يواجه المغرب خلال السنوات الاخيرة محدودية الموارد المائية وعدم انتظامها في المكان والزمان، إذ إن المغرب مع مرور الأيام و السنون صار يعاني من تزايد الطلب على هاته المادة الحيوية وانعدام الترشيد في الاستعمالات مما تسبب أدى إلى نقصان هاته الموارد و البدء في الاستغلال للثروات المائية الجوفية. كما أن المملكة المغربية تاثرت بالانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية. وبذلك نسجل انتقال هاته الموارد من 2500 متر مكعب للفرد الواحد سنويا سنة 1960 إلى ما يقارب 600 متر مكعب اليوم .
إضافة إلى كون النظام المائي بالمغرب يتميز بتناوب أعوام زاخرة بالأمطار والمياه ، وأخرى عجاف يطبعها جفاف حاد ، ويمكن أن تدوم لسنوات عديدة مثلما حدث بين 2015 و2020. فقد تم تسجيل ضعف شديد في حصيلة السدود منذ عام 2015 ؛ حيث سجلت هذه الحصيلة أضعف مستوياتها في أواخر شهر نونبر من سنة 2021؛ وهي نسبة 30 بالمائة . وهي أوضاع مقلقة تسائل الفاعلين والمسؤولين على هذا القطاع لإشكالات لا يبدو أنها ستزول خلال الاعوام المقبلة بسبب آثار التغير المناخي الذي يشهده الكوكب الأرضي .
و لنا أن نعتز بالسياسة الحكيمة والرشيدة لصاحب الجلالة المرحوم الحسن الثاني في بناء السدود بمنطق استباقي واستشرافي للأوضاع المتقلبة والانعكاسات السلبية على المستويات الاقتصادية و الاجتماعية، وهي نفس السياسة التي اختارها جلالة الملك محمد السادس منذ توليه عرش اسلافه المنعمين، وذلك من خلال توجيهاته وقراراته الخاصة بالإشكال المائي والتقلبات المناخية كان آخرها ما جاء في خطبه يوم 14 اكتوبر 2022 خلال افتتاح الدورة البرلمانية من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة، إذ قال حفظه الله:
(( أولا: ضــرورة إطــلاق برامــج ومبــادرات أكثــر طموحــا ، واسـتثمار الابتـكارات والتكنولوجيـات الحديثـة ، فـي مجـال اقتصـاد المــاء ، وإعــادة اســتخدام الميــاه العادمــة.
ثانيـا : إعطـاء عنايـة خاصـة لترشـيد اسـتغلال الميـاه الجوفيـة ، والحفــاظ علــى الفرشــات المائيــة ، مــن خــلال التصــدي لظاهــرة الضــخ غيــر القانونــي ، والآبــار العشــوائية .
ثالثــا : التأكيــد علــى أن سياســة المــاء ليســت مجــرد سياســة قطاعيـة ، وإنمـا هـي شـأن مشـترك يهـم العديـد مـن القطاعـات. وهـو مــا يقتضــي التحييــن المســتمر، للاســتراتيجيات القطاعيــة ، علــى ضــوء الضغــط علــى المــوارد المائيــة ، وتطورهــا المســتقبلي..
رابعـا: ضـرورة الأخـذ بعيـن الاعتبـار، للتكلفـة الحقيقيـة للموارد المائيـة ، فـي كل مرحلـة مـن مراحـل تعبئتهـا ، ومـا يقتضـي ذلـك مـن شـفافية وتوعيـة ، بـكل جوانـب هـذه التكلفـة )).
وانسجاما مع المقتضيات الدستورية التي ثمنت دور الجماعات الترابية بوصفها فاعلا أساسيا في التنمية ، وتحديدا الجهة ، التي تحتل من بين مختلف الجماعات الترابية ، مكانة خاصة، لا يبدو أن توفير مستديم للماء داخل البلد يمكن أن يحالفه النجاح بدون تعبئة منصفة وفعالة للموارد على مستوى الجهات. ولا يستقيم هذا الأمر إلا بفضل إعمال منهجية المشاركة والتنسيق والاستشارة بين مختف الفاعلين والمتدخلين من حكومة ، وجماعات ترابية ، ومجتمع مدني
ومادامت مشاريع التنمية تقتضي بالضرورة إعمال مقاربات نسقية واستباقية، لا يمكن ، بأي حال، الاستغناء عن الدور الذي يمكن أن يضطلع به الاساتذة الباحثون من مختلف العلوم والتخصصات بما فيها العلوم الاجتماعية ، التي من شأنها بناء نماذج تحليل يكون في وسعها توقع الأزمات وتجنب المخاطر.
من هذا المنطلق قررت مؤسسة فكر للتنمية و الثقافة و العلوم في اطار سلسلة الندوات واللقاءات التي تنظمها بشراكة مع جمعية جهات المغرب وباتفاق مع رئيستها السيدة امباركة بوعيدة وتعاون مع مجموعة من المؤسسات الوطنية – تنظيم هاته الندوة الدولية بالمدينة الحمراء مراكش في موضوع يؤرق المجتمع المغربي بكل مكوناته ومستويات مسؤولياته يناقش خلالها الاساتذة الباحثون و الخبراء من دول مختلفة البرتغال وفرنسا وتونس وليبيا وموريتانيا والمغرب من مدن متعددة مراكش والدار البيضاء واكادير وتطوان وطنجة والقنيطرة واسفي وفاس ومكناس والجديدة والرباط الموضوع من جوانب متعددة. وهكذا يشاركنا أشغال الندوة هاته مختصون في الماء والطاقات المتجددة بكل أنواعها والتاريخ والاقتصاد والمالية وعلم الاجتماع. وبذلك تكون الندوة متفردة ومتميزة في معالجة قضايا موضوعها من زوايا متعددة ومختلفة .
