من طبيعة الفلسفة أن تبدأ بأسئلة سهلة، سرعان ما تصعب وتنقل إلى الحيرة، و أشدها ما يرتبط بالكون، فالذين يتصورون ويعتقدون أن الكون كما هو موجود حاليا على الأقل، وحسب إدراكنا و أدواتنا مسلم به (تقرأ الميم بالضمة) يعتبرونه نظاما عاديا، و أمر مفروغ منه بل ضروري، نود أن نذكرهم بما يلي:
1 ـ حسب علوم الاحتمالات هذا النموذج الذي ندركه ونعي جزء من مكوناته وبنيته بهذه الدقة والنظام تحققه بشكل عادي أمر مستحيل. أي لنقل صفر تحقق هذا النموذج ، لكونه حالة من ملايير ملايير ملايير ….. الحالات الممكنة على غير هذا الموجود، فإذا زاد شرط قابلية الفهم لهذا الموجود أصبح الأمر مستحيل إطلاقا، والسؤال لماذا تحقق وتحقق بشرط الاكتشاف مع الزمن؟، أي أن رحلة تاريخ الإنسانية هو اكتشاف هذا التحقق؟
هذا هو أول السؤال، أما القضية الثانية العصية المستعصية والمتعلقة بالعدم الصعب تخيلا وإدراكا والمعبر عنها
لماذا لا يستحضر أنه كان يمكن ألا يوجد شيء ؟،
أما السؤال الثالث فهو: لماذا الكون هو ما عليه حاليا؟
في رحلة العلم لبناء الإجابة على ما سبق من الأسئلة تؤدي بنا المحاولة إلى مجالين، يتداخلان ويلتقيان ويتصارعان ويختلفان ويلغي أحيانا بعضهما البعض وهما الدين أو الفلسفة أو كلاهما.
إن الاسئلة السابقة يجيب عنهما القرآن الكريم بطريقة مركبة تحت عنوان من اعظم العناوين :
- الخلق والأمر
(إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِى ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُۥ حَثِيثًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتٍ بِأَمْرِهِۦٓ ۗ أَلَا لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَٰلَمِينَ) الآية.
لا نقف عند تفاسير الاستواء و الأيام لأنها من المتشابه والمفتوح حسب الادراك، وكلما سمى عقل الانسان كلما تحرر من نماذج سابقة عاجزة. وأحيانا متناقضة بل ومرفوضة علما ومنطقا. وكثير من الاسرائليات تسكنها، بل نشأت بسببها مدارس و عناوين من خلال موضوع الاستواء وموضوع الأيام،
أكتفي ببعض الإشارات المرتبطة بالخلق والأمر اولها الليل والنهار. وهما علامة عن الحركة ولا حركة بدون ثلاثة قواعد :
* القوة المستمرة وحقولها
* القوانين الفيزيائية الناظمة للحركة،
* الحيز المكاني الذي يسع هذه الحركة مع تعدد مكونات الوجود، و اما يطلبه حثيثا فليس اروع منها كدليل على القوانين والنظام،
إن المعنى الفلسفي والديني تتظمنه كلمتي الخلق والامر فهما يقومان بغلاق أبواب من العبث في التفكير و حيث يجيب من له القدرة على الخلق والأمر على قضية :
* لماذا يوجد هذا الوجود بدل لا شيء أو بدل وجود اخر،
* يعطي معنى لما يوجد على هذه الصفة القابلة للفهم والادراك بما نملك من أدوات و ما نحن نتمتع به من مؤهلات، اي ان الكون قابل للفهم بما نحمل من أدوات الفهم، فلو كان مستحيلا علينا أو لم نكن مهيئين لذلك ، لما كان ما أكتبه الآن ذي معنى.
هنا أجد قول أبو يعرب المرزوقي غاية في الأهمية حيث يقول :
” فلو فهموا أن وجود الدنيا (وجود شيء بدل لا شيء) ووجود نظامها (كونها على ما هي عليه بدل غيره) هو المعجز لفهموا أن الطبيعي هو الفوضى وليس النظام وأن المعجزة الحقيقية هي وجود النظام وكونه ذلك بالنظام بدل غيره.
وإذن فالمعجز في القرآن هو بيان أن من لا يصدق بالآخرة هو من يتصور الدنيا مفروغا منها وجودا ونظاما وليست هي المعجزة التي لا يمكن تفسيرها بذاتها.