادات الواسعة التي أعقبت صدور القانون الإطار ( 2019) الذي أعاد عجلة التاريخ أربعين سنة إلى الوراء بإلغاء استعمال العربية لغة الهوية في تدريس المواد العلمية والتقنية وإحلال الفرنسية محلها، وما أعقب ذلك القرار الخاطئ والمستفزّ من ردود أفعال شعبية ووطنية قوية ومستنكرة، يأبى السيد وزير التعليم اليوم، وهو الفرنكفوني القُحُّ، إلا أن يفاجئ المواطنين بخطوة أخرى مستفزّة، بالتوقيع على قرض ضخم يضاعف حجم الديون الخارجية التي يعاني منها المواطنون. والديون هذه المرة ليست موجَّهة لإنجاز مشاريع تنمية حقيقية في البلاد، ولكنها موجَّهة لتنمية لغة أجنبية فقَدت صلاحيتَها في العالَم كله، وتنفيذ مخطط لا يستفيد منه على المدى البعيد والمتوسط إلا الجهة المُقْرِضة. مع أن العربية، وهي لغة الهوية التي لا تكلف المغاربة درهما واحدا من الديون، أولى بالبحث لها عن وسائل الدعم والتقوية، وهي أولى بالتمكين لها من لغة أجنبية متجاوَزة عالميا وعلميا بالقياس إلى الإنجليزية على الأقل.
ولقد بيَّن التقرير الذي قدمه السيد رئيس الحكومة منذ بضعة أسابيع أن مستوى تحصيل العربية عند تلاميذ المدرسة المغربية لا يقل سوءًا وضعفًا عن مستوى تحصيل الفرنسية، مع أن العناية بها أولى وأحق. ولكن العربية للأسف ليس لها داعم ولا راعٍ ولا مُموِّل، ولا أبٌ ولا أمٌّ يفكران في مصلحتها، أو على الأصح ليس هناك من يفكر في البحث عن داعم لها بالأموال والخبرة والتقنية اللازمة لمواكبة استعمالها وتنميتها. ولطالما نعتوا العربية ظلمًا وبهتانا بالضعف والحاجة إلى التهيِئة والتطوير، واتهموها بأنها سبب ضعف التعليم المدرسي، فلماذا لا يعملون على دعمها والعمل على تنميتها حقا، ولا يفكرون في مستقبلها وكأنها ليست لغة وطنهم وأمتهم، عوض أن يُغرقوا البلد بالديون لإنقاذ اللغة أجنبية التي يحسن أصحابُها كيفية الاستثمار فيها على أوسع نطاق؟.
لقد كان رأينا الذي ما فتئنا نعلن عنه في كل مناسبة، هو أن التنمية الحقيقية في كل بلد لا يمكن أن تتم على الوجه الأحسن والأمثل والأقل كلفة وجهدا، إلا باللغة الوطنية، لغة الهوية ولغة الأمة، وأما الاعتماد على لغة أو لغات أجنبية فيجب أن يكون موقتًا ولمرحلة معينة ومخطَّط لها تخطيطا جيدا لا عشوائيا، وحسب الحاجة الماسة في المجالات الضرورية، حتى نعرف ما هي اللغة التي تفيدنا أكثر من غيرها، وفي أي مجال، ولأية غاية، وفي أية مرحلة؟، وعوض بذل الجهود في تنمية لغات الآخرين والعمل على نشرها وتعميق جذورها في مجتمعنا، يجب صرف هذه الجهود لتنمية اللغة الوطنية الأساسية التي هي الأداة الصحيحة للتنمية في كافة المجالات ولاسيما مجال التعليم.
لا بد من أن نكون حذِرين متيقظين غير غافلين عما تعمل له هذه الزمرة المختارة من الفرنكفونيّين الذين لا يهمهم الاستثمار في تنمية لغتنا وبلادنا، وإنما يستغلون مواقعهم ومراكزهم الحساسة، لتنفيذ مخططات تخدم أهداف الآخرين الذين لا يريدون لنا ولأمتنا إلا أن نظل على الدوام تحت رحمتهم تابعين خاضعين مُنكَسِرين.