و من حسن الطالع أن يتزامن إعلاننا عن الندوة بمكانها وتوقيتها حتى علمنا أن الجهة عرفت تساقطات مطرية وثلجية بلغت أكثر من 97 مليون متر مكعب، بمعدل بلغ أكثر من 48 في المئة من معدل الملء مقارنة مع السنة الماضية. نتمنى أن تستمر التساقطات بكل جهات المملكة حتى نعود لزمن تكافئ التساقطات المطرية بها.
وبصرف النظر عن طبيعة التساقطات المطرية اللامتكافئة بين مختلف مناطق المغرب وجهاته، يتعين على المغرب أن يجد حلولا للنمو الديمغرافي القوي الذي تشهده أقطابه الحضرية الكبرى مثل الدار البيضاء ومراكش وأكادير. إن ضمان وصول الماء الصالح للشرب إلى الصنابير وبجودة عالية، ومحاربة جميع مصادر هدر المياه الصالحة للشرب يعتبر تحديا لكل المتدخلين في مسلسل إنتاج الماء وتوزيعه. ولكن ، حتى نتمكن من ترشيد استهلاكنا لهذا المورد الثمين، يبدو أن الأهم هو تحسيس المستهلك بأهمية اقتصاد الماء، وجعله ينخرط بنشاط وحيوية في هذا الأمر، سواء كان هذا المستهلك فردا ، أو جماعة محلية، أو فلاحا، أو مقاولة صناعية. فمسألة الماء يجب إدماجها في كل الجوانب المرتبطة بالتنمية السوسيو-اقتصادية. ويجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من النقاش العمومي مع اعتماد سياسة تربوية تكوينية للمواطن من الاولي الى العالي من قبل القطاعات الحكومية المكلفة بمنظومة التربية والتكوين
ورغم أن المغرب اليوم يتوفر على ما يقارب 140 سدا كبيرا يسع لما يناهز 18 مليار متر مكعب كما يتوفر على آلالاف من الآبار والأثقاب لتعبئة المياه الجوفية. كما أن المملكة المغربية توفقت في اكتساب خبرات بجودة عالية لأساتذة باحثين وخبراء مختصين ومهندسين وتقنيين تمكنوا من التحكم في الموارد المائية بإنشاء خزانات كبرى للمياه، فإن الاجماع الوطني حاصل على أن موضوع الموارد المائية والطاقات المتجددة والتنمية المستديمة المرجوة قضايا تهم حياة المواطنات والمواطنين اجتماعيا واقتصاديا والأمن المائي والامن الغدائي متلازمان وضروريان لكل تنمية مستديمة. فالماء ضروري في الفلاحة حتى نضمن الأمن الغدائي، علما أن القطاع الفلاحي يستهلك ما يقارب 85 في المئة من حجم موارد المغرب المائية، ويظل أقل من 20 في المئة يسخر للصناعات والسياحة والحياة الاسرية .
لكل ما ذكر وما لم يذكر ، فالمطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى بكل مسؤولية ووطنية صادقة إعادة النظر في مقتضيات المخطط الأخضر والحد بكل الوسائل المشروعة من كل مظاهر التبذير والاستهلاك المبالغ فيه وغير الرشيد للموارد المائية ومحاربة كل مظاهر التلوث مع التشبت بسياسة بناء السدود الكبرى والمتوسطة والصغرى ضمانا لعدالة مجالية تساهم في تحقيق الامن الغدائي .
الندوة ستناقش خلال يومين اثنين قضايا الماء والطاقات المتجددة الخطة الوطنية المعتمدة من أجل التوفير المستديم للماء والتزود به، من خلال المحاور التالية :
1- تكيف الموارد المائية مع التغيرات المناخية
2- الماء والصناعة
3- NEXUS : الماء والطاقة والأمن الغذائي
4- تحلية مياه البحر: تبادل تجارب
5- الانعكاسات الاقتصادية و الاجتماعية
أخذا بالاعتبار مجموع الإشكالات التي تواجهنا في هذا المجال ، والاقتراحات التي تقدم من أجل كسب رهان:
➢ مواصلة تطوير العرض وتعزيزه من خلال بناء سدود جديدة ، وربط مختلف الأنظمة الهيدروليكية فيما بينها ، وتأهيل الطرق غير التقليدية لإنتاج الماء ، وتحديدا تحلية مياه البحر، وإعادة تدوير المياه العادمة ، وتصفية المياه المستعملة بحسب مقاربة مندمجة،
➢ تدبير الطلب على الماء بما يسمح واقتصاد هذه الثروة الطبيعية ، وتثمين الموارد المائية المستعملة،
➢ المحافظة على الموارد المائية والحاملات البيئية ، وتحسين تدبيرنا للكوارث المناخية ، خصوصا فيما يتعلق بحماية الساكنة والخيرات من الفيضانات
ــــــــــــــــ
*كلمة الاستاذ محمد الدرويش
*رئيس مؤسسة فكر للتنمية و الثقافة والعلوم في افتتاح الندوة الدولية حول موضوع :
الماء و الطاقات المتجددة و التنمية المستديمة
بمراكش أيام 23 – 25 فبراير 2023
الرباط في 24 فبراير 2023